سيرة فاطمة الزّهراء (ع)
نسبها عليها السّلام
فاطمة بنت النّبيّ مُحمّد صلّى الله عليه وآله ابن عبد الله بن عبد المطلب, وأمّها خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها
تاريخ ومحل ولادتها عليها السّلام
وُلِدَت فاطمة الزّهراء عليها السّلام في العشرين من جَمادي الآخرة، من سنة خمس من البعثة النّبوية المباركة على المشهور بين أصحابنا في مكة المكرمة. والنبي صلّى الله عليه وآله له من العمر خمسة وأربعين عاماً، فأقامَتْ عليها السّلام بمكة ثمان سِنين، وبالمدينة عشر سنين بحار الأنوار 43 / 9 ح 16.
لما حملت خديجة عليها السّلام بفاطمة الزّهراء عليها السّلام، كانت فاطمة عليها السّلام تحدِّثُها من بطنها وتصبِّرها، وكانَتْ تَكتم ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وآله.
فدخل رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً، فسمع خَديجَة تحدِّث فاطمة عليها السّلام، فقال صلّى الله عليه وآله لها: يَا خَدِيجَة، مَنْ تُحدِّثِينَ؟.
قالت: الجنين الذي في بطني يُحدِّثني ويُؤنِسني.
فقال صلّى الله عليه وآله: يا خديجة، هذا جبرائيل يخبرني أنَّها أنثى، وأنَّها النَسلَة الطَّاهِرَة المَيْمُونَة، وَأنَّ اللهَ سَيَجْعل نَسْلِي مِنْهَا، وسَيَجْعَل مِنْ نَسْلِهَا أئِمَّة، ويَجْعَلهُم خُلَفَاء فِي أرْضِهِ بَعْدَ انقِضَاءِ وَحْيِه.
فلم تزل خديجة عليها السّلام على ذلك إلى أن حَضَرَت ولادتها، فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم أنْ: تعالين لتلينَّ منِّي مَا تَلي النسَاءُ من النسَاءِ.
فأرسلْنَ إليها: أنتِ عَصيتِنَا، ولم تقبَلِي قولَنا، وتزوَّجتِ مُحمّداً يتيم أبي طالب، فقيراً لا مال له، فلسْنَا نجيء ولا نَلِي من أمرك شيئاً.
فاغتمَّت خديجة عليها السّلام لذلك، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوَة سُمْر طِوال، كأنَّهُنَّ مِن نساءِ بني هاشم، ففزعت مِنهنَّ لمَّا رأتْهُنَّ.
فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة، فإنَّا رُسُل ربِّك إليك، ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم، وهي رفيقتُكِ في الجنة، وهذِهِ مريم بنت عمران، وهذه كلثم أخت موسى بن عمران، بَعَثَنا اللهُ إليك لِنَلي منك ما تلي النساءُ من النساء.
فجلسَتْ واحدة عن يمينها، وأخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعَتْ فاطمةَ الزّهراء عليها السّلام طاهِرَة مُطهَّرة.
فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النُور، حتى دخلَ بيوتات مَكَّة، فلم يبْقَ في شرق الأرض ولا غَربها موضعٌ إلاَّ أشرق منه ذلك النور.
ودَخلْنَ عشر من الحُورِ العين، كلُّ واحدة منهن معها طَست وإبريق من الجنة، وفي الإبريق ماء من الكوثر.
فتناولَتْها المرأة التي كانت بين يديها، فغسَّلتها بماء الكوثر، وأخرجت خِرقَتَين بيضائين أشدَّ بياضاً من اللَّبن، وأطيب ريحاً من المسك والعنبر، فلفَّتْها بواحدة وقنَّعَتْها بالثانية.
ثم استنطقتها، فنطقت فاطمة عليها السّلام بالشهادتين، وقالت: أشْهَدُ أنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ، وَأنَّ أبِي رَسُولَ اللهِ سَيِّدَ الأنْبِيَاءِ، وأنَّ بَعْلِي سَيِّدَ الأوصِيَاءِ، وَولْدِي سَادَة الأسْبَاطِ.
