فرقة الإنشاد العراقية تاريخ حافــــل بعمق التجربـــــة الإبداعية
فرقة الإنشاد العراقية تاريخ حافــــل بعمق التجربـــــة الإبداعية
الذي يميزنا عن غيرنا من الشعوب، اننا نعشق الفن والموسيقى وحب الحياة، من هنا ومن هذا الفضاء تأسست فرقة الموشحات العراقية العام 1948 من قبل الموسيقار روحي الخماش.
فقد استقبلته الإذاعة العراقية لتؤسس بجهوده القسم الموسيقي لإذاعة بغداد فشكل أول فرقة انشاد عراقية، مستعيناً بجهود الفنان الحلبي وعازف الناي الشهير الشيخ علي الدرويش، الذي كان في الثمانين من عمره. وهكذا تأسست فرقة الموشحات العراقية التي أخذت على عاتقها تحفيظ الموشحات الأندلسية والابتهالات الدينية، التي كان خبيرا بها الشيخ علي الدرويش ولا يقل عنه خبرةً الأستاذ روحي الخماش بحكم دراسته وتخرجه من معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية في القاهرة. وفي صيف 1949 غادر الشيخ علي الدرويش بغداد عائداً إلى بلده ومدينته حلب، فتسلم الخماش مهام الفرقة بمفرده بعد أن غير اسمها إلى فرقة أبناء دجلة.
وقد ضمت الفرقة أصواتاً شابة واعدة لم تكن مشهورة آنذاك، إلا أنها اشتهرت بعد عدة سنوات من العمل فيها، ومنهم : جميل سليم، محمد كريم، ناظم الغزالي، رضا علي، خالدة، احمد الخليل. والأخير كان يساعد الخماش في تحفيظ الألحان لبقية أعضاء الفرقة. بعد ذلك، انضم إلى الفرقة عدد من الموسيقيين الجدد والأساتذة الدارسين ممن تخرجوا من معهد الفنون الجميلة وفي مقدمتهم جميل بشير ومنير بشير وغانم حداد. واستمرت فرقة أبناء دجلة بالعمل حتى أواخر ستينيات القرن العشرين . ولم تستمر هذه الفرقة، بسبب تسرب العديد من اعضائها بعد أن أصبحوا من المطربين والملحنين المشهورين.
فرقة الانشاد وفي نهاية الستينيات انطلقت الفرقة من جديد في تشرين الأول العام 1971 تحت اسم فرقة الإنشاد العراقية التي تبنتها هذه المرة المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون العراقية من أجل إعادة التراث الغنائي العراقي والحفاظ على الموشحات والابتهالات والأغاني التراثية. وكانت الفرقة بقيادة وإشراف روحي الخماش نفسه الذي كان يدرب الفرقة على أصول الغناء والأداء وبواقع ثلاث ساعات يومياً. وفي بداية نشأتها اشتركت الفرقة في مناسبات عديدة داخل وخارج العراق وسجلت العديد من الموشحات والابتهالات والاغاني التراثية لتلفزيون بغداد وهي: «يا هلالاً» و»حبيبي عاد لي» و»حبيبي لا تطل هجري» وجميعها من الحان روحي الخماش.
اشهر الموشحات في مرحلة لاحقة بدأت الفرقة الاهتمام بتطور الأغنية العراقية التراثية وإعادة توزيعها موسيقياً بشكل فني حديث، ونفذت وفق ذلك عددا كبيرا من الاعمال واشهرها موشح «يااله الكون انا لك صمنا «،. فقد اصبح هذا الموشح عادة يومية يذاع عند الافطار والذي حاز على نجاح كبير بين جمهور المستمعين والمتذوقين لأعمال هذه الفرقة ما دعاها إلى تقديم المزيد من الأغاني العراقية التراثية بأسلوب وتوزيع جديد. مما زاد من مشاركاتهم في أمسيات فنية خصصت لها شهرياً من إذاعة بغداد إضافةً إلى العديد من المشاركات في إحياء حفلات ومهرجانات داخل العراق وخارجه.
