أذكر أنّني، قرأت يومًا بحثًا نفسيًّا، يقول إنّ وقوعنا في الحبّ، لا علاقة له بمن نحبّ، بل لتصادف مروره في حياتنا بفترة نكون فيها دون مناعة عاطفيّة، لأنّنا خارجون توًّا من وعكة عشقيّة، «فنلتقط حبًّا»، كما نلتقط «رشحًا» بين فصلين!
واستنتجت يومها أنّ الحبّ عارض مرضيّ.
ثمّ قرأت بعد ذلك مقالاً طبّيًّا عن «كيمياء الحبّ» جاء فيه أنّنا نرتكب أكبر حماقاتنا في الصّيف لأنّ الشّمس تغيّر مزاجنا. ولها تأثيرات غريبة في تصرّفاتنا: فأشعّتها تخترق بشرتنا وكرياتنا الدمويّة.. فتعبث بجهازنا العصبيّ، وتحوّلنا أناسًا غريبين بإمكانهم فعل أيّ شيء.
وقلت.. الحبّ إذن حالة موسميّة.
وقرأت أيضًا.. أن الكتابة تغيّر علاقتنا بالأشياء، وتجعلنا نرتكب خطايا، دون شعور بالذّنب، لأنّ تداخل الحياة والأدب يجعلك تتوهّم أحيانًا أنّك تواصل في الحياة، نصًّا بدأت كتابته في كتاب، وأنّ شهوة الكتابة ولعبتها تغريك بأن تعيش الأشياء، لا لمتعتها بل لمتعة كتابتها.
واستنتجت أنّ مشكلة الكاتب أنّه لا يقاوم أحيانًا شهوة الخروج عن النصّ، والتورّط الأدبيّ مع الحياة، حتّى في سرير.
وهكذا بعد شيء من التفكير، توصّلت إلى كون ما حدث لي لا علاقة له بالمنطق، بل بتصادف عدّة شروط لا منطقيّة.
فقد دخل هذا الرّجل حياتي ذات صيف، مستفيدًا من فقداني أيَّ مناعة عاطفيّة، وانشغالي بين فصلين، بكتابة قصّة حبّ وهميّة. وحبّه ليس إلّا تصادف اجتماع عدّة ظروف استثنائيّة.
في الواقع، من كثرة ما قرأت، اكتشفت أنّ مصيبتي هي في كوني لست أمّيّة. فكم من الأشياء قد تحدث لنا بسبب ما نقرأ..
ذلك أنّ ثمّة قراءات تفعل بنا فعل الكتابة، وتوصلنا إلى حيث لا نتوقّع.
" فوضى الحواس "