سيرغي برين
سيرغي برين، عندما تُذكر شركة "غوغل"، سرعان ما تتبادر إلى الأذهان صور أوائل مؤسّسي الشركة العملاقة، ومنهم سيرغي برين، الذي يصفه البعض بأنه يمثل وحده نصف الفريق المؤسّس، لما كان له من دور بارز في إرساء قواعد الشركة والوصول بها إلى الصورة الحالية. ويشغل برين حاليا منصب رئيس مجموعة "ألفابت" الشركة الأم لـ"غوغل".
سيرغي برين، خبير إنترنت وعالم كمبيوتر أمريكي، من أصول روسية. ولد في موسكو عام 1973، لوالدين روسيين من أصول يهودية، كلاهما خريج جامعة موسكو الحكومية، عمِل والده، بروفيسور رياضيات في جامعة ميري لاند، وكانت أمه باحثة في وكالة الفضاء الدولية ناسا.
عام 1979، أي عندما كان برين في سن السادسة من عمره، وجد والداه أنه لا بديل عن الهجرة من روسيا، لصعوبة الظروف التي كانت تعيشها العائلة في ظل الاتحاد السوفييتي بسبب أصولهم اليهودية، إذ يقول ميخائيل برين، والد سيرغي، إن زعماء الحزب الشيوعي السوفييتي، كانوا يمنعون اليهود من دخول الجامعات، فقررت العائلة أن تكون الولايات المتحدة هي الوجهة للهجرة، وبالفعل هاجر برين مع والديه وبدأ تعليمه هناك.
التحق بمدرسة ابتدائية في ولاية ميري لاند، وحصل أيضاً على تعليم إضافي في المنزل، وشجعه والده لكونه بروفيسوراً في قسم الرياضيات في جامعة ميري لاند، على دراسة علوم الرياضيات، وحرصت عائلته على المحافظة على طلاقته في اللغة الروسية.
وعلى خطا والده، دخل برين الجامعة، في سبتمبر 1990 لدراسة الرياضيات وعلوم الحاسوب، و حصل على درجة البكالوريس عام 1993 مع مرتبة الشرف. ثم بدأ دراساته الجامعية المتقدمة في علوم الحاسوب، بعد حصوله على منحة دراسية، حيث انتقل إلى جامعة ستانفورد للحصول على شهادة الدكتوراه، وهناك التقى لاري بيج، شريكه الآخر في تأسيس "غوغل".
قام الصديقان لاري وسيرغي ، في سبتمبر عام 1997 في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا، بشراء اسم النطاق "غوغل. كوم" وحجزه، وكانت هذه الخطوة التأسيسية الأولى للشركة، وكان عمر كل منهما آنذاك لا يتعدى 24 سنة. بدأ بيج وبرين مشروعهما من مرآب خلفي في منزل أميركي متوسط المستوى في ولاية كاليفورنيا، وتمثّل الهدف الأساسي من مشروعهما الأوليّ، في وضع كشوف وفهارس لمحتوى صفحات الشبكة العنكبوتية التي كانت في عهد إنتشارها الأول.
وكانت البداية بإنشاء ماكينة بحث بدائية اسمها BackRup شكّلت نواة لحل مشكلة البحث في الانترنت، حيث تم تطويرها في وقت لاحق مع أستاذهما في الجامعة رجيف موتواني الذي تبنّى سيرغي، منذ وصوله إلى جامعة ستانفورد. وبعد عام بدأت هذه الفكرة تنال الإعجاب، وأخذت فكرة البحث الجديدة تشتهر في حرم جامعة ستانفورد، واستمر التطوير على هذه الماكينة التي تعتمد على العلاقة بين المواقع، لا على عدد مرات ورود كلمة البحث ومشتقاتها فيها، وكانت تتميز بالسرعة في ذلك الوقت.
في وقت لاحق، حاول كل من بيج وبرين بيع المشروع لشركات، مثل "ياهو"، و"ألتا فيستا"، و"إكسايت" وغيرها، ولكن لم يهتم أولئك حينها بتقديم خدمات جيدة للبحث، حيث كان همها الوحيد بيع أكبر عدد من الاعلانات، لتحقيق أكبر ربح في أقصر زمن ممكن. ومن هنا كان من الطبيعي أن ترفض "ياهو" شراء هذا المشروع، لأنه كان يحقق نتائج البحث بسرعة فائقة، وهو ما كانت تتجنّبه "ياهو"، سعياً منها لإبقاء متصفحي الإنترنت لأطول فترة زمنية ممكنة على الموقع.
وبعد أن اكتشف الشريكان أن لا فائدة من اقناع الشركات التي كانت تتربّع على عرش الإنترنت، حينها، بجدوى الشراء، قررا المثابرة بأنفسهما لإنماء هذه النواة.
في آب / أغسطس عام 1998، تقابل سيرغي ولاري مع آندي بكتشليم أحد عباقرة الكمبيوتر، وأحد المستثمرين الذين دعموا مؤسسة "سيسكو" لأجهزة الاتصالات وأحد مؤسّسي شركة "صن مايكرو سيستم"، عُرف بكتشليم بروح المغامرة، وكانت تكفيه نظرة واحدة على هذه البذرة ليقتنع بنجاحها ومستقبلها الواعد. وبالفعل أيقن أن لـ"غوغل" فرصة كبيرة للنجاح، وعندها كتب شيكا بمبلغ 100 ألف دولار باسم شركة "غوغل المحدودة"، ولكن لسوء الحظ هذا الشيك تسبب بمشكلة صغيرة، إذ لم يكن هنالك كيان تجاري لـ"غوغل"، ولم يتمكّنا من صرف الشيك، وبقي أسبوعين في درج مكتبهما.
