الهلال الأحمر الجزائري يسيّر قوافل مساعدات إلى شمال مالي

"الشروق" تبحث عن الحياة في أحضان الموت بمالي











في إطار عمليات الإغاثة التي يقوم بها الهلال الأحمر الجزائري في مختلف مناطق العالم، سيّرت هذه المنظمة الإنسانية قافلة مساعدات إلى مدينة كيدال في شمال مالي، ورغم أن المنطقة باتت من المناطق الأشد توترا في العالم، إلا أن هذا لم يمنع بعثة الهلال الأحمر من اجتياز 400 كم من المسالك الصحراوية الوعرة لإيصال المساعدات، إلى المتضررين من السكان المحليين والنازحين، الذين فرّوا من الحرب، فوجدوا الجوع والمرض يتربصان بهم، في فصل تصل فيه الحرارة إلى 50 درجة تحت الظل بهذه المنطقة.



تزامن تواجد "الشروق" في كيدال مع وصول القافلة يوم 27 جويلية الفارط، لتسليم 70 طنا من المساعدات، تشمل أغذية (دقيق، أرز، تمور، زيت، طماطم) كما اشتملت شحنة المساعدات على كميات معتبرة من الأدوية والمواد الطبية . حيث كانت 50 طنا قد نقلت من العاصمة إلى برج باجي مختار، ليتم تدعيمها بـ20 طنا إضافية من مخازن الهلال الأحمر بالمنطقة الحدودية.
مستشفى "مرجعي" من دون دواء ولا أطباء ولا كهرباء!
وجهتنا الأولى كانت مستشفى المدينة، أين كانت جماعات من الناس تنتظر علاجا غير متاح، فما يطلق عليه جزافا "المركز الصحي المرجعي" لا يتوفر على أدنى مقومات المرفق الصحي، فلا دواء ولا عتاد طبي، حتى قارورة الأوكسجين الوحيدة كانت فارغة والطاقم الطبي قليل التعداد، وأسقط في يده، ولم يعد قادرا على تقديم ابسط العلاجات لنقص الأدوية والوسائل.
لكن الأخطر من ذلك هو غياب الكهرباء بالمستشفى، فالمدينة بكاملها تعاني مشكلة انقطاع الكهرباء، كما أن المولد الكهربائي الذي يتوفر عليه هذا الهيكل الصحي، لا يمكن تشغيله لعدم توفر الوقود. ولاحظنا قبلها خلال مرورنا بالمستشفى ليلا، أنه كان غارقا في الظلام. وتعيش كيدال أزمة حقيقية في الطاقة، بعد تضرر منشآت وشبكة توزيع الكهرباء، خلال المعارك التي دارت رحاها في المدينة.
التقينا عند مدخل المستشفى السيدة فاطمة التي روت لنا أنها اصطحبت ابنها المصاب بالحمى، على أمل أن يعالج بالمستشفى لكنها عادت خائبة لأن الدواء مفقود، وقالت هذه المرأة التي تتحدث العربية بلكنة حسانية، إن الطبيب اكتفى بفحص ابنها لكنه لم يقدم له أي علاج، نصحها بأن تعالجه بالكمادات الباردة، كي تسكن حرارة جسمه، "لكن أين أجد الماء البارد كي أمس به الكمادات؟ فأنا لا أملك ثلاجة، و حتى جيراني ثلاجاتهم لا يمكن تشغيلها لأن الكهرباء مفقودة".
ولم تكن كاديا ماييغا أحسن حظا من فاطمة، فهذه السيدة أصيبت بارتفاع في الضغط الدموي، بفعل الحرارة الشديدة التي تعرفها المنطقة، وكثيرا ما تفوق الـ50 درجة، لكن الدواء عزّ بالمستشفى، واكتفى الممرض بقياس ضغطها وطلب منها الانصراف.

