حسنين السراج
أعلم جيدا ان العنوان سيستفز نسبة كبيرة من العلمانيين و نسبة كبيرة من الشيعة . العلماني سيقول من الظلم مقارنة أتاتورك الذي ثار على واقع التخلف والظلم وحول تركيا الى دولة مدنية حديثة تنافس الدول الأوربية بالخميني الذي اعاد أيران الى عصور التخلف . وسيقول الشيعي من الظلم مقارنة الامام الخميني الذي وقف ضد الغرب و حول ايران الى دولة اسلامية مؤمنة مطيعة لله ورسوله وترفع راية الايمان بأتاتورك الذي حارب الدين ونشر الفساد والرذيلة في تركيا .
نتحدث عن رجلين لهما دور كبير في رسم تاريخ المنطقة وقام كل منهما بثورة أسقطت نظام وراثي عمره مئات السنين . تقاسما القرن العشرين فيما بينهما احدهما اخذ ربعه الأول والاخر اخذ ربعه الأخير . قام اتاتورك باسقاط امير المؤمنين في الربع الاول . واعاد جاره الخميني اعادة أحياء أمير المؤمنين في الربع الاخير . أتاتورك أسقط الخليفة والخميني نصب نفسه خليفة . جارين لدودين لا يربطهما زمن مشترك لكن يربطهما قرن مشترك كان لكلاهما اثر كبير في رسم صورته . كلا منهما يمتلك طرف من أطرافه ويحاول شده أليه .
كلاهما تصور أنه يملك افكار جميلة ومثالية تجعل المجتمع أكثر سعادة وأكثر تطور. كلاهما أعتقدا ان اكراه المجتمع على شيء يشبه أعطاء الطفل دواء السعال فالطفل لا يحب شرب الدواء ويشعره بالانزعاج لكن الابوين يجبروه على تناوله لمصلحته . هكذا كانا يفكران . كلاهما أهتما بالشكليات واعطوها اولوية كبيرة . منع الحجاب نسبيا في تركيا يقابله فرض الحجاب كليا في أيران . منع لبس الطربوش في تركيا يقابله منع لبس ربطة العنق في أيران . قتل بائعات الجسد في أيران باسم تطبيق الشريعة و قمع من تظاهروا ضد منع الطربوش وقتل عدد منهم باسم العلمانية .
كلا منهما حصل على تعاطف شعبي وتأييد من شريحة كبيرة من الشعب وكلا منهما أستغل هذا التعاطف ورسخ من خلاله نظام حكمه . الخميني أبن المؤسسة الدينية يقابله أتاتورك أبن المؤسسة العسكرية . كلا منهما كان متحمسا جدا ومستعجلا في تطبيق أفكاره على ارض الواقع وحاول جهد الامكان أختصار الزمن في تحويل شكل المجتمع الى ما يحلم به في مخيلته دون أنتظار حدوث تحول أجتماعي طبيعي .
تحولت أيران الى نظام اسلامي من خلال أستفتاء شعبي لكن هل من حق جيل أن يحدد نظام الحكم لاجيال أخرى ؟ وهل بقي من وافق على نظام الحكم الأسلامي على رايه لحد الان ؟ في الجانب الاخر لم يقم أتاتورك باي خطوات ديمقراطية وكان يتخذ قراراته بشكل فردي دون الرجوع الى الشعب .
أراد أتاتورك رؤية الاتراك يلبسون القبعة الاوربية بدلا من الطربوش وقام بخطوات تمهيدية لذلك حيث قام هو اولا بارتداء القبعة ثم حرسه الشخصي ثم الجيش التركي ثم تم منع الطربوش بشكل رسمي في عموم تركيا . وأراد الخميني رؤية النساء الايرانيات يلبسن الحجاب وهذا ما حصل بعد أن أصبح نظام الحكم أسلامي حسب نتيجة الاستفتاء الشعبي . كلاهما يعتقدان أنهما يملكان نظام حكم سحري ومثالي من الممكن أن يستمر مدى الحياة . أتاتورك أبن المؤسسة العسكرية والخميني أبن المؤسسة الدينية . أتاتورك علماني شمولي والخميني أسلامي شمولي . أخوين غير شقيقين من أب واحد وهو الشمولية لكن كل منهما خرج من رحم مختف عن الاخر فهذا من رحم العلمانية وذاك من رحم الاسلام . كلاهما لم يقتربا من الديمقراطية وتجنباها قدر الامكان وكلاهما قاما بالغاء الاخر وقمعه باسم حماية النظام المثالي .
كلاهما أهتما جدا بشكل المجتمع وأهتما جدا بعرض (new look ) المجتمع أمام العالم ولغايات مختلفة . فاتاتورك كان يحاول جاهدا تغيير الهوية الشرقية الاسلامية للمجتمع الى هوية اوربية علمانية والخميني كان يعاني من عقدة أسمها الغرب ويحاول جاهدا أثبات أن ايران الاسلامية متمسكة بالأسلام بحذافيره ولا تتأثر بالغرب . قاما برسم صورة المجتمع كما يحلمون بها . لكن لا خلع الطربوش يجعل الانسان علماني ولا خلع ربطة العنق يجعل الانسان أسلامي كل هذه الامور تندرج ضمن الحريات الشخصية وليس لها علاقة لا بالعلمانية ولا بالأسلام . حين يحشر قائد الثورة أنفه في ادق تفاصيل الحياة فهو خلع ثوب الثائر وأرتدى ثوب الدكتاتور .
من حق الطالبة الجامعية في تركيا لبس الحجاب أثناء الدوام وهذا حق شخصي يندرج ضمن الحرية الشخصية ومن حق طالبة الكلية في ايران أن تخلع الحجاب وهذا أيضا حق شخصي ويندرج ضمن الحرية الشخصية . النظام الديمقراطي الحقيقي يضمن للانسان حقه الشخصي في تحديد خياراته الشخصية . من الديمقراطية أستفتاء الشعب التركي والشعب الأيراني بخصوص الحجاب وفي حال كانت النتيجة 100% تؤيد فرض الحجاب في أيران فلا أعتقد أن هناك داعي لفرضه قانونا كونه رغبة أجتماعية . وأذا كانت النتيجة في تركيا حول منع الحجاب في المؤسسات الحكومية 100% فهذا يعني أنه حالة يريدها المجتمع ويطبقها ذاتيا ولا تحتاج قانون . لكن من المستحيل تحقق نسبة 100 % في أي أستفتاء من هذا النوع لذلك تبقى الحرية الشخصية هي أجمل مفاصل الأنظمة العلمانية الديمقراطية . اما علمانية أتاتورك فهي علمانية أستخدم في تطبيقها سيف الخليفة الذي اسقطه .
تركيا الان دولة علمانية ديمقراطية متمدنة لها ثقل كبير في اوربا والشرق الاوسط لكن ديمقراطيتها منقوصة طالما ان هناك من تسلب ارادته في أرتداء ما يرغب باسم العلمانية وهذا أستغلال للعلمانية يشبه أستغلال الأسلاميين للدين وفيه سلب لأرادة الانسان .
المصادر:
1-كتاب الذئب الاغبر - ارمسترونج
2-موسوعة المعرفة - الثورة الاسلامية في ايران