أول ما يخطر ببال القارئ عند ذكر اسم (فرجينيا وولف)… هو روايتها المشهورة (السيدة دالواي) ربما لأنها أُنتجت عام 1997 كفيلم سينمائي لاقى نجاحًا لا بأس به… أما على مستوى المهتمين بالأدب فهي من أكثر الأديبات إثارة للجدل… بداية من أنماطها الأدبية المختلفة إذ تعمد إلى نحت جمل شديدة الطول والتركيب، وتنهج تيمة تيار الوعي والمونولوج الداخلي، والتداعي الحر للأفكار.
أيضا تمزج في أعمالها بين الجانب الواقعي الملموس والجانب الفانتازي المتخيل… وحتى حياتها الشخصية ومرضها وصولًا إلى حادثة انتحارها المثيرة للتأملات… إذ استيقظت ذات يوم وارتدت معطفها وملأته بالحجارة وأغرقت نفسها في نهر (أوس) القريب من منزلها!
حياتها المبكرة رواية من نوع خاص
قصة حياتها الخاصة بحد ذاتها أشبه برواية من روايات عصرها وقد ظهر أثرها في أعمالها بعد ذلك…
ولدت فيرجينيا وولف في لندن باسم أديلين، والداها هما السير ليزلي ستيفن وجوليا برنسب دكوورث ليزلي… كان ستيفن مؤرخاً، محررًا مرموقاً، وكاتباً، وناقداً، ومتسلق جبال… كما كان المؤسس لمعجم السير الوطنية، وهو عمل تأثرت بهِ لاحقاً وولف في سيرها الذاتية التجريبية.
أما والدتها جوليا ستيفن فقد كانت آية من الجمال، ولدت في الهند البريطانية للأبوين الدكتور جون وماريا باتل جاكسون. انتقلت جوليا مع أمها إلى إنجلترا حيث عملت كعارضة لبعض الرسامين مثل إدوارد برني جونز. تعلمت وولف على يدي والديها في بيت مثقف ومترابط. كان كلا الوالدين قد تزوج وترمل مسبقاً، وبالتالي كان البيت يجمع أطفالاً من الزيجات الثلاث. كان لدى جوليا ثلاثة أطفال من زوجها الأول هيربرت دكوورث: جوروج، ستيلا، وجيرالد دكوورث.
أما ليزلي فقد تزوج أولاً من هارييت ماريان ثاكري وأنجب منها أبنةً واحدة: لورا ماكبيس ستيفن، والتي عُرف بأنها معاقة عقلياً، وقد عاشت مع الأسرة إلى أن أودعت في مصحة عام 1891. أنجب ليزلي وجوليا معاً أربعة أطفال: فانيسا، ثوبي، فيرجينيا، وآدريان…
كاتبه نسائية من الطراز الأول
بشكل خاص أرى أن فرجينيا وولف من أكثر الكاتبات خوضًا في أعماق المرأة حتى إن الكثير من عناوين أعمالها يمس المرأة بشكل أو بأخر. مثلًا (الفستان الجديد) هو عنوان لأحد أعمالها… تتمحور فكرته بشكل مجرد حول أثر ما ترتديه المرأة على نفسيتها واتزانها الفكري.
الفكرة التي قد تبدو للوهلة الأولى سطحية، ولكنها فعليًا إذا نظرت إليها بتروِّي ستجد إنها في منتهى الأهمية؛ فثياب الشخص هي أول ما يعطى انطباع عن شخصه وبيئته… والحياة مليئة بنماذج مختلفة من الثياب… أما المرأة فعندما تختار ثيابها يكون في بالها ما هو أكثر من شخصها… المرأة بالفعل تفكر في أثر ثيابها على كل من تراه… والتيمة الأساسية في هذا العمل هي البحث عن السعادة أو البحث عن شيء مفقود تعوزه النفس كي تشعر بالامتلاء والاكتفاء.
كذلك تناقش بأسلوب حداثي قضية صراع الطبقات ومنزع الإنسان في القفز فوق طبقته، حيث إنها لن تستخدم أسلوب معقد وكلمة منشاه بل ستعالج ذلك عبر أمر بسيط ورقيق كفستان قبيح صنعته امرأة تسخط على طبقتها فاجتهدت لتجعله مسايرا لموضة نساء الطبقة الراقية اللاتي تصادفهن، ثم طوال القصة ترصد لنا آلام تلك السيدة ومعاناتها مع فستانها الجديد… وهكذا يمكننا ببساطة اقتناص ما بعد حداثية نمط وولف الكتابي من حيث مناقشة قضية كبرى من تفصيله صغيرة كشأن أدب هذه الأيام…!!
أثر على الحائط
وهذا ما سنجده في قصة (أثر على الحائط) حيث تسخر وولف من أدباء جيلها وتبشر بمبدعين جدد لا يكترثون بنقل الواقع كما هو بل يتتبعون الانعاكسات والسكنات لوصف الواقع بشكل مختلف…
الحديث عن فرجينيا وولف كأديبة رائدة قد يطول ليتجاوز أكثر من كتاب وليس دراسة مصغرة… ولكنني هنا أحببت أن أذكر أن أثرًا صغيرًا على حائط قد يكون أقوى تأثيرًا من ألف كلمة ومن أي صوت… فقط ينقصنا التأمل.