نتيجة جملة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية عرفها العراق في السنوات الأخيرة، تفاقمت ظاهرة الطلاق بين المجتمع العراقي ، حيث تعرضت الكثير من الأسر للتفكك مما أدى إلى إلحاق العديد من الأضرار في المجتمع وبنيانه الاسرية،حيث تشير الإحصائيات إلى أن ظاهرة الطلاق في العراق تزداد بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وهو مايعد تهديدًا على بنيان هذا المجتمع، إذ بلغت نسبة هذه الظاهرة العام الماضي 65%، بواقع 820 ألف و453 حالة.
محمد المعاضيدي مختص في علم الاجتماع قال ظاهرة الطلاق تفاقمت في العراق بعد الانفتاح والمتغييرات الذي شهدته البلاد بعد العام 2003، والذي قاد بدور كبير لتبدل الكثير المفاهيم المجتمعية.
واكد المعاضيدي ان دخول الفضائيات والمسلسلات الأجنبية لبيوت العراقيين اثر سلبا على حياة الزوجين ، وما تتضمنه من افكار هذه المسلسلات تؤكد أن الطلاق ظاهرة عادية. وهو ما دفع العراقيات لتقبل أمر الطلاق كحادثة عابرة حتى اصبح المجتمع لا يعير اهمية لمسألة الطلاق .
اما المحامية سوزان التميمي فقالت إن العراق شهد ارتفاعًا هائلاً في نسبة حالات الطلاق. حيث تقع في محاكم بغداد الرصافة في الكرادة والمحاكم التابعة لها قرابة 20 إلى 50 حالة طلاق يوميًا.
ولفتت التميمي إلى صعوبة الحصول على أرقام وإحصائيات دقيقة حول العدد الكلي لحالات الطلاق، لكن ارتفاع حالات الطلاق أصبحت ظاهرة خطيرة يصعب معالجتها خلال المرحلة الحالية .
اما المحامي رسول العبيدي فيقول ان الطلاق يقع بين الفئات العمرية التي تتراوح بين 28-38 سنة، وخلال السنوات الثلاثة الأخيرة ارتفعت حالات الطلاق بشكل هائل، وربما يمكن إيجاد حالة طلاق واحدة بين كل حالتي زواج أو ثلاثة،والأمر يشمل تقريبا كل محافظات العراق دون استثناء.
واكد العبيدي ان هذا الامر يعود الى قلة ثقافة الزوجين فيما بينهما منذ اللحظات الاولى في حياتهم ، وهذا ما زال حاضرا وبقوة في حياتنا اليومية ، وخصوصا في المناطق البغدادية .
وبحسب الأرقام والإحصائيات فقد أصبحت دعاوى الطلاق مصدر رزق كبير للمحاميات والمحاميين وكاتبي العرائض الذين يصطلح على تسميتهم محليًّا (عرضحالجية) هم الذين يجلسون عند أبواب المحاكم بحسب اراءهم .
اما حالات الطلاق فلا تعد ولا تحصى من بينها سناء وهي من مواليد 1990 حيث شرحت قصة انفصالها عن زوجها وقالت أجبروني على الزواج بابن عمي رغم ارتباطي عاطفيا بزميل لي في الكلية ، لم أحب زوجي ولم أتحمله، وتنازلت عن كل حقوقي حتى الذهب أعدته إليه مقابل الحصول على الطلاق.
واشارت سناء كنت أظن أني سأرتبط بمن أحب حسبما وعدني, لكنه وبعد حصولي على الطلاق أصبح يبتعد عني تدريجيًا،عندما حاولت مواجهته تملص وعرفت فيما بعد انه لا يريد الارتباط بمطلقة.
أبو جبار سائق تاكسي وهو أيضًا انفصل عن شريكة حياته، وحدثنا قائلا :توفت زوجتي وتركت لي 2 أطفال، بحثت عن زوجة تشاركني حياتي تقدمت لخطبة الكثيرات لكن لم تعجبني أي واحدة منهن، ثم أخبرتني جارة لنا بوجود امرأة طيبة في محافظة عراقية فأخذت والدتي واهلي وتقدمت لخطبتها وتزوجتها.
وتابع ابو جبار انه و خلال أيام الزواج الأولى اكتشفت إنها عتيدة ومتصلبة لم تحظَ بقبول أولادي ورضاهم لأنها كانت قاسية جدًّا معهم حاولت التفاهم معها ونصحها دون جدوى، بعدها قررت النوم في غرفة منفصلة بعدما اشتدت المشاكل بيننا، وعلى الرغم من أن زوجتي ولدت لي طفلاً إلا أني قمت بتطليقها لأنه لا يمكن العيش مع امرأة متسلطة وعتيدة ولا تجيد فعل شيء سوى الصراخ وافتعال المشاكل.
اما الشاب قاسم وهو منسب في احد الاجهزة الامنية أيضًا له حكاية مع الطلاق ويقول : طلبت زوجتي الطلاق لأني ضربتها بعد أن اعترف ابني انه سمع أمه تتحدث مع رجل آخر في الموبايل.
واكد قاسم واجهتها فأنكرت, طلبت منها الاتصال بالرجل أمامي فترددت، وضربتها، وذهبت لعملي ثم اتصلت أمي بعد اقل من ساعة لتخبرني أنها هربت وأخذت أطفالي إلى مكان اخر ثم قامت برفع دعوى الطلاق وحرمتني لثمانية أشهر من التحدث مع أطفالي.
وحسب بيان مؤخر صدر من مجلس القضاء الأعلى. فان دعاوى الطلاق لعام 2004 كانت 28 ألفا و689. ارتفعت إلى 33 ألفا و348 في 2005. ثم ارتفعت مجددًا إلى 35 ألفًا و627 في 2006، حتى اخذت بالتزايد في الاعوام التي تلتها .
الباحثة الاجتماعية حميدة منذر ترجع أسباب الطلاق إلى العامل الاقتصادي والتهرب من مسؤولية الإنفاق، إضافة لضعف الوازع الديني والتحلل من القيم والمبادئ والأعراف.
واكدت منذر ان التأثر بالثقافة الغربية بشكل خاطئ واعتمادها وتطبيقها في الواقع والحياة العراقي رغم عدم صلاحيتها لمجتمع كالمجتمع العراقي، وكذلك التزويج برغبة من الأهل لكلا الزوجين أو احدهما وتعطيل وغياب إرادتهما عند إبرام العقد.
واضافت ان الزواج المبكر هو أحد الاسباب الرئيسة للطلاق، ولا سيما أن هذا النوع من الزواج يكون هدفه إشباع الرغبات الجنسية الجسدية, وأيضًا بسبب مرور المجتمع العراقي بوضع خطر متمثلاً بالانحدار الاقتصادي الاجتماعي والنفسي, الذي نجم عنه تفككًا اسريًا, سرعان ما أصبح مدعاة للخلافات والنزاعات الزوجية.
ومما تقدم من اسباب واراء من المختصين والذين عاشو مرحلة الطلاق يبقى الامر مرهونا بتحسين الظروف الاقتصادية للفرد العراقية اضافة الى دور الباحثين الاجتماعيين في توعية الشباب على حد سواء على ممارسة الحياة الزوجية بشكل طبيعي دون الاستئثار بالتكنولوجيا الحديثة وعدم تدخل الاهل في حياتهم الشخصية فأن ذلك سيولد فراغــا ومشاكل لا حصر لها على الاطــلاق .