ربما يحسب المرء أن الأنواع الجديدة من الكائنات الحية لا تُكتشف سوى في البقاع النائية، لكن أحيانا تكتشف مثل هذه الأنواع قريبا للغاية من ديارنا.
فبينما جرى التعرف على قرابة 1.2 مليونا من أنواع الكائنات الحية وتوصيف هذه الأنواع وتحديد ملامحها أيضا؛ ربما يكون هناك عدد أكبر بكثير من الأنواع الحية لم تكتشف بعد.
وقد أفادت دراسة حديثة بأن ما لم يُكتشف من الكائنات الحية يُقدر بنحو 6.8 مليون حيوان، و567 ألف من الفطريات، و90 ألفا من النباتات. وتكتشف أنواع جديدة من الكائنات الحية بمعدل يتراوح ما بين 15 ألفا و20 ألف نوع كل عام.
وفي الوقت الذي تكتشف فيه غالبية الأنواع الحية الجديدة في بيئات بعيدة عن العمران، مثل الغابات المطيرة، والكهوف وأعماق المحيطات، تجري اكتشافات أخرى في بقاعِ أقرب كثيرا إلى المناطق المأهولة بالسكان.
في السطور التالية استعراض لخمسة نماذج لكائنات جديدة عُثر عليها، بينما كانت تحيا وتتكاثر أمام أعيننا تقريبا.
حيوان السمندل مرقط الأنف :
حيوان السمندل مرقط الأنف
ظل حيوان السمندل (ويعرف أحيانا باسم السلمندر) المرقط الأنف غير معروف للعلماء حتى عام 2007، حينما عثر عليه مصادفة. ففي أحد أيام ذلك العام، أساء طالبا الدراسات العليا – آنذاك – بيل بيترمان وجو ميلانوفيتش فهم إحداثيات موقع للأبحاث كانا قد كلفا بالذهاب إليه. ونتيجة لذلك؛ انتهى المطاف بهما على بعد 20 مترا من طريق ريفي يقع قرب مدينة توكوا بولاية جورجيا الأمريكية.
وخلال وجوده في المنطقة، نظر بيترمان تحت أوراق نباتات كانت قريبة من مجرى مائي هناك ليعثر على ما بدا له أنه حيوان سمندل لا يزال في أعوامه الأولى.
تبين فيما بعد أن هذا الحيوان البرمائي الصغير ليس إلا أنثى كائن برمائي ما تحمل بيضاً، ولكن لم يتسن لبيترمان وميلانوفيتش التعرف على نوع هذا الكائن في البداية. الشعور بالحيرة لم يسلم منه أيضا المشرف على أنشطتهما البحثية؛ كارلوس كامب، الأستاذ بكلية بيدمونت، الذي لم يستطع التعرف على نوع هذا الكائن حينما عرضه عليه الطالبان في وقت لاحق من نفس اليوم.
وفي نهاية المطاف، اتضح أن بيترمان عثر على حيوان سمندل عديم الرئة، ذي سمات غير مألوفة إلى حد تجعله لا يمثل فقط نوعا جديدا من الكائنات الحية، وإنما ينتمي كذلك لجنس جديد من هذه الكائنات. وكان السمندل المرقط الأنف هو أول كائن حي يسير على أربع، يُكتشف في الولايات المتحدة خلال نصف قرن.
واكتشف العلماء في ما بعد، كما يقول ميلانوفيتش الذي يعمل حاليا في جامعة لويولا بمدينة شيكاغو في ولاية إيلينوي، أن الكائن الجديد “كان على الأرجح من الأنواع الحية الأولى (المؤسسة) لفصائل السمندل، والتي أدت لتنوع الأشكال التي يوجد عليها هذا الحيوان البرمائي في المناطق الشرقية من الولايات المتحدة”.
فطر عيش الغراب المجفف :
فطر عيش الغراب المجفف
اكتشف الباحث في علم النباتات برين دينتنجير ثلاثة أنواع جديدة من الفطريات في عبوة تحتوي على فطر عيش الغراب المجفف، جرى شراؤها من أحد متاجر العاصمة البريطانية لندن.
في البداية يتعين القول، إن لكلمة “بورسيني” الإيطالية العديد من المعاني المتباينة، وذلك باختلاف استخداماتها من قبل الناس، ولكن هذا اللفظ عادة ما يشير إلى مجموعة تضم 20 نوعا من أنواع فطر عيش الغراب البرية الصالحة للأكل. وتنتمي هذه المجموعة لنوع من الفطريات يحمل أسماء عدة؛ وهي “بوليتس إداليس”، “كينغ بوليتي”، أو “بيني بْن”.