طواقم طبية جزائرية لنجدة الماليين
أوضاع صعبة للغاية، يعيشها السكان الذين يراجعون المستشفى والطاقم الطبي على حد سواء، بيد أن قدوم الهلال الأحمر الجزائري، أعاد الأمل للنفوس، وكشف رئيس بعثة هذه الهيئة إلى كيدال الدكتور عادل غبولي، عن مساعدات قيّمة يعتزم الهلال توفيرها للمستشفى، بعد تقييم الوضع، والوقوف عن كثب على الحاجيات الفعلية بدقة، وقال غبولي: "اتفقنا مع مدير المستشفى، على إيفاد طواقم طبية جزائرية، ستعمل بصفة دائمة هنا في كيدال، لتغطية العجز المسجل على هذا الصعيد، كما سنرسل عتادا وأجهزة طبية وأدوية، مناسبة للحاجيات المسجلة هنا". وفي تقييمه لوضعية المستشفى قال غبولي: "ثمة نقص حاد، بل انعدام للأدوية وأبسط الحاجيات غير متوفرة".
من جانبه أرسل مدير المستشفى موسى آغ محمد إِشارة استغاثة: "مخزون الأدوية، على قلته، لن يغطي أكثر من أسبوعين، والمشكلة الكبرى هي غياب الكهرباء ونقص الوقود اللازم لتشغيل المولد"، وأفاد أن المستشفى يفتقر للأطباء المختصين، والقابلات والممرضين المؤهلين. وختم المتحدث كلامه بالقول "نثمن عاليا مبادرة الهلال الأحمر الجزائري، ونطالبه بالمزيد فالوضع صعب جدا".

مخازن المؤن فارغة ..إلا من الرياح!
عند مغادرة المستشفى، أردنا مرافقة البعثة إلى باقي محطات مهمتها، غير أن رئيس الهلال الأحمر حاج حمو بن زغير والدكتور غبولي، اعتذرا منا ورفضا تلبية طلبنا، بداعي الحفاظ على الحياد الذي يعد المبدأ الرئيسي للمنظمة، وكان يتوجسان من أن الصحفيين، قد يبدر منهم ما يمس بهذا المبدأ، فكان علينا إجراء مفاوضات عسيرة معهما، أفضت إلى السماح لنا بمرافقة البعثة إلى محطتها التالية، التي كانت مقر الصليب الأحمر المالي بالمدينة، كان المقر عبارة عن مكاتب ملحقة بها مخازن للأغذية، خلال معاينتنا لها اكتشفنا أنها كانت خاوية تصفر فيها الرياح، وما إن ظهرت طلائع قافلة الهلال الأحمر الجزائري، حتى دبت الحركة في المكان، وتسابق العمال لإفراغ شحنة المساعدات. وهذا أمام ناظري ممثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميكال سيبديغا الذي أعرب عن امتنانه لهذه المساعدات، التي لفت أنها لا تعد الأولى من نوعها، "نشاط الهلال الأحمر الجزائري بالمنطقة، يعود إلى بداية النزاع، وبالتنسيق مع الهلال الأحمر المالي، قدم دعما هاما للسكان على مستويات عدّة" يقول سيبديغا، الذي ذكّر في سياق حديثه بقافلة الهلال التي سيّرها إلى منطقة غاو بشمال مالي، أسبوعا قبل إرسال قافلة إلى كيدال. ويشار هنا إلى الهلال الأحمر يعتزم تسيير قافلة ثالثة إلى منطقة تمبكتو في غضون أيام قليلة. كما طرح المتحدث ذاته مشكلة نقص الوقود، معدّدا انعكاساتها الكارثية. من جانبه قال رئيس فرع الصليب الأحمر المالي بكيدال أسيلاكان آغ إمتيروويت: "أشكر كثيرا الهلال الأحمر الجزائري، على هذا العمل الإنساني النبيل، الذي يتجه للسكان مباشرة".

شعور عام من الامتنان يسود كيدال

ما إن تناهى خبر وصول المساعدات الجزائرية، حتى تداعى السكان من مختلف العرقيات إلى مقر الصليب الأحمر، على أمل أن ينالوا نصيبهم منها. فقد تحول نبأ قدوم القافلة الجزائرية، إلى حديث الساعة بالمدينة، التي لم يسبق لها أن استقبلت مساعدات بهذه الكم والنوع، وهذا ما استقيناه من أفواه السكان، ولخص حسان مشاعر الامتنان التي سادت السكان من مختلف عرقياتهم؛ توارق، عرب، سونغاي.. إلخ، بالقول: "الجزائريون وحدهم أشقاؤنا!" لكن كان على المحتاجين الانتظار بعض الوقت، فالتوزيع لن يكون فوريا، حيث يقول آغ إمتيروويت: "سنحرص على أن نسيّر هذه المساعدات القيمة بحرص شديد، كي ينال كل محتاج نصيبه منها، فهذه السنة كانت قاسية جدا على السكان، ولا بد من إيصال المساعدات إليهم في أحسن الظروف".
بعدها ودعنا بعثة الهلال الأحمر الجزائري، التي تركناها تبحث مع ممثلي الصليب الأحمر المالي، ترتيبات إرسال شحن أخرى من المساعدات في المستقبل القريب، وهي مساعدات يعول عليها كثيرا في تخفيف الأزمة الإنسانية في شمال مالي.