في أوقاتٍ كثيرة؛ تأتي ملائكة السماء لتنتقي من أهل الأرض من أتمّوا مهماتهم في الحياة التي خُلقوا لأجلها.
بتاريخ 2 من أغسطس 2016، تلقى العالم خبر وفاة العالِم المصري الدكتور «أحمد حسن زويل» عن عمر يناهز الـ 70 عامًا.
يظل الموت هو الحقيقة المُطلقة التي لا يصح النقاش ولا الجدال فيها؛ لكنه لم يكن أبدًا نهاية الرحلة، وإنما هو بدايات جديدة متعددة؛ بدايات لأرواح صعدت لخالقها في عالمهم، وأرواح أخرى لا تزال في أجسادها على الأرض؛ ليقدم لهم الموت العظة والدروس التي لربما غفلوا عنها.
ولكي تبقى روحك بين أجساد الأرض؛ لابد أن تترك أثرًا طيبًا وراءك يظل لأجيال متعاقبة، وهذا ما فعله العالِم الجليل قبل رحيله عنّا.
مسيرة حياته
وُلد الدكتور أحمد حسن زويل في 26 من فبراير عام 1946 في مدينة دمنهور في محافظة البحيرة، ثم انتقل برفقة عائلته إلى مدينة دسوق في كفر الشيخ حيث أكمل تعليمه الثانوي بها.
التحق بقسم الكيمياء في كلية العلوم جامعة الإسكندرية، وتخرج منها بتقدير عام امتياز مع مرتبة الشرف عام 1967، وأكمل دراسته الأكاديمية فيها حيث تم تعيينه في الكلية، وحصل على درجة الماجستير عن بحث في علم الضوء.
في الثاني من أبريل عام 1969 حصل على منحة دراسية إلى جامعة بنسلفانيا وحصل منها على درجة الدكتوراه عام 1973 بإشراف البروفيسور «روبن هوكشتراسر» في رسالته التي قدّمها في علوم الليزر بعنوان «أطياف الرنين الضوئي والمغناطيسي للأكسيتونات والحالات الموضعية في البلورات الجزيئية»، ويُعبر مصطلح «الأكسيتونات» عن أي جُسيم يتم تحفيزه بواسطة الضوء.
كما عمل باحثًا في جامعة كاليفورنيا في الفترة بين عامي 1974 – 1976.
ومنذ عام 1976؛ انتقل إلى معهد كالتك (معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا) وهو أكبر الجامعات العلمية الأمريكية، وتدرّج في عدة مناصب علمية فيه حتى تم تعيينه أستاذًا جامعيًا لعلم الكيمياء؛ وهو أعلى المناصب العلمية في أمريكا حيث خلف «لينوس باولنغ» الذي حصل على جائزة نوبل مرتين؛ في الكيمياء والسلام العالمي، وحصل الدكتور زويل على الجنسية الأمريكية بحلول العام 1982.
إنجازاته العلمية
بجانب مسيرة حياته تلك؛ لم يكتفي بالتنقل بين المناصب العلمية فحسب؛ بل عمل على تطوير وتقديم أفضل ما لديه للعلم. كانت أبرز إنجازاته هو ابتكاره لميكروسكوب يعمل باستخدام الليزر له القدرة على تصوير ورصد حركة الجزيئات أثناء التفاعلات منذ نشأتها حتى التحامها مع بعضها، وكانت المدة الزمنية التي تُلتقط فيها صور هذه العملية هي الـ «فيمتوثانية»؛ وهي أصغر وحدات الثانية المُقدّرة بجزء من مليون مليار جزء من الثانية.
نشر الدكتور أحمد زويل أكثر من 350 بحثًا في المجالات العلمية المتخصصة، وأصدر العديد من المؤلفات العلمية بالعربية والإنجليزية. ورد اسمه في المرتبة الـ 18 من أصل 29 شخصية عالمة وبارزة ذُكرت في قائمة الشرف بالولايات المتحدة التي تضم أبرز الشخصيات التي ساهمت في نهضة البلاد برفقة آلبرت آينشتين وألكسندر جراهام بيل.
الجائزة الكبرى
حصل الدكتور أحمد زويل على جائزة نوبل في الكيمياء عن ابتكاره للميكروسكوب الذي يعمل بمقدار «فيمتوثانية»، وأثار ذلك الابتكار إعجاب اللجنة، وجاء الاعلان الرسمي في السادسة إلا عشرين دقيقة في الـ 12 من أكتوبر عام 1999، وساهم ابتكاره هذا في التعرف على العديد من الأمراض بسرعة قبل أن يفوت أوانها.
مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا
من أهم إنجازاته في التطوير على المستوى المحلي المصري؛ أنشأ الدكتور أحمد زويل مدينة علمية متكاملة تحمل اسمه تقوم على تطوير العلم والتعليم في مصر.
وهي مؤسسة مستقلة غير ربحية للتعليم والبحث والابتكار، واقتُرح مفهوم المدينة عام 1999، ووضع حجر الأساس في الأول من يناير عام 2000.
وبعد عدة تأجيلات، تم إحياء المشروع بمرسوم في مجلس الوزراء المصري في الـ 11 من مايو عام 2011 في أعقاب ثورة الـ 25 من يناير، وأعلن مجلس الوزراء أنه مشروع وطني للنهضة العلمية.
وفي الـ 20 من كانون الأول عام 2012، تم منح قانون خاص لمدينة زويل يسمح للطلاب التسجيل في الجامعة، وبدء عهد جديد من التنمية الحديثة في البحث العلمي والإنتاج التكنولوجي في مصر.
كلمة الدكتور زويل عن المدينة:
مؤلفات الدكتور أحمد زويل
أصدر الدكتور زويل العديد من المؤلفات العربية والإنجليزية، ويعد كتابه «عصر العلم» أحد أبرز الكتب التي تروي سيرة حياته، و«رحلة عبر الزمن… الطريق إلى نوبل» اللذان صدرا عام 2005، «الزمن»، «حوار الحضارات» اللذان صدرا عام 2007، «علم الأحياء الفيزيائي… من الذرات إلى الطب» الذي صدر عام 2008، «التصوير الميكروسكوبي الإلكتروني رباعي الأبعاد» الذي صدر في الـ 24 من ديسمبر عام 2009.
أخيرًا؛ فقد العالم والعلم أحد رجاله اليوم؛ ولن يبقى بعد رحيلنا جميعًا سوى كلماتنا وأعمالنا التي سيوثقها آخرون بعدنا، والحقيقة التي لابد أن نتداركها هي أن لا أحد يستطيع إعادتنا إلى هذه الحياة مرة أخرى سوى بأثرنا الذي سيبقى لأجيالٍ مُتعاقبة، وإذا كان الحديث هنا عن الدكتور أحمد زويل؛ فإننا نعلم جيدًا أن لا شيء نستطيع فعله سوى أن نقدم سيرة حياته كما خاضها في دنياه مُحتضنًا كافة الفئات العُمرية بجانبه وخصوصًا الشباب الذي رأى فيهم الأمل والنور سائرين في نفقٍ مُظلم، وكان أثره الإيجابي عليهم جعل منه قدوة ومثالًا يحتذى به في أوساط كثير من الشباب هذه الأيام، ومستقبلًا.