الطريق الأقصر لمعرفة الآخر (2)
_________________________
لعلّ أقصر طريق لمعرفة الكثير عن شخص ما في ظرف ساعتين ، هي أن تكون ضيفا على مائدته ، أو تدعوه للغداء.
قبل عقدين من الزمن كانت إحدى قريباتي مخطوبة لشاب من بلد مجاور، عائلة محترمة ، الوالد جراح والأم مديرة ثانوية ، وكانا اتفقا على الزواج إلى أن ذهبت رفقة والدتها لزيارتهم والتعرف عن قرب على عائلته ، خلال زيارة التعارف تلك دعا الوالد الفتاة ووالدتها للغداء ،و لم يترك لأحد فرصة اختيار ما يريد ، فقد طلب الوجبة نفسها للجميع " بطاطا مقلية وحوتة " أي سمكة ، وعندما سأله النادل وماذا تشربون ؟ صاح به " ماء ماء ماء !" . أذكر تفاصيل القصة ، لأن الوالدة رفضت الزيجة بعد تلك الحادثة ، وظلت صيحة الوالد بالنادل " ماء ماء ماء !" إلى اليوم نكتة نضحك لها ، كلما سألنا أحدهم ماذا تشربون ؟
القصة الثانية لسيدة لبنانية من الجنوب جميلة و مطلقة ، كانت تتردد على بيت أختي في بيروت وكانت أختي تعطف عليها لبؤس حالها، ثمّ صادف أن كان لصهري صديق مطلّق يعمل في وظيفة مرموقة و يريد الزواج ، فحدثه عنها ، وتحمّس الرجل ودعانا للغداء ليتعرّف عليها . أذكر أن أختي يومها أهدتها للمناسبة أجمل ثيابها عسى الله" يفتحها في وجهها " أخيرًا . ذهبنا للغداء في مطعم فخم ، فراحت السيدة تتصرف بأرستقراطية فاجأتنا ، وحين عرضت عليها قائمة الطعام طلبت أغلى طبق دون أن تدري ما هو ، لتجد نفسها أمام " لونغوست " ذلك النوع من الجمبري الضخم الذي لا يسعه صحن ، والذي احتارت كيف تقطعه أو تأكله . طلب لها الرجل بأدب طبقا آخر ، وبالأدب نفسه رفض أي مشروع للزواج منها ، فقد عرف عنها بثمن غداء ما وفرّ عليه خطأً كان سيدفع ثمنه لسنوات !
عكسها تماما كنت كلما دعاني أحدهم أتحاشى طلب الأطباق الغالية كي لا يأخذ انطباعًا أنني أستغله ، وحدث في الماضي أن دعاني إيلي ناكوزي ثلات مرات للغداء وكان إعلاميًا شهيرًا في الــLBC ، في المرة الثالثة قال لي بعد أن انتبه لتصرفي" أحلام أرجوك أنت ضيفة المؤسسة فلا تدققي وتطلبي الأرخص كل مرة " . ولم أتغيّر ، فقط بعد ذلك، وجدت الحل في أن أعرض على مُضيفي أن ينصحني ، هكذا يكون قد أعطاني فكرة موجزة عن مدى كرمه ، وأيّة قيمة يولي لعلاقتنا .
راق لي