السومرية نيوز/ بغداد
يعيش العراقيون صيفهم في حر شديد ورطوبة مرتفعة، والحركة في الشوارع البغدادية المشهورة بنشاطها خفتت، ليحل محلها خمول منزلي لاتقاء ضربة الشمس وغالباً بوسائل تبريد محدودة، إذا وجدت كهرباء متواصلة.
وكثيرة هي الأدوات التي يواجه فيها العراقيون حراً لا يطاق، منها النكتة وابتكارات آنية مجربة في أحيان أخرى، إلا أن أكثرها غرابة تلك الجرأة على شرب الشاي الأسود المغلي، فما هي الطرق الأكثر فائدة؟، وما هي حكاية "الحمار" الذي بات مضرباً للمثل العراقي في مثل هذه الأيام؟.
تتحسر أم زيد وهي تتمنى نسمة هواء باردة تنعش ابنها الرضيع، إذ بات الظل والبرودة المطلبين الرئيسيين لأغلب العراقيين بعدما كانا سابقا من الأمور الثانوية التي يمكن الاستغناء عنها ببضعة أمبيرات كهربائية من المولد الأهلي لتشغيل مروحة أصبحت غير مجدية في ظل حرارة جو هي الأعلى في العراق منذ عقود.
وتقول أم زيد لـ"السومرية نيوز"، بعد حمل طفلها بموازاة هواء مروحة تعمل على الشحن المسبق داخل غرفة متواضعة في أحد أحياء بغداد القديمة، "كان بالإمكان الاكتفاء بالمروحة أو المبردة أما الآن إذا لم تتوفر الكهرباء نكتفي بفتح النوافذ والاستحمام بالماء الفاتر"، قبل أن تضيف باللهجة المحلية "حر لا يحتمله حتى الحمار".
لا يختلف حال أم زيد عن عراقيين كثر يرزحون تحت وطأة تموز جراء الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة التي لم تشهد البلاد مثيلا لها منذ 30 عاماً، ولئن كانت أجواء العراق ذائعة الصيت بحرارتها الشديدة خصوصا في هذه الأيام التي تجعل حتى الإسفلت يذوب، فإن حال مئات الآلاف من العراقيين استقبلوا الأمر بتهكم وما برحوا يتكيفون مع الحر بشتى الوسائل.
ابتكارات اضطرارية
ودفع هذا الواقع المحال التجارية بالأسواق المعروفة في بغداد الى وضع مراوح ضخمة تبغ رذاذ المياه على المارة، فضلا عن وضع "دوش" استحمام بين مسافة وأخرى للراغبين بتبريد أجسام على وجه السرعة، وذلك كله مجاناً من أجل كسب الآجر من جهة، وتوفير جو مريح نسبيا للمتبضعين من جهة أخرى.
ويقول سعيد كامل (44 عاماً)، صاحب محل في سوق السنك وسط بغداد، "قررنا أن نمنح المتواجدين في السوق بعض الانتعاش"، مشيرا الى "لهيب لا يطاق يجعل رأس الإنسان يغلي هذه الأيام".
ويوضح وهو يراقب شعاع الشمس الذي بلغ ذروته في منتصف النهار، أنه سيغلق باكراً لأخذ قسط من الراحة في المنزل لكنه يتحين الفرصة لمجيء زبائن يعوضون تكبده عناء المجيء الى محله رغم إعلان عطلة رسمية في عموم البلد بسبب شدة الحر.
شاي يغلي مع حر لا يطاق
من المفارقات الغريبة أن أغلب العراقيين يستقبلون هذا الحر بروح رياضية ضاحكة الى جانب شرب الشاي الأسود المغلي مع عدم التردد من الاستمتاع بتدخين السجائر.
وهي عادة ربما تكون بنظر من يراها "شيئا جنونياً"، لكن تناول المشروبات الساخنة بدون التدخين طبعا، له مردود صحي إيجابي في الأجواء الحارة، عكس ما يعتقد، إذ توصلت الأبحاث الحديثة الى أن احتساء المشروبات الساخنة مثل الشاي في أيام الصيف الحارة تؤدي إلى تبديد حرارة الجسم عبر التعرق وتبخر المياه علية الجلد وبالتالي تبريد الجسم، وذلك عكس تناول المشروبات الباردة في هذه الأيام والتي تجعل الجسم يعمل على تعديل حرارته مع الجو الخارجي، ما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم الطبيعية.
وفق ذلك قال أخصائي الباطنية الدكتور أسعد جمال، إن "الاعتقاد السائد بأن تناول المثلجات بكثرة كفيل بإطفاء نيران الحر، هو خطأ كبير"، مبينا أن "تلك الأنواع من الأغذية تبدو وكأنها توفر جوا من البرودة التي تعيننا علي مواجهة الحر، لكنها غالبا ما تحتوي على سعرات حرارية يقوم الجسم بتخزينها دون الاستفادة منها، ما يساعد على الكسل والاسترخاء، وهو الأمر الذي ينتهي غالبا بالمزيد من الإحساس بالحر".
الحر وحكاية "الحمار"
"أبو صابر"، لا يكاد أحد لا يعرف هذه الكنية الشهيرة، خاصة وأن الكثير من العراقيين يرددونها في أيام الحر، في إشارة منهم الى الحمار الذي يتمتع بصفة الصبر ورباطة الجأش في الحر وتحميل الأثقال.
"حر يجعل الحمار يتبول دماً"، هكذا يردد أغلب من يأتي من مشوار اضطراري بعد أن يدخل منزله، وهي عبارة تحذير للباقين من شدة الحر وضرورة عدم الخروج إلا لأمر هام، وبهذا الخصوص يقول الباحث التاريخي كريم حمزة، إن "الحمار حيوان صبور بطيعة الحال، كونه أثبت قدرته على قهر الزمن بالصبر".
ويضيف حمزة، إن "أبو صابر كما يحلو للعراقيين تسميته، من البهائم القادر على الاستمرار رغم ضنك العيش، وحتى في صورته النمطية السائدة، مازال الحمار مثلا للتحمل، وفي العراق بالذات حيث الحياة صعبة".
واحتلت عشر مناطق في العراق، بدءا من أمس الأربعاء، الأعلى بدرجات الحرارة في العالم خلال الـ24 ساعة الماضية، وذلك وفق محطة "بلاسيرفيلي" في كاليفورنيا الأمريكية.
ويبين جدول المحطة أن 10 مناطق عراقية من أصل 15 في العالم هي الاكثر حرارة، حيث احتلت محافظة الناصريةالمرتبة الأولى بدرجة حرارة بلغت 51.2 مئوية، تليها منطقة الحسين في البصرة ثانيا بدرجة 50.6 درجة مئوية، ثم منطقةخانقين في ديالى ثالثا بدرجة 50.5 مئوية.
كما جاءت منطقة مطار البصرة رابعا بدرجة حرارة 50م، وفي المرتبة الثامنة منطقة الحي بالكوت بدرجة حرارة 50 أيضا، وفي المرتبة التاسعة جاءت منطقة بدرة 49.8 مئوية، وفي المرتبة العاشرة جاءت منطقة العمارة بدرجة حرارة 49.6 مئوية، تليها في المرتبة الـ11 منطقة السماوة بدرجة حرارة 49.6 مئوية أيضا، كما جاءت في المرتبة الـ15 منطقة العزيزية بدرجة حرارة 49.3م