يقدر عدد الكواكب في مجرة درب التبانة حوالي 100 مليون كوكب على أقل تقدير، وتختلف التقديرات كثيراً بناءً على المعلومات المتضاربة حول كتلة التبانة وحسب دراسة نشرت على موقع مجلة Nature إذا كان لدرب التبانة 400 مليون نجم ولكل نجم 1،6 كوكب نحصل على 640 بليون كوكب، وإذا كان يوجد 200 مليون نجم فإن عدد الكواكب 320 بليون كوكب.
تغمض عيناك وتحاول جاهداً أن تتخيل ذلك العدد الهائل من الكواكب، من ثم تغوص في تفكيرك الى أعماق أحد تلك الكواكب لتجد نفسك تقف على أقدامك داخله تحاول بصعوبة كبيرة خلق عالم جديد في ذهنك ممتلئ بالغموض والغرابة.
تشيسلي بونستيل (Chesley Bonestell) هو واحد من الأشخاص الذين سرحوا في خيالهم ليتصوروا كيف تبدو الكواكب الأخرى مثله مثلنا، وحاول دائماَ أن يخلق صورة في ذهنه لتلك الكواكب وقام بأسقاطها على لوحاته ليرينا ما تخيله. الصورة التي تراها أعلاه هي أحد لوحاته التي تحمل عنوان “زحل كما يرى من تيتان” هذه اللوحة الجميلة صنعت ضجة كبيرة عند نشرها. ولم يتوقف صديقنا تشيسلي بوستيل بهذه اللوحة فقط وقام بالمضي قدماً وصنع لنا العديد من الصور الملهمة للكون غير المكتشف حينذاك.
كان للوحاته تأثير كبير على تطوير رحلات الفضاء وفن الفضاء الذي غذى أحلام كثيرة من الطامحين باستكشاف الفضاء، وكثير من علماء الفلك والكتاب مثل آرثر سي كلارك اندهشوا بأسلوبه الملفت للنظر.
قال كارل ساجان “لم أكن أعرف كيف تبدو العوالم الأخرى حتى رأيت لوحات بونيستيل.”
ولد تشيسلي بونستيل عام 1888 وأمضى فترات طفولته في سان فرانسيسكو وكان ينظر الى النجوم ويرسم ما يراه، وفي أحد الأيام ذهب إلى مرصد في سان خوسيه ورأى زحل وقام برسمه في سن المراهقة لأول مرة، وعلى الرغم من أن هذا العمل دمر بسبب الحريق الناجم عن زلزال حدث في سان فرانسيسكو عام 1906، إلا أن هاجسه بالأجرام السماوية والعوالم الآخرى لم يتوقف.
درس هندسة العمارة وعمل بها وساهم في مبنى كرايسلر في مدينة نيويورك وغيرها من المباني التاريخية مثل الصخرة التذكارية بليموث ومبنى المحكمة العليا في واشنطن.
ومن الجدير بالذكر أنه كان فناناً لامعاً قبل أن تتحول مواهبه لفن الفضاء، ورسم العديد من خلفيات الأفلام في العصر الذهبي لهوليوود على طريقة رسم الماتي.
في عصرنا الحالي فن رسم الماتي (Matte Painting) منسي بعض الشيء، لكن حتى أواخر التسعينات كان شيء ضروري في هوليوود لصناعة الأفلام، على سبيل المثال نفق الليزر في فيلم Star Wars، وتمثال الحرية الخارج من الرمال في فيلم Planet of the Apes، والصورة الخلفية لمدينة لندن التي تظهر في فيلم Mary Poppins أيضاً من فن الماتي.
وشارك تشيسلي بونستيل في رسم الماتي في أفلام كلاسيكية مثل The Hunchback of Notre Dame و Citizen Kane.
بعد حولي 40 عام من رسمه لزحل في سن المراهقة رسم تشيسلي بونيستل مرة أخرى الكوكب، لكن هذه المرة لم يكن كما يبدو من الأرض بل كما يبدو من تيتان أكبر أقمار زحل (الصورة أعلاه زحل كما يبدو من ميماس)، وقدم الصورة لمجلة الحياة (Life) وتم نشرها في 29 مايو عام 1944 جنباً الى جنب مع العديد من اللوحات الأخرى من لوحات بونستيل، وضرب هذا العمل الرائع كقنبلة ذرية كما عبر عن ذلك كاتب سيرته الذاتية رون ميلر.
لم يتوقف تشيسلي بونستيل عند هذه اللوحة ومضى قدماً لنشر المزيد من اللوحات في مختلف مجلات الخيال العلمي، وفي عام 1949 جمعت العديد من هذه اللوحات في كتاب غزو الفضاء (The Conquest of Space) الذي أظهر من خلال الصور التوضيحية تفاصيل تكاد ان تكون واقعية بعض الشيء لرواد فضاء يسعون لاكتشاف المجموعة الشمسية، وساعد هذا الكتاب بإلهام فكرة فيلم يحمل نفس عنوان الكتاب.
بداية الخمسينات كانت الفترة الأكثر إنتاجية في مسيرته وكان ينتج لوحة بعد لوحة دون كلل أو ملل وتصور الكون بجميع أشكاله كمستعمرات على المريخ ومنظر سطح عطارد. ويمكننا القول ان أعمال بونيستل الفنية كان لها تأثير واضح على الحالمين بالسفر إلى الفضاء.
في عام 1952 ظهرت سلسلة من اللوحات المؤثرة في مجلة كولير قبل ان يبدأ الكونغرس بالتفكير بكيفية تمويل برنامج الفضاء وبعد خمس سنوات من ذلك أطلق السوفييت سبوتنيك وبدأ سباق الفضاء.
عموماً ينسب الى بونستيل اسم والد فَنّ الفضاء الحديث، لكنه بالتأكيد ليس الأول ويعود هذا اللقب إلى لوسيان روداوكس عالم فلك فرنسي وعاشق فَنّ الفضاء، اكتشفه بونستيل في لندن في بداية العشرينات عندما كان لا يزال بونستيل غير معروف نسبياً حيث جمعت لوحات روداوكس عن القمر في العشرينات والثلاثينات في كتاب يحمل اسم على العوالم الأخرى (Sur les Autres Mondes) لكن كانت رسوماته أكثر قرباً من الحقيقة.
حصل على مرتبة شرف من جمعية الكواكب البريطانية وسُميَت حفرة على سطح المريخ وكويكب 3129 باسمه. توفي تشيسلي بونستيل في عام 1986 عن عمر يناهز ال 98، وكان له تأثير كبير على العديد من العلماء والكتاب والطامحين باستكشاف الفضاء.