هل تذكرون النبضة الشمسية التي تحدثنا عنها منذ ما يقارب السبع سنوات؟
كانت تلك هي سولار إمبلس-1 أو النبضة الشمسية-1، الطائرة الخفيفة التجريبية من صنع “برتراند بيكارد” و “أندريه بورشبرج” السويسريين، والتي قامت برحلتها الأولى يوم 5 يونيو 2012 لمدة 19 ساعة متواصلة عبر مسافة 830 كيلومتر من مدريد ، أسبانيا إلى الرباط بالمغرب اعتمادًا على الطاقة الشمسية فقط! ساعتها كانت تلك الرحلة أول رحلة عابرة لقارتين تقوم بها طائرة تعمل بالطاقة الشمسية.
كان الغرض من تلك الرحلة تجهيز وسائل الاتصالات لتقنية جديدة، ومحاولة التوصل إلى نظام جديد للطيران يكون محافظًا على البيئة واقتصاديا في نفس الوقت. ولم يكن إحراز رقم قياسي في الطيران بهذا النوع هو الحافز الرئيسي هنا، وإنما كان التوصل إلى تقنية محرك طائرة صديقة للبيئة، من دون استهلاك للوقود.
حينها كانت سولار إمبلس-1 طائرة من نوع HB-SIA بعرض جناحين يبلغ 64 متر ووزن 1.6 طن، وبسطح علوي بماسحة نحو 200 متر مربع مرصع بنحو 12.000 خلية شمسية! وقد بدأ المخترعان بالعمل على تصميم وبناء الطائرة الثانية من نوع HB-SIB الجديدة عام 2011، بهدف الدوران حول الأرض بها .. دون قطرة وقود واحدة!
طموح ومبهر، أليس كذلك؟
الأكثر إبهارًا هنا أن الطائرة المحسنة سولار إمبلس-2 قد انطلقت في رحلتها التاريخية بالفعل في 2015 الماضي، وقد أوشكت على تحقيق هدفها بالفعل!
فبعدد أكبر من الخلايا الشمسية وبمحركات أقوة من طائرة سولار إمبلس 1، وبعض التعديلات الأخرى. أقلع بيكارد و بورشبيرغ في مارس 2015 بطائرة سولار إمبلس-2 من أبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة، على أن تعود الطائرة في أغسطس 2015 إلى أبي ظبي مرة أخرى بعد رحلة متعددة المراحل. وفي شهر يونيو 2015 عبرت الطائرة القارة الأسيوية، ثم في يوليو 2015 أتمت أطول مسافة تقطعها فوق المحيط الهادي من اليابان إلى هاواي! لكن خلال تلك المرحلة الطويلة أصاب البطاريات عطل بسبب ارتفاع في درجة حرارتها واضطرت الطائرة البقاء في هاواي عدة أشهر لإصلاح البطاريات؛ قبل أن تواصل سولار إمبلس 2 رحلتها حول العالم.
وفي 11 يوليو 2016، أقلعت سولار إمبلس 2 من مدينة إشبيلية الإسبانية في طريقها إلى القاهرة، لتحط بمطار القاهرة بسلام صباح الأربعاء 13 يوليو 2016 في ظروف طقس مواتية. ويمكنكم الاطلاع على خط سير الطائرة منذ انطلاقها العام الماضي حتى محطتها الأخيرة في أبو ظبي حسب الجدول التالي..
سعت سولار إمبلس 2 للهبوط في القاهرة صباحًا؛ لكي تكون الرياح ودرجات الحرارة مناسبة كي لا يتكرر العطب الذي أصاب الطائرة في رحلتها من اليابان إلى هاواي خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة الشديد، حيث إذا حدث ولم تكن الطائرة جاهزة للهبوط في مطار القاهرة صباح الأربعاء، كان سيتعين عليها أن تبقى في الجو حتى صباح الخميس.
يقول رايموند كليرك، مدير الرحلة:
الرياح ستكون مواتية من الثانية وحتى الثامنة صباحًا بالقاهرة. أما إذا هبطنا بعد هذا الوقت، فسوف تكون درجة الحرارة مرتفعة للغاية، وهو ما يُعد مشكلة لبنية الطائرة. فأثناء الطيران لا يكون ذلك مشكلة بالنسبة لنا، إذ يقوم الهواء بتبريد السطح.
وبعد هذه الرحلة، ستتجه الطائرة من القاهرة إلى أبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة، لتنهي جولتها العالمية التي بدأتها في شهر مارس 2015.
لكن لماذا مصر، وتحديدًا القاهرة؟
لو طالعت التغطيات المبكرة لرحلة النبضة الشمسية 2، لوجدت أن المحطة قبل الأخيرة لم تكن محددة تمامًا حينها، فماذا حدث؟
على ما يبدو، فمؤسس مشروع الطائرة سولار إمبالس الطيار برتراند بيكارد يحمل بعض الذكريات العزيزة تجاه مصر، والقاهرة على وجه الخصوص. فبيكارد يعتبر الهبوط في مصر محطة هامة بالنسبة له، إذ هبط ببالونه الطائر Breitling Orbiter 3 في القاهرة منذ 17 سنة والذي كان حينها البالون الأول الذي قام بجولة حول العالم بلا توقف.
كان الهدف من الهبوط في مصر حينها هو أن يحط البالون عند أهرامات الجيزة كمحطة أخيرة مبهرة، لكن الرياح الشديدة يومها حالت دون ذلك مما أدى إلى هبوط البالون على بعد 80 كيلو كاملة من موقع الأهرامات المنشود. لذا لم تفوت سولار إمبلس 2 الفرصة أثناء الرحلة عندما دخلوا المجال الجوي المصري، ليلتقط طاقم الطائرة بعض الصور للأهرامات قبل الهبوط في القاهرة فجر يوم الأربعاء 13 يوليو كنوع من التعويض التاريخي لرحلة بالون يرايتلنج أوربتر. الصور التالية تاريخية لأسباب كثيرة لا تخف على أحد!
في النهاية يجدر الإشارة إلى أن قمرة قيادة الطائرة ذات المقعد الواحد يتناوب على شغلها طياران هما أندريه بورشبيرج André Borschberg و برتراند بيكارد Bertrand Piccard، ويرتديان في مهمتهما سترة خاصة بتلك المهمة.
واحزروا من سيقود الطائرة من القاهرة إلى محطتها الأخيرة في أبو ظبي؟ ربان المنطاد Breitling Orbiter 3 القديم: برتراند بيكارد!