اختصّ أمير المؤمنين علي عليه السلام بفضائل لا تدانى ومنزلة لا تضاهى ، فهو أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأول من آمن به وصدّقه ، وأحبّ الناس إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو وصيّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووارثه وصفيه ووزيره وباب مدينة العلم وولي كلّ مؤمن بعده .
وفضائله المبيّنة عن منزلته السامية عند الله تعالى كثيرة تفوق حدّ الاِحصاء ، أفردها كثير من العلماء والمحدثين بالتصنيف والتأليف (1).
روى الحاكم باسناده عن أحمد بن حنبل ، قال : ما جاء لاَحدٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الفضائل أكثر ما جاء لعلي بن أبي طالب عليه السلام (2) . ورواه ابن عساكر (3)، وابن حجر ، وقال الاَخير : وكذا قال النسائي وغير واحد (4).
وقال ابن أبي الحديد : اعلم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لو فخر بنفسه ، وبالغ في تعديد مناقبه وفضائله بفصاحته التي آتاه الله تعالى إياها واختصّه بها ، وساعده على ذلك فصحاء العرب كافة ، لم يبلغوا إلى معشار ما نطق به الرسول الصادق صلوات الله عليه في أمره (5).
وفيما يلي بعض تلك الفضائل التي اختص بها أمير المؤمنين عليه السلام من بين أفراد الاُمّة :
1 ـ إنّه أحبّ الخلق إلى الله تعالى ، وذلك في حديث الطائر المشهور المتواتر ، وقد أوردناه في المبحث الثاني من الفصل الثاني مع مصادره ، فراجع .
2 ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلم مخاطباً أمير المؤمنين علي عليه السلام : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنه لا نبي بعدي » (6).
والظاهر من القرآن الكريم ان هارون كان وزير موسى عليه السلام وخليفته في قومه (7) ، وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام ، فهو نصّ صريح في خلافته عليه السلام .
3 ـ ولعلّ حديث الراية في يوم خيبر ومجيئه بالفتح والظفر ، هو أربى فضائله عليه السلام ، وقد مرّ نصّه في المبحث الثاني من الفصل الثاني مع جملة من مصادره ، فراجع .
4 ـ وفي تبليغ سورة براءة ، بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر إلى أهل مكة ، فسار بها ثلاثاً ، ثم قال لعلي عليه السلام : « الحقه ، فردّ علي أبا بكر ، وبلّغها أنت » ففعل وأخذها منه وسار إلى مكة ، ورجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً : يا رسول الله ، أحدث فيَّ شيء ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم :« لا، ولكن أُمرت أن لا يبلّغها إلاّ أنا أو رجل مني »وفي رواية :« لا يبلّغ عني إلاّ أنا ، أو رجل منّي » (8).
5 ـ ودعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام يوم الطائف فانتجاه ، فقال الناس : لقد طال نجواه مع ابن عمه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :« ما أنا انتجيته ، ولكنّ الله انتجاه » (9)» .
6 ـ وفي حديث سدّ الاَبواب الشارعة في مسجد النبي ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : «سدّوا الاَبواب إلاّ باب علي »فتكلم الناس بذلك ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «أما بعد ، فإني اُمرت بسدّ هذه الاَبواب إلاّ باب علي ، وقال فيه قائلكم ، والله ماسددّته ولا فتحته ، ولكن اُمرت فاتّبعته » (10).
7 ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلم :« أنا مدينة العلم ، وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأت الباب » (11) ، وفي لفظ آخر « أنا دار الحكمة وعلي بابها » (12).
8 ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلم :« إنّ علياً مني وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي » (13).
9 ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلم :« لكل نبي وصيّ ووارث ، وإن علياً وصيي ووارثي » (14) .
10 ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « من آذى علياً فقد آذاني » (15).
فهذه النصوص النبوية وغيرها الكثير ، دلائل بيّنة تحكي عن فضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على جميع أفراد الاُمّة ، وكونه المؤهل لتسنّم الدور القيادي في حياة الاَمة وتحمّل أعباء الرسالة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
(1) كالسيد الرضي في الخصائص . وابن المغازلي في المناقب . والخوارزمي في المناقب وغيرهم .