اول ابتهال أولى الموشحات والابتهالات الدينية التي سجلت سنة 1972 وعرضت من خلال شاشة تلفزيون بغداد هي : موشح حبي زرني – لدرويش الحريري وهمت في دنياك – لروحي الخماش ورماني بسهم هواه – لداود حسني ولما بدا يتثنى – لسيد درويش ورب ساق – لروحي الخماش. إن معظم العازفين كانوا أساتذة في معهد الفنون الجميلة، وقد اهتمت المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون بأعضاء الفرقة المنشدين والمنشدات والعازفين على حد سواء وقامت دار الأزياء العراقية التابعة لوزارة الثقافة والإعلام آنذاك بتصميم الملابس الخاصة بالمنشدات وتنفيذها كما ساهمت مصلحة الخياطة العامة بخياطة ملابس المنشدين بشكل موحد. أول مجموعة انتمت إلى فرقة الإنشاد سنة 1971 – 1972 من المنشدين والمنشدات ضمت: عبد الامير محسن، شوقية حسون احمد، وحيد سعد خلف، سهام نعيم رزوق، باهر هاشم الرجب، ماجدة احمد عمر، نزار فيصل علي، فضيلة عبد الجبار، محمد ابراهيم الجميلي، انتصار عبد الله محسن، جميل جوزي خليفة، ميساء فاضل الشماع، فؤاد عبد الله احمد، ماجدة فاضل الشماع، عبد الرضا هادي الجنابي، نادية عبد الجبار وهبي، جاسم محمد امين، أزهار صادق امين، فؤاد علي الخياط، فريال صادق امين، محمد سعيد محيي الدين، نعيمة محمد صادق، حكمت محمد احمد، جنيفياف توفيق امين، عباس عزيز محمد، نور الهدى محمد العقراوي، محيي الدين عبد السلام، اديبة، معد علي شفيق، سهام محمد، عبد الرضا كاظم كريم، مي اكرم، عارف محسن.
الانكفاء والعزلة وفي العام 1985 اثناء الحرب العراقية الإيرانية، فرضت ضغوط على فرقة الإنشاد لإدماجها في الجهد الإعلامي الذي كانت الأغنية واحدة من أهم عناوينها مما دعا إلى حدوث تعارض في المواقف بين رسالة الفرقة وأهدافها لكونها معنية بحفظ التراث الغنائي وبين أغنية الحرب وأهدافها مما دعا قائد الفرقة ومؤسسها الموسيقار روحي الخماش إلى الانكفاء والعزلة في مزرعته بحجة الانشغال بها، وهذا ما أدى إلى انفراط عقد الفرقة وتوقفها. تعد فرقة الإنشاد العراقية من أقدم الفرق العربية وأعرقها، فقد سجلت هذه الفرقة قرابة الاف موشح وابتهال واغنية تراثية عراقية. وقد عمل فيها خيرة الأساتذة من عازفين وموسيقيين في العراق ممن أصبح لهم شأن كبير وسمعة واسعة بين الأوساط الفنية والموسيقية العراقية العربية والعالمية، ومنهم جميل ومنير بشير.
الاتصال الحسي يمتلك الخماش قدرة على أن ينشئ من اللحن نوعا من التواصل الحسي مع ذائقة تتضوع شذى «في حضرة الحبيب الإلهي». وتتسم الأعمال التي قدمها روحي الخماش بكونها ذات طابع كلاسيكي منفتح على نوع من الحداثة، توقع له الملحن الكبير زكريا أحمد مستقبلاً ناجحاً، مضيفاً: «أشعر عند سماع صوته بنشوة طرب .» رحل الخماش العام 1998 في بغداد . لقد كانت فرقة الموشحات العراقية صرحا حضاريا عراقيا يعكس وجه العراق الثقافي والحضاري.