ثم قالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهَّرة، زكيَّة ميمونة، بورِكَ فيها وفي نَسْلِها، فتناولَتْها فرحة مستبشرة، وألقمَتْها ثَدْيها فدرَّ عليها.
وكانت فاطمة الزّهراء عليها السّلام تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر، وتنمو في الشهر كما ينمو الصبي في السّنة بحار الأنوار 43 / 2 ح 1.
أسماء فاطمة الزّهراء عليها السّلام وكناها
الزّهراء، البَتُول، الصّديقة، المُبَارَكَة، الطاهِرَة، الزكِيَّة، الراضِيَة، المَرْضِيَّة، المُحَدَّثَة، وغيرها.
تعتبر الأسماء عند أولياء الله ذات أهمّية كبرى، لأنّها تعبّر عن حقيقة الشيء، وإنّ أوّل من سمّى هو الله سبحانه وتعالى، فقد سمّى المسيح عيسى عليه السّلام بقوله: إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وسمّى يحيى عليه السّلام بقوله: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً.
وإنّ أئمّة أهل البيت عليهم السّلام كانوا يهتمّون كثيراًً بالأسماء، وبالخصوص باسم فاطمة، ويحبّون بيت فيه اسم فاطمة، ويحبّون البيوت التي تذكر فيها أُمّهم فاطمة عليها السّلام، فليس إعجاب أو استحسان أنّها سمّيت بفاطمة بل لأسباب ومناسبات، وليست هذه التسمية ارتجالية، بل لأنّها مصداق للحقيقة، بل ومناسبة الاسم مع المسمّى، وصدق على المسمَّى، وبهذا يتّضح ما نقول:
قال الإمام الصادق عليه السّلام: لفاطمة تسعة أسماء عند الله عزّ وجلّ: فاطمة، والصدِّيقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية، والمرضية، والمحدَّثة، والزهراء.
1ـ فاطمة
معناها: القاطعة والفاصلة والحارسة، فهي عليها السّلام تشفع لمحبّيها وتفطمهم، أي تحرسهم من النار، أي تفطم من أحبّها من النار.
1ـ قال الإمام عليّ عليه السّلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّما سُمِّيت ابنتي فاطمة لأنَّ الله عزّ وجلّ فطمها وفطم من أحبَّها من النار.
2ـ قال الإمام الحسين عليه السّلام: لفاطمة تسعة أسماء عند الله عزّ وجلّ: فاطمة ، والصدّيقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية، والمرضية، والمحدّثة، والزهراء.
ثمّ قال: أتدرون أيّ شيء تفسير فاطمة؟ أي فطمت عن الشرّ.
3ـ قال الإمامان الرضا والجواد عليهما السّلام: سمعنا المأمون يحدّث عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جدِّه قال ابن عباس لمعاوية: أتدري لِمَ سُمِّيت فاطمة؟ قال: لا، قال: لأنّها فطمت هي وشيعتها من النار، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقوله.
2ـ الصّديقة
معناها: المبالغة في التصديق أي الكثيرة الصدق، ولأنّها لم تكذب قط، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال لعلي عليه السّلام: أُتيتَ ثلاثاً لم يؤتَهن أحد ولا أنا:
أُتيتَ صهراً مثلي، ولم أُوت أنا مثلي، وأُتيتَ زوجة صدِّيقة مثل ابنتي، ولم أُوت أنا مثلها زوجة، وأُوتيتَ الحسن والحسين من صلبك، ولم أُوتَ من صلبي مثلهما، ولكنكم منّي وأنا منكم.
قال أبو الحسن عليه السّلام: إنّ فاطمة صدّيقة شهيدة.
قال الإمام الصادق عليه السّلام: وهي الصّديقة الكُبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأُولى.
3ـ المباركة
البركة: النماء والسعادة والزيادة، ولقد بارك الله في السيّدة فاطمة عليها السّلام أنواعاً من البركات، وجعل الخير الكثير في ذرّية رسول الله صلّى الله عليه وآله من نسلها، لظهور بركتها في الدنيا والآخرة.
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا فاطمة، ما بعث الله نبياً إلاّ جعل له ذرّية من صلبه، وجعل ذرّيتي من صلب علي.
