أخوتي الاعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعزيكم واعزي نفسي بذكرى استشهاد سيد البلغاء والاوصياء
ابو الحسنين وقائد الغر المحجلين قسيم النار والجنة سيدي ومولاي
امير المؤمنين اسد الله الغالب الامام علي ابن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليه
واسال الله ان يجعلنا جميعا من الثابتين على ولايته السائرين على منهجه انه سميع مجيب
قتلوا الصلاةَ في محرابها
منذ أن بزغ نور الإسلام على الناس، وبُعث المصطفى الأكرم صلّى الله عليه وآله بالرسالة الخاتمة... كان الإمام عليّ عليه السّلام قرين الحقّ، بل صار هو الحقّ، ميزاناً يُعرف به الناس... وتلك كلمة رسول الله صلّى الله عليه وآله ثبّتتها الأقلام والقراطيس منذ ذلك اليوم: «عليٌّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ.» (1) وينزل قوله تعالى: آلم* أحسِبَ الناسُ أن يُترَكوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفتَنون؟! (2) فيقول أمير المؤمنين عليه السّلام: «علمتُ أنّ الفتنة لا تنزل بنا ورسولُ الله صلّى الله عليه وآله بين أظهُرنا، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الفتنة التي أخبرك الله تعالى بها ؟ فقال: يا عليّ، إنّ أُمّتي سيُفتَنون من بعدي، فقلت: يا رسول الله، أوَ ليس قلتَ لي يوم أُحد: أبشِرْ فإنّ الشهادة من ورائك ؟! فقال لي: إنّ ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذن ؟ فقلت يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشرى والشكر.» (3)
* * *
أجل.. وكلّما بانَ سموّ عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه زاد حقد مناوئيه عليه، حتّى بدأ الباطل جادّاً يتحيّن فرصة الاغتيال، لأنّ عليّاً سلام الله عليه هو الحقّ يتجلّى، وهنا وجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يخبر منبئاً، وأن يُنبئ مخبراً.. أنّ عليّاً عليه السّلام هو الرجل المظلوم، وهو الضحيّة لحسد الحاسدين وكيد الكائدين، إذ هو قربان الإسلام وفداؤه، وأنّ قاتليه هم زعماء النفاق ورؤوس الجاهليّة الأُولى. فقالها صلّى الله عليه وآله كلمات دَوّت وكشفت كلّ أقنعة الدجل، وثبّتت الحقائق أعلاماً عالية ورايات:• «إنّ الأُمّة ستغدر بك من بعدي، وأنت تعيش على ملّتي، تُقتَل على سُنّتي،.. وإنّ هذا سيُخضَب من هذا.» (4)• سأل أصحابه يوماً: «مَن أشقى ثمود؟ قالوا: عاقر الناقة، قال: فمن أشقى هذه الأُمّة ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قاتلك يا عليّ.» (5)• «إنّك مستخَلف ومقتول، وإنّ هذه مخضوبة من هذه ـ يعني لحية من هامته.» (6)• وروت عائشة: رأيت النبيَّ التزم عليّاً وقبّله وهو يقول: «بأبي الوحيدَ الشهيد!» (7)
* * *