لكن أنواع عيش الغراب، التي تستورد من الصين وتُباع على أنها فطر “بورسيني”؛ الذي تشير بعض معانيه إلى الفطر الذي ينمو على نحو بري، تختلف بوجه عام عن تلك الأنواع التي يتم جمعها من المناطق التي يتم فيها انتاج عيش الغراب في أوروبا.
في العام الماضي، اشترت راتشيل زوجة دينتينجر عبوة تزن 30 جراما تحتوي على فطر عيش الغراب المجفف، وذلك من متجر صغير بمنطقة تويكنهام بلندن. كان على العبوة ملصق يشير إلى أنها تحتوي على عيش غراب من نوع “بورسيني”، جمع من عدة دول.
لكن زوجها الباحث في هيئة “الحدائق الملكية للنباتات” في لندن قرر أن يفحص ما بداخل العبوة. وهكذا، كشف تحليل الحمض النووي الذي جرى على 15 عينة أُخذت على نحو عشوائي من محتويات العبوة، أن فطر عيش الغراب الموجود بداخلها ينتمي إلى ثلاثة أنواع لم تكن معروفة من قبل من جنس “بوليتس”.
وعلى الرغم من أن الصين كانت قد شهدت، ولأمد طويل، جمع فطريات تنتمي إلى هذه الأنواع الثلاثة بل وتناولها، فإن العلماء هناك كانوا يعتقدون أن تلك الفطريات تنتمي إلى الأنواع المعروفة سلفا. ومن جهته، أطلق برين دينتينجر على الأنواع الثلاثة الجديدة اسماء: “بوليتس بايني أوغان”، و”بي. ميوين أوغانجْن” و”بي. شيونغ”.
ويقول دينتينجر إن “وضع (فطر عيش الغراب من نوع) بورسيني بالنسبة لمملكة الفطريات يعادل وضع الفيل بالنسبة للمملكة الحيوانية. فهو على الأرجح أكثر أنواع فطر عيش الغراب التي تسهل ملاحظتها والتعرف عليها، ولكن على الرغم من ذلك، يمكن أن يؤول به الحال إلى أن يباع في متجر بلندن، دون أن يكون بوسع العلم تصنيفه وتحديد نوعه بشكل صحيح”.
وتشير المعطيات إلى أن العلماء تمكنوا من التعرف على قرابة 100 ألف نوع من الفطريات، ولكن دراسة حديثة تشير إلى أن ما يُقدر بنحو ستة ملايين نوع آخر من هذه الكائنات لا تزال لم تكتشف حتى الآن.
ضفدع “رانا كاوفيلدي”:
ضفدع “رانا كاوفيلدي”
ربما لن يتوقع أحد أن يُكتشف نوع جديد من الضفادع في مدينة نيويورك. لكن في عام 2008، كان جيريمي فاينبرغ، طالب الدراسات العليا – حينذاك – في جامعة روتغيرز بولاية نيوجيرسي، يعكف على دراسة النوع المعروف باسم “ضفادع النمر الجنوبي”، التي تعيش في منطقة ستاتن آيلاند بنيويورك، عندما سمع صوت ضجيج مميز لعدد من الضفادع. كان ذلك الصوت مختلفا عن الأصوات التي تصدرها الضفادع الأخرى التي تعيش في هذه المنطقة.
وأدرك فاينبرغ أنه من النادر سماع مثل هذه الأصوات غير المألوفة هناك، كما وجد أن تلك الضفادع ذات الأصوات غير المألوفة تختلف عن نوعين شائعين منها من حيث العلامات الموجودة على أرجلها الخلفية. وأظهرت الاختبارات التي جرت على جينات تلك الضفادع وكذلك تحليل الأصوات المنبعثة عنها أن “ضفدع النمر الذي يعيش على ساحل الأطلسي” يمثل نوعا جديدا من الضفادع.
وقد أُطلق على هذا النوع اسم “رانا كاوفيلدي” نسبة إلى كارل كاوفيلد، المدير السابق لحديقة الحيوان في منطقة “ستاتن آيلاند”. ففي عام 1937، قال كاوفيلد إنه من المحتمل أن يكون هناك نوع من الضفادع لم يُكتشف بعد في هذه المنطقة، ولكن ما قاله في هذا الشأن قوبل بالرفض حينذاك.
ومن بين الأسباب التي جعلت هذا النوع من الضفادع يحيا مجهول الهوية في مدينة يقطنها 8.4 مليون نسمة مثل نيويورك، كونه لا يطلق نداءات التزاوج الخاصة به، سوى لأسابيع قليلة في كل عام. وحتى هذه النداءات كانت تضيع على الأغلب وسط الأصوات الصادرة عن الضفادع الأخرى.
