المغرب يحظر الأكياس البلاستيكية حفاظا على البيئة… ويستورد 250 طنًا من النفايات الإيطالية!
لوحة إعلانية لحملة زيرو ميكا لجمع الأكياس البلاستيكية، ترمز إلى أن هذه الأكياس “تخنق” الأجيال الصاعدة.
لا يوجد موضوع يشغل الرأي العام المغربي منذ الشهر الماضي أكثر من موضوع القانون الجديد (القانون 77-15) القاضي بمنع تصنيع وحيازة واستعمال الأكياس البلاستيكية، بغرض الحفاظ على البيئة، حتى أنساهم هذا الموضوع همومهم السابقة من كثرة ما أصبحت هذه السيرة تتكرر في كل مكان: على القنوات التلفزية، الراديو، اللوحات الإشهارية في الشوارع، في الشواطىء والملاعب بل حتى على يوتيوب على قنوات الفكاهيين المغاربة… أي كما قلت، في كل مكان حرفيًا، فقد خص المغرب هذا الموضوع بأهمية كبيرة وحرص من جهة على أن يصل الخبر إلى جميع المغاربة ليضمن تطبيقهم لهذا القانون، وتحسيسهم بخطر هذه الأكياس وحثهم على اللجوء للبدائل من جهة أخرى، وبالتالي، فقط تم إطلاق حملة ” زيرو ميكا ” (الميكا تعني الكيس البلاستيكي بالعامية المغربية). كما تم إطلاق هاش تاغ #Zero_Mika على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل نفس الهدف.
لكن هذه لم تكن أول مرة يهتم فيها المغرب بالجانب البيئي، فالمغاربة قد تعودوا منذ وقت طويل على الحملات التحسيسية التي تحث على الحفاظ على البيئة ، أتحدث هنا عن تلك الإشهارات التي تحث المواطنين على الحفاظ على الغابات من خطر النيران والحفاظ على نظافة الشواطئ والتي حفظها المغاربة عن ظهر قلب، أما لغير المغاربة، فإن جولة خفيفة إلى شمال المملكة – الذي يتميز بالرياح القوية على طول السنة تقريبا – تكفي لتلاحظ حقول الطاقة الريحية التي تصطف على رؤوس المرتفعات، وجولة أخرى إلى جنوب المغرب المشمس والحار أيضا، ستأخذك إلى محطة “نور 1” الضخمة للطاقة الشمسية، والتي تشكل الشطر الأول للمشروع الذي يرتقب أن يكون أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم، كما نجد أن المغرب قد لجأ سنة 2011 إلى حظر الأكياس البلاستيكية السوداء تماما.
لقد ذكرت كل ما سبق بهدف لفت انتباه قراء أراجيك إلى أن اهتمام المغرب بالطاقات النظيفة والبيئة بشكل عام ليس شيئا جديدا أو مفاجئا، إذن لماذا أثار القرار الذي ذكرت سابقا كل هذه الضجة؟
ربما سيبدو الأمر أوضح إذا علمنا أن المغرب يعتبر ثاني مستهلك للأكياس البلاستيكية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يستهلك ما يقدر ب
26 مليار كيس بلاستيكي سنويا!
باختصار، لا يمكن تخيل حياة المغاربة دون هذا المنتوج الذي يتم استعماله في كل صغيرة وكبيرة، لكن هذا يعني من جهة أن هذه الكميات الهائلة تشكل عبئا ثقيلا جدا على كاهل أرض المغرب بعد الإنتهاء منها ورميها، وتهديدا حقيقيا للتربة والفرشة المائية والحيوانات، لكنه من ناحية أخرى، يعني أيضا أن هذه الصناعة مزدهرة جدا في المغرب ويعيش على إثرها عائلات كثيرة جدا، حيث يقدر عدد فرص الشغل التي توفرها هذه الصناعة بـ
50 ألف منصب شغل!!
لفهم الموضوع أكثر سنتطرق له قبل دخول القانون حيز التنفيذ يوم 1 يوليو، ثم سننتقل لما بعد هذا التاريخ (إلى يومنا هذا) لنتعرف على التداعيات التي تركها هذا الموضوع بعد أن تحول من مجرد كلام إلى واقع مفروض على المغاربة:
ردود الأفعال قبل دخول القانون حيز التنفيذ
مؤيدون حملة زيرو ميكا
تفاوتت واختلفت ردود الأفعال بشكل صارخ بين المغاربة بخصوص هذا الموضوع، فمن جهة نجد النشطاء البيئيين الذي ابتهجوا للخبر وصفقوا بحرارة للقانون الذي اعتبروه “جريئا” يتحدى واحدة من أشهر عادات المغاربة (ومن بين أكثرها سوءا) وهي هوسهم باستعمال هذه الأكياس، والذين شاركوا بدورهم في التحسيس بخطورتها لكونها في الأساس تحتاج لمدة تتراوح بين 400 وألف سنة لتتحلل، ومن ناحية أخرى نجد اللذين لا يهمهم أمر البيئة كثيرا بقدر ما يرون أن حظر هذه الأكياس سيقوي الصناعة التقليدية مرة أخرى وخصوصا صناعة “القفة” والسلال القصبية.
جزء من حملة زيرو ميكا
المعارضون للقانون
أما بالنسبة للرافضين للقانون – والذين يشكلون الأغلبية الساحقة – فقد اختلفت مبرراتهم ودوافعهم وإن كان الرفض واحدا.