وتمرّ السنوات، حتّى يقف النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم أمام حشود المسلمين يَخطبهم قُبيل حلول شهر رمضان المبارك، مذكِّراً بفضائل هذا الشهر الكريم: «أيّها الناس؛ إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة...»، حتّى إذا بلغ مقاماً قام أمير المؤمنين عليه السّلام يسأله: يا رسول الله، ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فيجيبه صلّى الله عليه وآله: «يا أبا الحسن؛ أفضل الأعمال في هذا الشهر الورعُ عن محارم الله.» وهنا يبكي رسول الله صلّى الله عليه وآله بكاءً شديداً، فيسأله الإمام عليّ عليه السّلام: يا رسول الله ما يبكيك ؟ فيجيبه: «يا عليّ، أبكي لما يُستحلّ منك في هذا الشهر، كأنّي بك وأنت تريد أن تصلّي، وقد انبعث أشقى الأوّلين والأخِرين شقيق عاقر ناقةِ صالح، يضربك ضربة على رأسك فيخضب بها لحيتك.» فيسأل عليه السّلام وهو همّه: يا رسول الله، وذلك في سلامة من دِيني؟ فيأتيه الجواب مفصَّلاً بصوت حزين يصل إلى مسامع المسلمين: «في سلامة من دينك.. يا عليّ، من قتلك فقد قتلني، ومَن أبغضك فقد أبغضني، ومن سبّك فقد سبّني؛ لأنّك منّي كنَفْسي. روحك من روحي، وطينتك من طينتي، وإنّ الله تبارك وتعالى خلقني وخلقك من نوره، واصطفاني واصطفاك، فاختارني للنبوّة، واختارك للإمامة.» (8) ويرحل رسول الله صلّى الله عليه وآله، فيشيب حزناً عليه وعلى ابنته أميرُ المؤمنين عليه السّلام، فلا يختضب بالحنّاء، يكره ذلك لأمرين خاصّين: الأوّل ـ عِظَم الفاجعة بفقد الحبيبيَن: المصطفى والبتول عليهما الصلاة والسّلام، فلابدّ أن تبقى آثارُ فقدهما في الرأس والوجه. والثاني ـ انتظار القدر المعلوم، والإخبار الحقّ، وقد قال عليه السّلام: ممّا أسرّ إليّ رسول الله صلّى الله عليه وآله: لتُخضبنّ هذه من هذا ـ وأشار إلى لحيته، ورأسه. (9) وقال سعيد بن المسيّب: رأيت عليّاً على المنبر وهو يقول: لتُخضبنّ هذه من هذه ـ وأشار بيده إلى لحيته وجبهته ـ، فما يَحبِسُ أشقاها ؟! قال سعيد: فقلت: لقد ادّعى عليٌّ علمَ الغيب، فلما قُتل علمتُ أنه قد كان عُهد إليه (10). إنّه عليه السّلام موعود، كان ينتظر القَدَر الإلهيّ برضى وتسليم، وهو عليه السّلام يعرف علم المنايا والبلايا، فيخرج إلى مسجده، فإذا نزل إلى رحبة الدار صاحت الإوزّ في وجهه ورفرفت، وكأنهنّ يرثينه أو يلتمسنه المكوث، فيقول: لا إله إلاّ الله، صوائح تتبعها نوائح. فإذا تعلّق البابُ بمئزره فحلّه، أخذه وشدّه وقال يحدّث نفسه:
ُشددْ حيازيمك للــ
موتِ فإنّ الموت لاقيكا
لا تجـزعْ من الموت
إذا حـلّ بنـاديـــكا
فإذا تقدّم للشهادة قال: «اللهمّ بارك لنا في الموت، اللهمّ بارك لي في لقائك.» فإذا هبط السيف الآثم هاوياً على رأسه الساجد لربّه صاح: «فزتُ وربِّ الكعبة..» حينها هتف جبرئيل بين السماء والأرض: «تَهدّمت واللهِ أركانُ الهدى.. وانفصمت واللهِ العروةُ الوثقى، قُتل ابنُ عمّ المصطفى، قُتل الوصيّ المجتبى، قُتل عليٌّ المرتضى، قُتل واللهِ سيّد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء.»
رُزْءٌ به الـديـنُ قد هُـدّت قـوائـمُهُ
وفـي السَّـما نُـصـبت حزناً مآتمُـهُ
ومادت الأرضُ شَجْواً والسَّما انفطرت
وآسـودّ مـنقـلِباً في الـكونِ عـالَمُهُ
يا ليـلةَ القَدْر، جـلّت فيـكِ فاجـعةٌ
أوهَت قوى الدينِ فانـهارت دعائـمُهُ
قضى عليٌّ بمحراب الصلاة ببيت الله
وهـو مُـصـلّي الفـرضِ قائـمُـهُ
أفديه قد عـاش بيـن النـاس مُغترِباً
ومات وهـو كتـومُ الغيـظِ كـاظِمُهُ
قل لليتيمِ: مضى مَـن كـان يُطـعمُهُ
فمَـن بـه بعـده تهْنا مـطاعِـمُـهُ
قل للـوفود آذهبي للأهـل خائـبـةً
فقد مضى الجودُ وآنجابـت غـمائمُهُ