وفي تفسير قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ قيل: الكوثر هو كثرة النسل والذرّية، وقد ظهرت الكثرة في نسله صلّى الله عليه وآله من وُلد فاطمة حتّى لا يحصى عددهم، واتصل إلى يوم القيامة مددهم.
4ـ الطاهرة
لقد طهرّها الله تعالى عن العادة الشهرية، وعن كلّ دنس ورجس، وعن كلّ رذيلة.
1ـ قال الإمام الصادق عليه السّلام: إنّما سمّيت فاطمة بنت مُحمّد الطاهرة لطهارتها من كلّ دنس، وطهارتها من كلّ رفث، وما رأت قط يوماً حمرة ولا نفاساً.
2ـ قال الإمام الصادق عليه السّلام: إنّ الله حرّم النساء على علي ما دامت فاطمة حية لأنّها طاهرة لا تحيض.
3ـ قال الإمام الباقر عليه السّلام: سمّيت فاطمة طاهرة لأنّها كانت مبرّاة من كلّ رجس، ولم يُرَ لها دم حيض ولا نفاس
5ـ الزكية
معناها: الأرض الطيّبة الخصبة، المطهّرة الطاهرة، فالزهراء عليها السّلام أزكى أنثى عرفتها البشرية.
6ـ الراضية:
معناها: الراضية بما قسم الله لها، فكانت الزّهراء عليها السّلام راضية بما قدّر الله لها من مرارة الدنيا ومشقّاتها ومصائبها ونوائبها، وفيما أعطاها من القرب والمنزلة والطهارة، وغير ذلك من المراتب العالية في الدنيا والآخرة.
7ـ المرضية
إنّ للمرضيين عند الله تعالى درجة عالية، فكانت الزّهراء عليها السّلام مرضية عند الله في جميع أعمالها وأفعالها وما صدر منها خلال مسيرة حياتها، فقد رضى الله عنها ورضت عنه سبحانه، فهي مرضية بما وعد الله تبارك وتعالى عباده بالرضوان الأكبر.
8ـ المُحدّثة
معناها: التي يطلعها أحد على الوقائع والحقائق من وراء حجاب، أو التي تستلهم الأخبار من قبل الله تعالى، عن طريق الوحي وهو الملك.
ويستفاد من أحاديث عديدة أنّ الملائكة كانت تنزل على فاطمة عليها السّلام من قبل الله، وتطلعها على ما يحدث وما سيحدث في المستقبل، إنّ الوحي الذي خصّ بالرسالة والأحكام ونزول الآيات القرآنية قد انقطع مع وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله لأنّه خاتم الأنبياء، ولا يأتي رسول بعده، وهذه عقيدتنا كما إنّ الدين كامل والنعمة تامّة بولاية أهل البيت عليهم السّلام، ولكنّ الوحي لم ينقطع بالإيحاء للأولياء وإخبار عن المستقبل، فإنّ الله سبحانه يوحي عن طريق ملائكته لمن يشاء ومتى يشاء، لأنّ الوحي لا يقتصر على الأنبياء، فالله أوحى إلى أُمّ موسى وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ.
وأوحى الله إلى النحل والى السماء، إذ ليست سيّدة نساء العالمين وبنت سيّدة الأنبياء والمرسلين بأقلِّ شأناً من مريم بنت عمران، أو سارة زوجة إبراهيم، أو أُمّ موسى، وليس معنى ذلك أنّ مريم أو سارة أو أُمّ موسى كنَّ من الأنبياء، وكذلك ليس معنى ذلك أنّ السيّدة فاطمة الزّهراء عليها السّلام كانت نبية.
1ـ قال الإمام الحسين عليه السّلام: إنّما سمّيت فاطمة محدّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدّثهم ويحدّثوها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، وأنّ الله جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها، وسيّدة نساء الأوّلين والآخرين.
2ـ قال الإمام الصادق عليه السّلام: إنّما سمّيت فاطمة محدّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء، فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران.
وإنّ الأئمّة عليهم السّلام كانوا جميعهم محدّثين في زمانهم، أي أنّهم كانوا يستلمون الأخبار الجديدة من قبل الله تعالى.