وجد كل من بيج وبرين حينئذ أنه لا بدّ من تحرك لتأسيس هذا الكيان. وكان المطلوب أن يكون رأس المال مليون دولار، تمكّنا بعد جهد من تجميع المبلغ من خلال البحث عن المساهمين، وإشراك أفراد من العائلة والأصدقاء، إلى أن تمكّنا من جمع المبلغ التأسيسي. وفي سبتمبر 1998 افتتحت شركة "غوغل" مكتبها في متنزّه "مينلو" في كاليفورنيا، وتحديدا في مرآب سيارات استأجره أصدقاء لاري وسيرغي.
من اين جاء اسم غوغل ؟
استوحى الشريكان المؤسسان اسم غوغل من كتابات عالم الرياضيات إدوار كاسنير، ففي سنة 1938 سأل ذلك العالم حفيده ميلتون سيرونا، عن كلمة تُعبّر عن عشرة مرفوعة الى قوة مئة، فاقترح الطفل البالغ من العمر 8 سنوات آنذاك كلمة "googol" (حيث أحرف O الإنكليزية تعبر عن عدد الأصفار)، ثم جاء اختيار الاسم Google ليرمز إلى استعداد الطالبين للتعامل مع الكم الهائل من المعلومات والوثائق والنصوص المتاحة على الانترنت، ودخل محرك البحث "غوغل" العمل رسمياً في 17 سبتمبر من عام 1998، مع مغادرتهما للجامعة.
في تلك الفترة كان موقع "غوغل" لا يزال في طوره التجريبي، وكان الموقع يجيب عن 10 آلاف بحث يوميا، ومن ثم بدأت الصحافة بملاحظة الشركة الصاعدة وتسليط الضوء عليها، وبدأت تلمس الفرق في محرك البحث الجديد، وخصصت له مقالات في كثير من الصحف والمجلات الغربية، وفي أواخر عام 1998 اختير موقع "غوغل"، واحداً من أفضل 100 محرك بحث في تلك الفترة. ومن هنا كانت بداية صعوده. ففي يومنا هذا أصبح عملاق البحث يجيب عن أكثر من 3 مليارات استعلام يومياً من مختلف أنحاء العالم.
منذ بدايته اعتمد "غوغل" على الرياضيات أساساً في عمله، والأهم هو أن أصحابه وضعوا جداول عددية واستخدموها في صنع كشوف عن محتوى الإنترنت، لتسهم في تسهيل عملية البحث عن المعلومات بصورة جيدة وفعالة، ويعني ذلك أن أسلوب البحث بوساطة "غوغل"، يُركّز على الحصول على المعلومات المفيدة عند الطلب، من خلال البرامج والجداول العددية الموضوعة لذلك الهدف، وأن تلك الجداول العددية التي يُشار اليها أيضاً باسم الجداول الخوارزمية، مصممة أيضاً لفهرسة بلايين الصفحات التي تحتوي على النصوص والصور والأصوات وأشرطة الفيديو وغيرها، والجميع يعرف أن صفحة البحث في موقع غوغل لم يطرأ عليها أي تغيير جذري منذ 10 سنوات، لكن التغير الكبير هو ذلك الذي يطول الوظائف التي يؤديها محرك البحث، نظراً للتطوير المستمر لخوارزمية البحث في الموقع، ما يؤدي إلى زيادة الخدمات التي يقدمها الموقع لزواره وتشعّبها بطريقة هائلة.
وبعيداً عن محرك البحث، يعدّ سيرغي برين المشرف الأول على ما يعرف بمختبرات Google X وهي الأماكن السرية التي تعمل فيها "غوغل"، على تطوير الكثير من المشاريع والتقنيات، ومنها مشروع نظارات غوغل Project Glass ، وهي تقنية تعتمد على ما يعرف بالواقع المعزز، يمكن ارتداؤها لاستعراض شاشة افتراضية أمام العينين، ومن ثم عرض معلومات وتنفيذ أوامر دون تدخّل اليدين، وكان هذا الهدف الأساسي من ابتكار النظارة، إذ يمكنك مخاطبة النظارة صوتياً بقولك: OK Glass، لتقوم هذه التعليمة الصوتية بفتح قائمة بعدد من الخيارات التي تستطيع تنفيذها، مثل إجراء مكالمة هاتفية وتسجيل فيديو والتقاط صور أو استخدام خرائط "غوغل".
ومن المشاريع الأخرى التي يشرف عليها برين بنفسه، مشروع السيارة الذاتية القيادة، وهو مشروع تعكف "غوغل" على تطويره، بالتعاون مع شركات مصنّعة للسيارات في العالم. وفي عام 2012 قال برين "السيارات الذاتية القيادة ستكون متاحة لعامة الناس في غضون خمس سنوات". ميضفاً أن هذه السيارات "ستكون أكثر أمناً وأقل عرضةً للحوادث من السيارات التقليدية".
وضمن قائمة "فوربس" لشهر فبراير 2016 لأثرى أثرياء العالم، جاء برين في المرتبة 13، بثروة صافية بلغت 39.2 مليار دولار، ضمن قائمة ضمّت 21 شخصاً.
وفي مقال لمجلة "إيكونوميست"، أشير إلى برين على أنه "رجل المعرفة"، لكونه شخصاً يؤمن أن المعرفة دائماً مفيدة، ولا بدّ من مشاركتها مع الآخرين في هذا العالم. ويظهر ذلك جليّاً في شعار مهمّة "غوغل" الرئيسة "نَظّم معلومات العالم واجعلها متاحة ومفيدة على نطاق واسع".