قطع أرزاق
أول المعنيين بالأمر هم المشتغلون بهذا المجال، سواء تعلق الأمر بأرباب العمل أو العمال الذين يقدر عددهم ب50 ألف عامل بشكل مباشر وغير مباشر في صناعة الأكياس البلاستيكية، حيث وجد هؤلاء الأخيرون أنفسهم متجردين من عملهم ولقمة عيشهم دون أي اهتمام من طرف صانعي القرار الذين لم يقدموا أي بديل أو تعويض لهؤلاء العمال، أو مشغليهم الذين لم يتم إمهالهم أكثر من 6 أشهر لتغيير الصناعة تماما، دون اكتراث إلى الكيفية التي سيحدث بها هذا الأمر أو إلى الديون والالتزامات التي تثقل كاهلهم أو إلى الخسائر التي ستلحق بهم بعد توقف الإنتاج…
شغل الرأي العام وضحك على الذقون
نجد أيضا من التجأ إلى تأويلات مغايرة تماما، حيث تم اتهام المغرب بتشتيت انتباه المواطنين بأمور تافهة هم في غنى كامل عنها، وغض الطرف عن المشاكل “الحقيقية” التي يعاني منها المغاربة، حيث علق البعض ساخرين أنهم يريدون “زيرو رشوة”،”زيرو غلاء” و “زيرو بطالة” أما زيرو ميكا فهي لا تمثل أي مشكل لهم، خصوصا أن المغرب يعيش هذه الفترة غليانا سياسيا واجتماعيا يتمثل في القوانين المتعلقة بإصلاح صندوق التقاعد وغيرها من المواضيع الهامة جدا كالصحة والتعليم اللذان هما أحق بكل هذا الاهتمام والميزانية التي رصدت لتفعيل هذا القانون والترويج له.
وقام البعض الآخر بتفسير هذا القانون على أنه محاولة لتلميع صورة المغرب أمام العالم لا أكثر، خصوصا أنه من سيتكلف بتنظيم قمة المناخ القادمة “كوب 22” هذه السنة بمدينة مراكش.
بدائل غير عملية
البدائل المقترحة في إطار حملة زيرو ميكا
أما بالنسبة للنساء البسيطات والبائعين فقد ابتعدوا تماما عن السياسة والاقتصاد وعبروا عن امتعاضهم من البدائل التي تم “تصويرها” في الإعلانات التحسيسية، والتي تعتبر غير عملية أبدا، عكس ما كانت عليه الأكياس.
فيديو دعائي يصور البدائل المقترحة لل”ميكا”:
تداعيات القانون بعد دخوله حيز التنفيذ
دخل القانون حيز التنفيذ يوم الجمعة من يوليو، ومعه بدأت تظهر الآثار الحقيقية للموضوع.
كان أول شيء صدم به المواطن المغربي هو استغلال المحلات التجارية الكبرى لهذا القانون لصالحهم، حيث تم استبدال الأكياس البلاستيكية بأخرى مصنوعة من الثوب والتي يجب أن “يشتريها” الزبون بأثمنة مرتفعة، علما أن هذه الأكياس صغيرة ولا تكفي لجمع المنتجات المشتراة، بمعنى أن الزبون مجبور على أن يقتني الكثير منها لكي تكفيه، وهو الأمر الذي أثار غضب المغاربة والشباب منهم بشكل خاص الذين طالبوا هذه المحلات بالاختيار بين حذف شعاراتها من على هذه الأكياس أو توفيرها بالمجان، فالمغاربة لن يتكلفوا بالدعاية لهذه المحلات بل وتأدية ثمن ذلك أيضا.
من جهة أخرى خلق نفس الموضوع موجة من السخرية والدهشة بين صفوف المغاربة بعد أن ظهرت للعلن تلك الغرامات التي فرضتها الحكومة المغربية ضد مخالفي هذا القانون والتي تصل إلى مليون درهم (أي أكثر من من 100 ألف دولار ) لمن يصنع هذه الأكياس، 500 ألف درهم (أكثر من 50 ألف دولار) لمن يحوزها و100 ألف درهم(أكثر من 10 آلاف دولار) لمن يستعملها، والتي اعتبرها البعض مبالغا فيها بشكل صارخ إذا علمنا أن جرائم خطيرة كحيازة المخدرات -مثلا – لا تصل فيها الغرامات لهذه المبالغ الطائلة.
وبصراحة لم تطل هذه الدهشة كثيرا حتى ظهر الخبر الصادم والمثير للدهشة والسخرية بشكل حقيقي: إنه خبر استيراد المغرب ل2500 طن من النفايات الإيطالية!
تم الترخيص لاستيراد هذه النفايات من طرف وزارة البيئة والتي دافعت باستماتة عن قرارها قائلة بأن هذه النفايات قد تم استقبالها بهدف إعادة تدويرها واستعمالها لإنتاج الطاقة الأحفورية التي تحتاجها معامل الإسمنت، دون اهتمام بالغازات السامة التي ستطلقها هذه النفايات وتداعياتها على صحة المغاربة، ودون طرح الموضوع على البرلمان المغربي وممثلي الشعب ليقولوا كلمتهم، وهو الأمر الذي أجج غضب المغاربة الذين تم اللعب بأعصابهم بشكل مبالغ فيه في الأيام الأخيرة، والذي أصبح يعرف بقضية “نفايات إيطاليا” التي وصلت إلى حد مطالبة وزيرة البيئة بالاستقالة من منصبها بعد أن سمحت – حسب رأيهم – بتحويل المغرب إلى مكب للنفايات الأجنبية.