قال سليم بن قيس: سمعت علياً عليه السّلام يقول: إنّي وأوصيائي من ولدي مهديّون كلّنا محدَّثون.
9ـ الزّهراء
معنى الزهر: النيّر، الصافي اللون، المشرق الوجه، وكذلك فاطمة الزّهراء عليها السّلام، لأنّ نورها زهر وأشرق لأهل السماء.
1ـ عن أبي هاشم العسكري قال: سألت العسكري عليه السّلام: لم سمّيت فاطمة الزّهراء عليها السّلام؟
فقال: كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين عليه السّلام من أوّل النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّي.
2ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وهي بضعة منّي وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربّها جلّ جلاله زهر نورها لملائكة السماوات، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض.
10ـ العذراء
معناها: البكر، أي أنّها عليها السّلام كانت عذراء دائماً.
فقد سأل رجل من الإمام الصادق عليه السّلام في ضمن مسائل قال: فكيف تكون الحوراء في كلّ ما أتاها زوجها عذراء؟ قال: لأنّها خلقت من الطيب، لا يعتريها عاهة ولا تخالط جسمها آفة، ولا يدنّسها حيض، فالرحم ملتزقة.
11ـ الحانية
معناها: الحنان، وذلك بسبب كثرة حنانها على أبيها رسول الله صلّى الله عليه وآله، وبعلها، وعلى أولادها، ومحبّيها والأيتام والمساكين.
12ـ البتول
معناها: لأنّها تبتلت عن دماء النساء، وهي المنقطعة عن الدنيا إلى الله تعالى، وكذلك لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وديناً وحسباً.
1ـ عن الإمام عليّ عليه السّلام قال: سألت النّبيّ: ما البتول؟ فإنّا سمعناك يا رسول الله تقول: إنّ مريم بتول وفاطمة بتول ! فقال: البتول التي لم تَرَ حمرة قط، أي لم تحض، فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء.
2ـ عن عائشة أنّها قالت: إذا أقبلت فاطمة كانت مشيّتها مشية رسول الله، وكانت لا تحيض قط، لأنّها خُلقت من تفّاحة الجنّة، ولقد وضعت الحسن بعد العصر، وطهرت من نفاسها، فاغتسلت وصلّت المغرب .
13ـ الكوثر
معناها: الشيء الكثير، إنّ الله تعالى سمّاها في كتابه العزيز بالكوثر، وجعل أعدائها المقطوعين من النسل والبركة إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ.
14ـ الحوراء
معناها: مفرد حور المخلوقة للجنّة، لكن الزّهراء هي الحوراء الإنسية، لأنّ نطفتها تكوّنت من ثمار الجنّة.
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ابنتي فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث، وإنّما سمّاها فاطمة لأنّ الله فطمها ومحبّيها عن النار.
15ـ سيّدة نساء العالمين
عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: أخبرني عن قول رسول الله صلّى الله عليه وآله في فاطمة: إنّها سيّدة نساء العالمين أهي سيّدة نساء عالمها؟
فقال: ذاك لمريم، كانت سيّدة نساء عالمها، وفاطمة سيّدة نساء العالمين، من الأوّلين والآخرين.
كُنيتها عليها السّلام
أُمُّ أَبيها، أمُّ الحسنين، أمُّ الأئِمة، أُمّ المحسن أُمّ الحسن أُمّ الحسين وغيرها.
أُمّ الأئمّة: فهي أُمّ الأئمّة الأحد عشر عليهم السّلام.
أُمّ أبيها: فكانت تحمل هموم أبيها رسول الله صلّى الله عليه وآله دائماً، كما تحمل الأُمّ هموم ولدها، وكذلك كانت فاطمة أحبّ الخلق إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله كما تكون الأُمّ أحبّ الخلق إلى الابن، فهي أُمّ أبيها كما عن الإمام الباقر عليه السّلام قال: كانت فاطمة تكنّى أمّ أبيها
زوجُها عليها السّلام
إمام الموحدين و قائد الغر المحجلين علي بن أبي طالب عليه السّلام.
