“ولدت في يونيو/حزيران، أحببت في فبراير/شباط، تزوجت في سبتمبر/أيلول، وأصبحت أما في أغسطس/آب؛ هذه باختصار حكاية امرأة تؤمن بالتاريخ واسمها ياسمين… مولدي لم يكن معجزة… لم يكن استثنائيًا… لكنه لم يكن عادياً أيضًا”.
بهذه الكلمات تستهل أثير عبد الله النشمي الكاتبة السعودية الشهيرة روايتها الأخيرة والتي أسمتها ذات فقد. كما يتضح من الكلمات الأولى تتناول الرواية عالم امرأة سعودية من الرياض، المدينة التي لا يستطيع أحد أن يكرهها كما وصفتها أثير، ومع ذكر الرياض تجتر الكاتبة كل ما لهذه المدينة من معاني وأسرار، من قيود وفروض، من معاناة لامرأة يتيمة الأب والأخ، إذ أنجبت أمها 3 إناث، ولم تنجب أي ذكور. في مجتمع لابد فيه من ذكر كما تحكي أثير كي تستطيع العيش فيه بالحد الأدنى من الحرية والكرامة.
ياسمين بطلة رواية ذات فقد والناطقة بكل حروفها تحكي فيها عن تجربتها في الحياة وفي الموت أيضاً.
{الموتُ يغتصبني كل ليلة، يزورني في اليوم أكثر من مرة، في كُل مرة يقترب فيها الموت مني، أترك جسدي له ولا أقاوم، فيعبث بروحي ويلهو بها، حتى يمل من اللهو بي ويتركني لميعاد جديد.
أفكر فيمن سيأتي ويُنقذني من معمعة الموت تلك، من سيقدر على أن يتعايش مع رائحة الموت التي تفوح من مساميّ الصغيرة، من سيتمكن من إلجامُ صوت الموت الصادح داخل رأسي، من سينتشلني من لجته التي تكاد تُجهزِ عليّ، وتفتك بي.
أُفكر وأُفكر وأفكر بلا إجابات شافية ولا نتائج مُقنعة، فأدور في مطحنة الأفكار وأتيه في دهاليز الأسئلة}.
واقعية في الاستهلال
في الروايات الثلاث التي كتبتهم أثير قبل هذه الرواية تم انتقادها بشدة لغياب الواقعية عن رواياتها، فتارة تصور المرأة أنها مستسلمة خاضعة لا سلطان عليها سوى قلبها مثلما فعلت في رواية “أحببتك أكثر مما ينبغي” وتارة ترسمها في صورة خيالية في شكل امرأة عميقة الفكر منهكة الروح والقلب والتجارب مثلما حكت عنها في روايتها “في ديسمبر تنتهي كل الأحلام” ، عادت أثير في رواية ذات فقد إلى واقعية حقيقية فصورت ياسمين امرأة سعودية كغيرها من ملايين السعوديات نشأت وترعرعت في الرياض وذات يوم وفي رحلة سياحية إلى بيروت تعرفت على مالك وتتزوجه بعد ذلك.
لم تكن ياسمين تلك المرأة الغامضة ولا المستهترة ولا المستسلمة لسلطان الحب عليها، بل كانت امرأة مقاومة، ممانعة، لكنها مقاومة بيضاء. شهدت على خيبات مالك لها وعلى تصرفاته تجاهها وقاومته لكن داخل عقلها، شيء ما كان يرفض ما يقوم به مالك تجاهها لكنها لم تمتلك شجاعة البوح فعاشت طوال حياتهما معا في مرارة الكتمان.
أحداث الرواية
تدور أحداث رواية ذات فقد في سلاسة، إذ تتزوج أثير من مالك وتعش معه حياة طبيعية ولم يعكر صفوها سوى تصرفاته وخياناته لها.
تفاجأ في البداية بعدم قدرتهما على إنجاب أطفال وتتجاهل هي ومالك الأمر تمامًا، بعد ذلك تعرف عنه الكثير وتفاجئها تصرفاته تجاهها فيتغير حالهما تماما.
النهاية
كعادة أثير دائما ما تحب أن تضع نهاية مفاجأة عكس سياق الأحداث وهو ما لم تتخلى عنه بالفعل في هذه الرواية لكنها كانت نهاية بائسة لم ترقى حتى لمستوى الإبداع في النهايات الذي اعتاد قارئ أثير عليه.
لماذا لم تحقق رواية ذات فقد نجاحًا مثل بقية مؤلفات أثير؟
ما يلفت النظر في ذات فقد أنه بالرغم من طريقة السرد المميزة لأثير والتي تجعلك تتنقل بين أحداث الرواية دون ملل بل تحرص على أن تنهيها كلها وتعرف أحداثها في جلسة واحدة إلا أنه غاب عنها أسلوب أثير، ذلك الأسلوب الذي أسرت به العقول في رواية” في ديسمبر تنتهي كل الأحلام” حينما كانت تنتقل من مقطع في أغنية إلى بيت شعر إلى نص لدرويش وتدمج كل هذا مع حوارات بديعة بين البطل والبطلة، وهو ما غاب تماما عن هذه الرواية، فاقتباسات أثير الملهمة للكثير من قراءها غابت تماما لتحل محلها تلقائية في الحوارات والأحداث تجعل صاحبها يتوقع ما يحدث قبل أن يكمل القراءة.
أيضا أحداث القصة يمكن تلخيصها في صفحة واحدة وهو ما يعني غياب الزخم ونقاط التحول والأحاديث المثيرة بين طيات الرواية.
من الواضح أن أثير استجابت للانتقادات السابقة التي اتهمتها بالخيالية الزائدة ما اضطرها للعودة إلى الواقعية لكن من بابها الضيق الذي لا يحوي أحداثا ولا أسلوبا إنما سردا جيدا وحسب وهو ما أدى إلى تراجع نسب الإعجاب بهذه الرواية تحديدا حتى اعتبرت الأقل من بين كل روايات أثير السابقة.
لتحميل الرواية من
هنااااا