عمان- نادر المناصير
لطالما ارتبط فنجان القهوة بالكتاب، هذا ما يفسره مقهى "الزقاق" الذي يعد مختلفاً عن غيره من المقاهي، فلا توجد فيه شيشة أو لعبة الورق، كل ما هو هناك مشروبات ساخنة وباردة وقطع كعك لا تحلو إلا في حضرة أحد الكتب المصفوفة على رفوف المقهى إلى جانب صور لشخصيات عالمية ورموز عظام وبعض المواضيع الثقافية التي تزين جدران المكان.
"الزقاق" الذي يحمل معنى وشكل المكان يصفه رواده بالمكان الصغير الهادئ إلا أنه يحوي على ما لذ وطاب من كتب فاقت بمحتواها حجم المكان، فحالما تخطو أول خطوة داخل أرضه تجد الكتب تحيط بك من جميع الجهات.
وقد يصادف رواد المقهى إحدى الشخصيات المعروفة تحضر إلى المكان وتتفاعل معهم، وصاحبه الذي يتخذ من إلقاء التحية الدافئة وتوزيع الابتسامات الواثقة على زوار المكان مهمته الأساسية.
ويقول صاحب المقهى الذي يقع في حي جبل اللويبدة بالعاصمة عمّان، علي عبوشي، لـ"العربية.نت" إن سمة محله تبرز كونه مكانا ثقافيا حيث يقدم للزبون وجبة ثقافية إلى جانب ما يطلبه من مشروبات أو بعض الأطعمة، حيث يتنوع رواده من أجانب قصدوا الأردن لتعلم اللغة العربية، وعرب وسكان محليين يتبادلون اللغات فيما بينهم وسط بيئة ثقافية بحتة.
ومن باب التشجيع على المطالعة والقراءة، يقدم المقهى خصماً على فاتورة زبائنه تصل إلى 25 في المئة لمن يقرأ كتاباً خلال تواجده في المكان، كما يقول عبوشي، ويشير إلى أن كتب مقهاه تتوفر باللغتين العربية و الانجليزية.
ويتناول ضيوف المقهى مشروبهم المفضل، وأيديهم تقلب صفحات كتاب ما، وسط صور لشخصيات عالمية مثل مانديلا، وتشي غيفارا، وناجي العلي، وغسان كنفاني، ونزار قباني، ومحمود درويش، وغيرهم الكثير، ناهيك عن أمهات الكتب الثقافية والسياسية والاجتماعية التي اتخذها قراؤها خير جليس في هذا الزمان.
ما يلفت انتباه رواد المكان صور أغلفة مجلة "تايمز" الأميركية المنتشرة في زاوية المقهى التي كانت حين ذاك تطلق كل عام منافسـة حول أكثر شخصية سببت أثراً على مستوى العالم خلال السنة، وكان لها دور في تغيير مجريات الأمور العالمية... ومن هذه الشخصيات، العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال، والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، والعاهل السعودي الراحل، الملك فيصل الذي اشتهر بسبب أزمة النفط للعام 1973 والتي تسبب بها سحب النفط السعودي من الأسواق العالمية احتجاجاً على الدعم الغربي لإسرائيل خلال حرب تشرين الأول/أكتوبر.
واعتاد الزبون، أحمد عبيدات، الجلوس في مقهى "الزقاق" كون المكان يتسم بالهدوء ويشجع على القراءة والمطالعة، ويقول لـ"العربية.نت" إنه يحب أن يجلس وسط الكتب التي تتوفر دائما على رفوف المقهى.
ويضيف عبيدات إن ما يميز "الزقاق" عن باقي الأماكن أن غالبية رواده لديهم قاسم مشترك هو القراءة والمطالعة وتبادل الأحاديث الثقافية والسياسية.
ويصف فيصل استيتية، وهو زبون قديم، المقهى بالمكان الثقافي المناسب للدراسة والقراءة والتعرف على ثقافات أخرى سواء كانت عن طريق تبادل الأحاديث مع رواد المكان الذين يقصدونه من مختلف الجنسيات الأجنبية والعربية، أو عن طريق الكتب التي تحلو أكثر مع تعدد نكهات المؤلفات، التي يجدها الزبائن بين أيديهم في المقهى.
وبالإضافة إلى قضاء وقت ممتع في ارتشاف القهوة واحتساء المشروبات الساخنة أو الباردة، تنشغل كيتي كارسلون، وهي فتاة أميركية، بدراسة اللغة العربية وتبادلها مع رواد المقهى المحليين لزيادة مخزونها من المفردات والمصطلحات العربية. وفي حين تواصل كارسلون دراستها في أجواء هادئة، تجلس انتونيا الفتاة النمساوية تمارس الفعل نفسه.
وتقول انتونيا لـ"العربية.نت" إنها ترتاح للجلوس في المقهى الذي يوفر لها تبادل اللغة مع صديقاتها من العرب، وتبادل الأحاديث الاجتماعية والسياسية والفنية والتعرف على التاريخ العربي بالنظر إلى جدران المكان، وتضيف أن ما يلفت نظرها صورة الشاعر محمود درويش الكبيرة المعلقة على إحدى الجدران.
ويأمل رواد المكان أن تتغير ثقافة المقاهي وتتحول إلى صالونات ثقافية تزورها نخبة المجتمع، لكي يعيد لها الاعتبار ويُسهم في تعريف شريحة واسعة من المجتمع بأهمية الكتاب، قبل أن يتسع دورها وتصبح مرفقاً للاستهلاك الغذائي والتسلية.
http://ara.tv/6g93t