(2) المستدرك على الصحيحين 3 : 107 .
(3) ترجمة الاِمام علي عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق 3 : 83 | 117 . وطبقات الحنابلة | أبو يعلى 1 : 319 ، دار المعرفة ـ بيروت . والاستيعاب 3 : 51 .
(4) تهذيب التهذيب 7 : 339 .
(5) شرح ابن أبي الحديد 9 : 166 .
(6) صحيح البخاري 5 : 89 | 202 . وصحيح مسلم 4 : 1870 | 2404 . وسنن الترمذي 5 : 640| 3730 . والمستدرك للحاكم 2 : 337 . ومسند أحمد 1 : 173 و 175 و 182 و 184 . ومصابيح السُنّة 4 : 170 | 4762 . وجامع الاُصول 8 : 649 | 6489 و 6490 و 6491 ولايكاد يخلو منه مصدر من مصادر الحديث .
(7) راجع : سورة طه : 20 | 29 ـ 32 . وسورة الفرقان : 25 | 35 . وسورة الاَعراف : 7 | 142 .
(8) مسند أحمد 1 : 3 و331 ، 3 : 212 و283 ، 4 : 164 و165 . وسنن الترمذي 5 : 636 | 3719 . وجامع الاُصول 8 : 660 | 6508 . ومجمع الزوائد 9 : 119 . والصواعق المحرقة : 122 . والجامع الصغير 2 : 177 | 5595 . والبداية والنهاية 7 : 370 . وتفسير الطبري 10 : 46 وغيرها .
(9) سنن الترمذي 5 : 639 | 3726 . ومصابيح السُنّة 4 : 175 | 4773 . وجامع الاصول 9 : 6493 . والرياض النضرة 3 : 170 . والبداية والنهاية 7 : 369 وغيرها كثير .
(10) سنن الترمذي 5 : 641 | 2732 . ومسند أحمد 1 : 331 . وفتح الباري 7 : 13 . والمستدرك 3 : 125 . ومجمع الزوائد 9 : 114 . والرياض النضرة 3 : 158 . وجامع الاصول 8 : 659 | 6506 . والبداية والنهاية 7 : 355 ، وجميع كتب المناقب .
(11) مستدرك الحاكم 3 :126 و127 وصحّحه . وجامع الاصول 8 : 657 | 6501 . والبداية والنهاية 7 : 372 . وتاريخ بغداد 11 : 49 ـ 50 وأثبت صحته . والصواعق المحرقة : 122 وغيرها.
(12) سنن الترمذي 5 : 637 | 3723 . ومصابيح السُنّة 4 : 174 | 4772 . والجامع الصغير 1 : 415 | 2704 . والبداية والنهاية 7 : 372 . وحلية الاَولياء 1 : 64 وغيرها .
(13) مسند أحمد 4 : 439 ، وسنن الترمذي 5 : 632 | 3712 ، وخصائص النسائي : 63 و 75 والمصنف | ابن أي شيبة 7 : 504 | 58 ، دار الفكر ـ بيروت ط 1 . والمعجم الكبير | الطبراني 18 : 128 | 265 . وجامع الاصول 8 : 652 | 6493 .
(14) ترجمة الإمام علي عليه السلام من تاريخ ابن عساكر 3 : 5 | 1030 و 1031 . والرياض النضرة 3 : 138 . وذخائر العقبى : 71 . ومناقب الخوارزمي : 42 . والفردوس | الديلمي 3 : 336 | 5009 . ومناقب ابن المغازلي : 201 | 238 . وكفاية الطالب : 260 .
(15) مسند أحمد 3 : 483 . ومستدرك الحاكم 3 : 122 وصحّحه . ودلائل النبوة | البيهقي 5 : 395 . والجامع الصغير 2 : 547 | 8266 . ومجمع الزوائد 9 : 129 . والبداية والنهاية 7 : 359 . والرياض النضرة 3 : 121 . والصواعق المحرقة : 123 وغيرها .