كيفية زواج فاطمة الزّهراء من أمير المؤمنين عليهما السّلام
قال الرسول الأكرم مُحمّد صلّى الله عليه وآله لابنته فاطمة عليها السّلام: يَا بُنَيَّة، مَن صلّى عَليكِ غَفرَ اللهُ لَهُ، وَأَلحَقَه بِي حَيثُ كُنتُ مِنَ الجَنَّة.
وقال صلّى الله عليه وآله أيضاً: فَاطِمة بضعَةٌ مِنِّي، يُؤذيني مَا آذَاهَا وَيُريِبُني مَا رَابَهَا إلى غير ذلك من الأحاديث.
فإذا كانت فاطمة الزّهراء عليها السّلام تحتل هذه الدرجة من المقام الرفيع عند الله، فمن لا يحب شرف الاقتران بها، وإعلان رغبته في التزوج بها من أكابر قريش.
فإنه قد تقدم لخطبتها من أبيها صلّى الله عليه وآله أبو بكر، وعُمَر، وآخرون، وكل يخطبها لنفسه، إلا أن الرسول صلّى الله عليه وآله يعتذر عن الاستجابة لطلبهم، ويقول صلّى الله عليه وآله: لَم يَنزِل القَضَاءُ بَعْد.
وقد روى السيد الأمين في المجالس السَنيَّة ما مُلَخَّصُهُ: جاء علي عليه السّلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو في منزل أم سَلَمة، فَسلَّم عليه وجلس بين يديه، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وآله: أتيت لحاجة؟
فقال عليه السّلام: نعم، أتيتُ خاطباً ابنتكَ فاطمة عليها السّلام، فَهل أنتَ مُزَوِّجُنِي؟
قالت أم سلمة: فرأيت وجه النّبيّ صلّى الله عليه وآله يَتَهَلَّلُ فرحاً وسروراً، ثم ابتسم في وجه علي عليه السّلام ودخل على فاطمة عليها السّلام، وقال لها: إن علياً قد ذكر عن أمرك شيئاً، وإني سألت رَبِّي أن يزوجكِ خير خلقه فما ترين؟ فَسَكَتَتْ عليها السّلام.
فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يقول: اللهُ أَكبر، سُكوتُها إِقرَارُها.
فعندها أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله أَنَس بن مالك أن يجمع الصحابة، لِيُعلِن عليهم نبأ تزويج فاطمة لعلي عليهما السّلام.
فلما اجتمعوا قال صلّى الله عليه وآله لهم: إن الله تعالى أمرني أن أُزَوِّج فاطمة بنت خديجة، من علي بن أبي طالب.
ثم أبلغ النّبيّ صلّى الله عليه وآله علياً بأن الله أمره أن يزوجه فاطمة على أربعمئة مثقال فضة، وكان ذلك في اليوم الأول من شهر ذي الحجة من السّنة الثانية للهجرة.
إن هذا الموقف النبوي المرتبط بالمشيئة الإلهية يَستَثِير أَمَامنا سؤالاً مهماُ، وهو: لماذا لم يُرَخَّصُ لفاطمة عليها السّلام بتزويج نفسها؟
ولماذا لم يُرَخَّص للرسول صلّى الله عليه وآله وهو أبوها ونَبِيُّها بتزويجها – والنبي صلّى الله عليه وآله أولى بالمؤمنين من أنفسهم – إلا بعد أن نزل القضاء بذلك؟
وجوابه: أنه لا بُدَّ من وجود سِرٍّ وحكمة إلهية ترتبط بهذا الزواج، وتتوقف على هذه العلاقة الإنسانية، أي علاقة فاطمة عليها السّلام بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله بابن عمّه وأخيه علي بن أبي طالب عليه السّلام الذي كان كما يُسمِّيه رسول الله صلّى الله عليه وآله بـ نَفْسِه.
وهو الذي تربَّى في بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وعاش معه، وشَبَّ في ظلال الوحي، وَنَمَا في مدرسة النبوة.
وهكذا شاء الله أن تمتد ذرية رسول الله صلّى الله عليه وآله عن طريق علي وفاطمة عليهما السّلام، ويكون منهما الحسن والحسين عليهما السّلام سيدا شباب أهل الجنة أئمةً وهُدَاة لِهَذه الأمّة.
