غالبًا، لا يعاني رواد الفضاء من أي مشاكل في الإبصار قبل استئناف رحلتهم إلى الفضاء الخارجي، لكن ومنذ بضع سنوات مضت، كشفت البحوث الطبية عن تراجع وضعف عام في حاسة البصر لدى العائدين من الفضاء، ولم يتم تحديد المشكلة بدقة بعد!
ففي عام 2005م، وفي منتصف المسافة تقريبًا أثناء العمل على متن محطة الفضاء الدولية، نظر رائد الفضاء جون فيليبس من النافذة إلى كوكب الأرض، لكنه لاحظ شيئًا غريبًا، فقد كانت رؤيته مشوشة.
فعلى الرغم من أن إبصاره كان مثاليًا، إلا أن الرؤية كانت ضبابية لديه كما عانى من مشاكل في التركيز. ولم يُقدِّم الرائد فيليبس تقريرًا عن مشكلته لمركز المحطة في الأرض ظنًا أنها مشكلة مؤقتة وستختفي بعد فترة، لكن وبعد عودته إلى الأرض، أشارت الفحوصات إلى تراجع حاد في الإبصار لديه من 20/20 إلى 20/100 !
حالة غامضة تُسبب ضعف إبصار رواد الفضاء خلال البعثات الخارجية طويلة الأمد!
من أجل التوصل إلى سبب هذه المشكلة، قامت وكالة ناسا الفضائية بوضع فيليبس تحت سلسلة اختبارات وإجراءات منها الرنين المغناطيسي والمسح الضوئي للشبكية والاختبارات العصبية والبزل القطني.
ووجد الباحثون أن الأمر لا يقتصر على تدهور الرؤية فقط، بل إن العين تغيرت أيضًا، فقد كانت الأعصاب البصرية ملتهبة وأصبح لمقل العيون طيات مشيمية، كما تملق الجزء الخلفي من العينين.
بعد سنة من عودته إلى الأرض، أصبح إبصار فيليبس 20/50، لكنه لم يتحسن إلى درجة الكمال التي كان عليها سابقًا.
وكان الرائد فيليبس أول رائد فضاء يتم تشخيصه بهذه الحالة الغامضة التي تُصيب تقريبًا 80% من رواد الفضاء في البعثات الطويلة. وتم تسمية هذه الحالة الصحية الغامضة بمتلازمة ضغط الإعاقة البصرية داخل الجمجمة Visual Impairment Intracranial Pressure Syndrom.
وفسَّر العلماء هذه الحالة الغامضة بأن سوائل الجسم تُسحب إلى الأسفل بفعل الجاذبية الأرضية، لكن في الفضاء الخارجي، فإن السوائل تضغط على الجمجمة والجزء الخلفي من العين بفعل فقدان التوازن والجاذبية.
وعلى الرغم من كون النظرية منطقية، لكنها لم تُؤكد بعد، بسبب صعوبة إجراء فحص البزل القطني القادر على قياس ضغط السوائل على الجمجمة في الفضاء الخارجي، تخوفًا من انتشار العدوى.
كما يُواجه العلماء صعوبة كبيرة في إجراء الاختبار في الفضاء الخارجي بسبب اختلاف البيئة، ويصعب محاكاة بيئة الفضاء في مختبرات خاصة تابعة لناسا في الأرض.
وبسبب صعوبة التحقق من النظرية المحتملة، فإن العلماء والأطباء يعجزون عن وضع حل لمتلازمة الإعاقة البصرية التي يعاني منها رواد الفضاء.
ما يزيد الطين بلة أن العلماء غير متأكدين من أن سبب حدوث متلازمة الإعاقة البصرية هو الضغط على الجمجمة أو أن انعدام الجاذبية هوا ما يُسبب ارتفاع الضغط.
فقد كشفت دراسة أن انعدام الجاذبية لمدة 25 ثانية تسببت بارتفاع أولي بالضغط أصناء الصعود، لكن مع انعدام الجاذبية بشكل تام، انخفض الضغط داخل الجمجمة إلى أسفل، وهي نتجية عكسية غير متوقعة!
ويبقى الأمل في حل هذه المشكلة الغامضة عبر إجراء الفحوصات واتخاذ الاجراءات اللازمة في بيئة الفضاء الخارجي، ويأمل العلماء أن يُصبح هذا الإجراء متاحًا خلال الخمس سنوات القادمة.