لا شك أن لكل بلدٍ من بلادنا العربية الحبيبة طبيعة مميزة وجمالٌ خاص يستحقان التعريف بهما، هذا إلى جانب إرث ثقافي فريد يدعونا نحن أبناء الدول العربية كافة إلى الفخر بكم التنوع الثقافي الذي يحيط بنا والذي لا نعي قيمته بالقدر الكافي أو لا نعلم عنه الكثير بالأساس، ومن هذه البلاد العربية الجمهورية الموريتانية…
موريتانيا… بوابة إلى العَالَمَيْن
تختص الجمهورية الموريتانية بموقع جغرافي متميز… فتقع موريتانيا في الشمال الغربي لقارة إفريقيا، ولها حدود مع الصحراء الغربية والجزائر ومالي والسنغال، كما تطل من الناحية الغربية على ساحل المحيط الأطلنطي؛ مما يجعل منها بوابة إلى عالَمَيْن وثقافتين مختلفتين؛ فتُعَد بوابة الدول العربية إلى الغرب الإفريقي وبوابة دول غرب إفريقيا إلى المغرب العربي.
والامتداد الجغرافي للجمهورية الموريتانية بمساحتها الشاسعة التي تتعدى المليون كم مربع هو حلقة وصل ليس فقط بين منطقتين جغرافيتين مختلفتين بل أيضًا بين ثقافات إنسانية متنوعة قدمت موريتانيا بجمعهم ودمجهم معًا نموذجَا رائعًا للوحدة والمحبة والتعايش السلمي.
أرض السلام وملتقى الثقافات
فيتألف الشعب الموريتاني من عدة أعراق مثل العرب والأمازيغ والزنوج، رغم ذلك لا يؤدي بهم تنوعهم الإثني إلى الحرب والاقتتال؛ فتلك الطبيعة الأنانية الصراعية لا تتصف بها الشخصية الموريتانية.
ولعل لقب الجمهورية الموريتانية وهو “بلد المليون شاعر” يؤكد على ذلك ويدل على حس أهلها الراقي وعشقهم للجمال، وذلك رغم طبيعة بلدهم الصحراوية التي لم تُكسبهم جمودًا أو قسوة بل أكسبتهم الكرم والجَلَد والقدرة على تحدي الصعاب.
ذكر ذلك طيارٌ فرنسي يُدعى ’أنطوان سانت اكزوبري‘ كان قد اضطر إلى الهبوط بطائرته وسط الصحراء الموريتانية وأنقذه من الهلاك فيها رجلٌ من البدو يرعى أغنامه؛ فقام ’اكزوبري‘ بتسجيل إنسانية الموريتانيين وحسن ضيافتهم في عدة كتب له من ضمنهم كتاب “أرض الرجال” الذي يصف فيه ’اكزوبري‘ بدو موريتانيا بالأبطال لما يتمتعون به من عزمٍ وكرم رغم ما يواجهونه يوميًا من تحديات بسبب الظروف الحياتية الصعبة والقاسية.
وقد أحسن الشعب الموريتاني صنعًا حين استثمر تعدده الإثني في إنتاج ثقافة موريتانية جذابة ومتفردة في تنوعها نابعة من مزيجٍ من الحضارات والأفكار المختلفة كان من أكثر ما لفت انتباهي فيها الملابس والفن الموسيقي والغنائي.
الملابس التقليدية الموريتانية
الملابس التقليدية الموريتانية هي أحد أهم الشواهد على نجاح الشعب الموريتاني في دمج الثقافات العربية والأمازيغية والإفريقية بالشكل الذي يخدم حاجته ويناسب أسلوب حياته وطبيعة بلده الصحراوية في معظمها.
فبالنسبة للرجال الموريتانيين فتشمل أزياؤهم التقليدية رداء فضفاض وواسع الأكمام يسمونه “البُوبُو” وكان يُصنع في الماضي قبل دخول الإسلام من الحرير الخالص، ثم أصبح يُصنع فيما بعد من القطن أو الأقمشة الصناعية قريبة الشبه بالحرير بما أن ارتداء الحرير محرمٌ على الرجال في الإسلام، وتُعَد الأعياد والاحتفالات المختلفة أبرز المناسبات التي يتركز فيها ارتداء البُوبُو خاصًة المطرز منه.
أيضًا من الشائع أن يجمع الموريتاني بين ارتداء قميص طويل وسروال وعمامة وشال، ويُرْبَط السروال من الوسط بحزامٍ جلدي، أما العمامة فتُعرف بال “حولي” وتكون قطنية وتُصبغ بألوانٍ مختلفة، وتُستخدم لتغطية الرأس وتلثيم الوجه كي تحميه من حرارة الشمس الحارقة والعواصف الترابية.
أما النساء الموريتانيات فتتميز أزيائهن التقليدية بألوانها الزاهية المبهجة وبالحشمة في نفس الوقت التزامًا بالتعاليم الدينية الإسلامية، فيُعرف ثوبهن التقليدي باسم “الملحفة” وهو ثوبٌ قطني في الغالب خفيف ومزين بالرسومات الملونة يُلَّف حول الجسم كله مرتين مغطيًا الرأس.
وبشكلٍ عام تلائم ملابس الموريتانيات بيئة بلدهن الصحراوية في معظمها لأنها تغطيهن من رؤوسهن وحتى كعوبهن بما يُشكِّل حماية لهن من درجة الحرارة العالية والرياح المحملة بالأتربة.
الفن الموسيقي والغنائي الموريتاني
ساهمت الطبيعة الإثنية الثرية للشعب الموريتاني في إثراء المشهد الموسيقي بموريتانيا فكان لكل مجموعة عرقية بصمتها ولونها الموسيقي الخاص بها.
وتنقسم المقامات الموسيقية الموريتانية إلى ثلاثة أنماط: أولهم ’المقام البيظاني‘ وهو مقام عذبٌ ورقيق ينتمي لمغاربة شمال إفريقيا، والثاني ’مقام الكحلة‘ وهو أكثر قوة وخشونة ويتبع أهل منطقة جنوب الصحراء الموريتانية، أما الثالث فيُسمى “لكنيدة” وهو خليط من المقامين السابقين.
أما أهم الآلات الموسيقية الموريتانية فتشمل آلة التيدنيت وهي آلة ذات أربعة أوتار تشبه في شكلها الساعة الرملية، وآلة آردين الوترية ويبلغ عدد أوتارها من عشرة إلى أربعة عشر وترًا، والطبول الموريتانية التي تُصْنَع من الجلد.
من اليمين إلى اليسار: الطبلة الموريتانية، آلة الآردين، آلة التيدنيت.
وبالحديث عن الفن الغنائي في موريتانيا فتجب الإشارة إلى أن الشعر الغنائي الموريتاني سواء كان باللغة العربية الفصحى أو بأيٍ من اللهجات المحلية كالحسانية أو البولارية هو قمة في الأصالة والرقي، كذلك يعتمد الفن الغنائي الموريتاني بشكلٍ ملحوظ على قصائد الحب كقصائد قيس بن الملوح ونزار قباني.
ولحسن الحظ اثنتان من أبرز الأصوات الغنائية المعروفة في موريتانيا وخارجها هما من النساء ولعل أشهرهما هي ديمي منت آبة؛ حيث بدأت ديمي مسيرتها الفنية في بداية السبعينات من القرن الماضي ومثَّلت بلدها في مسابقة عربية للغناء بتونس عام 1976 كما طافت بعض البلاد الغربية.