ولهذا كان زواج فاطمة عليها السّلام أمراً إلهياً لم يسبق رسول الله صلّى الله عليه وآله إليه، ولم يتصرَّف حتى نزل القضاء – كما صرح هو نفسه صلّى الله عليه وآله بذلك –
أولادها عليها السّلام
الامامين الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنه عليهما السلام والسقط المحسن عليه السّلام وأم المصائب زينب الكُبرى وزينب الصغرى عليهما السلام
عبادة فاطمة الزّهراء عليها السّلام وزهدها
روى الإمام الصادق عليه السّلام بسنده إلى الإمام الحسن عليه السّلام، أنه قال: رأيت أمّي فاطمة عليها السّلام قامت في محرابها ليلةَ جمعةٍ، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسَمِّيهم، وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعوا لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أُمَّاه، لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟.
فقالت عليها السّلام: يا بُنَي، الجار ثم الدار.
وعن الحسن البصري: ما كان في هذه الأمّة أعبد من فاطمة عليها السّلام، كانت تقوم حتى تورَّم قدماها.
أما زهدها، فإن الأبرار الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه، فهم الذين قد عرفوا الدنيا وما فيها من نعيم زائل، فأعرضوا عنها بقلوبهم، والتمسوا رضوان الله تعالى في مأكلهم، ومَلبَسِهِم، وأسلوب حياتهم.
فامرأة مثل الزهراءعليها السلام وجلالة قدرها، وعِظَم منزلتها، كانت شَمِلَتها التي تلتف بها خَلِقه، قد خيطت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل.
فنظر إليها سلمان يوماً فبكى، وقال: واحُزناه، إن بنات قيصر وكسرى لفي السندس والحرير، وابنة مُحمّد صلّى الله عليه وآله عليها شملة صوف خلقه، قد خيطت في اثني عشر مكاناً.
وجاء في تفسير الثعلبي عن الإمام الصادق عليه السّلام، وتفسير القشيري، عن جابر الأنصاري قال: رأى النّبيّ صلّى الله عليه وآله فاطمة، وعليها كساء من أَجِلَّة الإبل، وهي تطحن بيديها، وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال: يا بِنتَاه، تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة؟.
فقالت عليها السّلام: يا رسول الله، الحمد لله على نعمائه، والشكر لله على آلائه.
فأنزل الله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعطِيكَ رَبُّكَ فَتَرضَى الضحى: 5.
وقال ابن شاهين في مناقب فاطمة عليها السّلام، وأحمد في مسند الأنصار عن أبي هُرَيرَة وثوبان، أنهما قالا: كان النّبيّ صلّى الله عليه وآله يبدأ في سَفَره بفاطمة عليها السّلام، ويختم بها، فَجَعَلَت عليها السّلام وقتاً ـ أي: مَرَّة ـ ستراً من كساء خَيبَرِيَّة، لِقدوم أبيها صلّى الله عليه وآله، وزوجها عليه السّلام.
فلما رآه النّبيّ صلّى الله عليه وآله تجاوز عنها، وقد عُرِف الغضب في وجهه حتى جلس على المنبر.
فنزعت عليها السّلام قلادتها وقرْطَيْهَا ومسكَتَيْهَا، ونزعت الستر، فبعثت به إلى أبيها صلّى الله عليه وآله، وقالت: اِجعل هذا في سبيل الله.
فلمّا أتاه، قال صلّى الله عليه وآله: قد فَعَلَت فِداها أَبُوها - ثلاث مرات - ما لآل مُحمّد وللدنيا، فإنهم خُلِقوا للآخرة، وخلقت الدنيا لهم.
وفي رواية أحمد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: فإنَّ هؤلاء أهلُ بيتي، ولا أحب أن يأكلوا طَيِّبَاتِهم في حياتهم الدنيا.
وَلَعلَّ في قصة العقد المبارك – الذي قَدَّمَتْهُ الزّهراء عليها السّلام إلى الفقير الذي جاء إلى أبيها صلّى الله عليه وآله، فأرشده النّبيّ إلى دار فاطمة عليها السّلام – خَيرُ شَاهدٍ على زهدها عليها السّلام، فإن في ذلك أروع الأمثلة في الإحسان، والإيثار والمواساة.