لم يعد مسموحاً لكِ أن تسافري
إلى أي مكان آخر.
إلى أي وطن آخر .
أنا آخِر وطنٍ تلتجئين إليه
يعطيكِ شرعية الحُبّ ..
ويمنحك السلام والسلامة …
..
لم يعد مسموحاً لكِ ..
أن تغادري أقاليمي الاستوائية
فصدري هو آخر شاطئ رمليّ .
تريحين عليه رأسك المتعب .
آخر منفى ..
يفتح أمامكِ أبوابه
ويمنحكِ جنسيته
ويطعمكِ تفاحة الشِعر ..
وخبز الحرّية …
..
لم يعد مسموحاً لكِ
أن تعودي إلى القرن العاشر
قبل اكتشاف الأنوثة ..
وأن تخرجي من زمن الماء
لتدخلي في الزمن اليابس .
وتنتقلي من حضارة القصيدة
إلى مغارة ( مقامات الحريري ) !! .
..
لم يعد مسموحاً لكِ
أن تتركي الأشياء على حالتها الأولى
أي قبل ظهور الإسلام ..
قبل ظهور النصرانية ..
قبل ظهور الحُبّ …
..
لم يعد مسموحاً لكِ
أن تضعي الزمن الجميل في حقائبك
وتقفلي عليه بالمفتاح .
لم يعد مسموحاً
أن تتركي الأنهار التي اغتسلتِ بها
وترجعي إلى حالة التصحّر .
لم يعد مسموحاً
أن تتركي الحَمَامَ جائعاً ..
وتــُرمُس القهوة فارغاً ..
وكتب الشعر مبعثرة ..
وفراش القيلولة بارداً .
وترجعي إلى زمن الجاهلية …
..
لم يعد مسموحاً لكِ
أن تلعبي بخرائط الوقت ، كما تشاءين .
فثمة خرائط رسمناها معاً
لا يمكنك أن تغيّريها .. أو تمزقيها ..
أو تضرمي فيها النار ..
ثمة أمكنة تاريخية في علاقتنا
لا يمكنك أن تغيّريها .. أو تمزّقيها ..
ولا أن تشطبي من الخارطة مواقعها .. ولا رائحتها ..
ثمة ميراث مشترك من الحُبّ ، بيني وبينك
لا يمكنك أن تحمليه معك ..
و تدخليه إلى غرفتك في الفندق ..
لأنه سينفجر بكِ …
..
لم يعد مسموحاً لكِ أن تهربي إلى الأمام
وتبحري ضدّ دورتكِ الدموية ..
وضدّ ذاكرتكِ النسائية ..
وضدّ كيمياء جسدكِ ..
المصنوع من خلاصة الأعشاب ..
ووصفات الطبّ العربي ..
..
لم يعد بوسعكِ ، أن تتحوّلي مرّة أخرى
إلى منسف رزّ في مضافة أبي لهب ..
وناقة مذبوحة على باب خيمته …
..
صار مستحيلاً عليكِ
أن تخرجي من المرايا التي دخلتِ فيها ..
والديوان الذي كنت تتمدّدين فوقه ..
والشراشف التي سال عرقكِ عليها ..
وبُرنس الحمّام الذي كنتِ تتنشفين به ..
..
صار مستحيلاً عليكِ
أن تنتحري بأمشاطكِ .. وخواتمكِ
وساعاتكِ التي ضيّعت إحساسها بالزمن …
..
إني أحبّكِ كما أنتِ ..
متحدّياً كل الفوارق الطبقية
بين موقعك البورجوازي
وبين صعلكتي ..
بين دمكِ الأزرق ..
ودمي الشعبي كحبر الجرائد ..
بين نهديك المهذبين جداً ..
وأصابعي التي
لا تعرف استعمال الشوكة والسكين !! .
..
لم يعد مسموحاً لكِ ، بعد اليوم
أن تقفي على يمين العشق ..
في حين أقف أنا
منذ أن شممت رائحة أول امرأة ..
على يساره …
..
لم يعد مسموحاً لك .. أن تخلطي
بين أصوليتكِ الثقافية ..
وبين جنوني ..
بين خوفكِ الوراثيّ من الرجل
وانتمائي الوراثي لحزب المرأة ..
بين انحنائكِ للنصّ القبليّ
وخروجي على كلّ النصوص ..
بين أبراجكِ الرومانية العالية
وبين حرّيتي …
..
أيتها المسافرة التي لم تسافر :
عندما كنتِ هنا ..
كان الزمن مُفـَصَّلاً على مقياس جسدكِ ..
وكان الشجر يورق معكِ .. والأنهار تفيض معكِ .
والقمر يستدير مع استدارة صدركِ ..
والعصافير تتعلم الطيران في سهولكِ ووديانك ..
والشمس تشرق من شفتك العليا ..
وتغيب تحت شفتكِ السفلى ..
والقصائد تتساقط الواحدة بعد الأخرى
في سلال نهديكِ …
..
عندما كنتِ هنا ..
كان كل شيء مضبوطاً
على إيقاع أنوثتك ..
فأية مجاعة ستجتاح العالم
يوم ترفعين يدك عنه ..
وتسافرين ؟
..
عندما كنتِ معي ..
كان الياسمين يخترع بياضه ..
والوردة تبتكر رائحتها .
والبحر يبتكر زرقته ..
والقصيدة تبحث عن موسيقاها ..
والاحرف تبحث عن مكان إقامتها تحت شَعرك
..
عندما كنتِ حبيبتي .
كان الكلام الجميل بخير .
واللغة بخير .
وسفرجل نهديك بألف ألف خير ..
ورسائل العشق ..
تتكاثر كالسنابل في صناديق البريد ..
وكان الأطفال يحضنون عرائسهم .. وينامون ..
وكان القمر يترك على شبابيكنا كل ليلة
إسوارة ذهبية ..
وعلبة ملبّس …
..
يا سيدتي : سافري على أية طائرة تريدين .
على أية سفينة تريدين . إلى أية جزيرة تريدين .
ولكنك لن تستطيعي أن تهربي
لا من الجغرافيا ولا من التاريخ ، ولا من تضاريس جسدي ..
لن تستطيعي أن تطيري بعكس اتجاه العشق ..
وعكس اتجاه الأنوثة …
فأنا الذي أرسم جغرافيتك بيدي ..
وأرسم خطوط الطول والعرض على جسدك ..
وأنا الذي أحدد مكان خط الاستواء …
فإلى أين ستذهبين ؟ ..
..