النبات الشوكي “سولانْم كورديسيتْم” :
النبات الشوكي “سولانْم كورديسيتْم”
ربما لا تحظى بلدة “فالنتين” الواقعة بولاية تكساس الأمريكية، والتي لا يزيد عدد سكانها على 134 شخصا، بذات السحر والجاذبية اللذيّن تتمتع بهما مدينة نيويورك، ولكن على الرغم من ذلك عثر فيها في وقت سابق من العام الجاري على أنواع جديدة من الكائنات الحية. فقد تبين أن نباتاً شوكياً هناك يمثل نوعا جديدا من النباتات أُطلق عليه اسم “سولانْم كورديسيتْم”، وهي عبارة لاتينية تعني “من القلب”.
كانت هذه هي ثالث عينة معروفة يتم اكتشافها من ذلك النوع. ففي عام 1974 عُثر على العينة الأولى قرب منطقة فورت دافيز بولاية تكساس، أما الثانية فقد اكتُشفت عام 1990 في بلدة “فالنتين”.
وقد صُنفت العينتان الأوليان عن طريق الخطأ باعتبارهما تنتميان إلى جنس “سولانْم”، الذي تندرج تحته مجموعة كبيرة من النباتات المُزهرة، من بينها الطماطم والبطاطس والباذنجانيات.
لكن الباحثة لين باس، التي تعمل في جامعة يوتا بمدينة سولت ليك، تشككت في مدى صحة انتماء هاتين العينتين لذلك الجنس. فثمة أوجه اختلاف سواء من حيث اللون أو حجم الأزهار، أو شكل الأوراق، فضلا عن طول السيقان.
وفي عام 2010، اكتشفت باس وجود اختلافات أخرى في الحمض النووي، ولكنها لم تتمكن من العثور على عينة جديدة تدعم صحة ما خلصت إليه من اكتشافات.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وجد الباحث جيفري كيلنغ، الذي يعمل في جامعة “سل روس العامة” بمدينة آلباين في ولاية تكساس، العينة الثالثة أخيرا في “فالنتين”. وقد صُنفت باعتبارها نوعا حيويا جديدا في يوليو/تموز من العام الجاري.
الديدان آكلة العظام من نوع “أوسداكس مكْوفلوريس” :
الديدان آكلة العظام من نوع “أوسداكس مكْوفلوريس”
كان الاعتقاد السائد حتى بضعة أعوام مضت هو أن الديدان المعروفة باسم “الديدان آكلة العظام” لا توجد سوى في أعماق المحيطات. لذا، شعر العلماء بالدهشة عندما عثروا على نوع جديد من هذه الديدان على عمق 120 مترا فقط قبالة السواحل السويدية.
ويطلق اسم “أوسداكس”على الجنس الذي تنتمي له هذه الديدان التي تتغذى على عظام الحيتان والأسماك. ويمكن للإناث منها أن تنمو حتى يصل طولها إلى سنتيمترين، ويوجد عليها ما يشبه أعمدة ذات ريش أو زغب ملون تقوم بوظيفة الخياشيم.
إلى جانب ذلك، توجد للإناث من هذا النوع هياكل تشبه الجذور تنغمس في عظام فرائسها وتتخللها بهدف استخلاص المواد الدهنية والبروتينية منها، وهي المواد التي تُشكل العناصر المغذية لتلك الديدان. أما الذكور منها فهي أصغر حجما بكثير.
وقد اكتُشف هذا النوع من الديدان عام 2002 على عظام هيكل حوت متحلل في خليج مونتيري بولاية كاليفورنيا، وذلك على عمق نحو ثلاثة كيلومترات عن سطح البحر.
لكن في عام 2004، وجد علماء الأحياء البحرية نوعا آخر من الديدان آكلة العظام تعيش بين بقايا حوت نافق كان قد تم إغراقه لأغراض البحث العلمي في مياه ضحلة نسبيا ببحر الشمال.
وتوجد أوجه كبيرة للشبه بين الديدان التي اكتُشفت في بحر الشمال وتلك التي عُثر عليها في خليج مونتيري، على الرغم من المسافة البعيدة التي تفصل ما بين المنطقتين، واختلاف العمق الذي عُثر فيه على كل من العينتين.
وفي العام التالي، أي في عام 2005، أُطلق على هذا النوع من الديدان رسميا اسم “أوسداكس مكْوفلوريس”، والذي يعني باللغة اللاتينية “الديدان آكلة العظام ذات الزوائد المخاطية الشبيهة بالأزهار”.