وسط ضغوط كبيرة لبدء عملية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، تواصل الرئيسة الجديدة للحكومة البريطانية تيريزا ماي مهماتها لتشكيل حكومتها.
وقد عَينت ماي بوريس جونسون وزيراً للخارجية؛ وهو الذي يقول المراقبون إنه يتبع أسلوباً مشابهاً لأسلوب المرشح الرئاسي الأمريكي دونالد ترامب، من حيث الاتجاه نحو الهاجس المحلي والهوية الوطنية، أكثر من التوجه نحو الخارج.
وإن لمعركة التحدي التي ستقودها ماي، وما أعلنته من خطة عمل لتحقيق "العدالة الاجتماعية"، وإعطاء المملكة المتحدة "دوراً جديداً جريئاً وإيجابياً" خارج منظومة الاتحاد الأوروبي، عدة دلالات وأبعاد، أهمها:
أولاً: احتمالات تباطؤ الاقتصاد البريطاني
ستسعى ماي لتضميد جراح حزب المحافظين من جديد، وإعادة لملمة أوراقه من أجل استعادة ثقة المستثمرين في الاقتصاد البريطاني.
ثانياً: منع اسكتلندا من الانفصال عن المملكة المتحدة
ستسعى ماي لمنع الاسكتلنديين من الاستقلال عن المملكة المتحدة. إذ إن اسكتلندا طالبت بالاستقلال من قبل واليوم تطالب به، لأنها تؤيد البقاء ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي؛ ما قد يفتح الباب على مصراعيه أمام ويلز وإيرلندا بالمطالبة بالمثل.
ثالثاً: العمل على زيادة التجارة الخارجية
ستعمل ماي على زيادة حجم التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول الأخرى، وعقد تحالفات تجارية ودبلوماسية جديدة، وخصوصاً مع دول الخليج العربي.
رابعاً: لندن وواشنطن
ستعمل ماي على إعادة الخصوصية إلى العلاقات مع واشنطن، والتي شهدت فتوراً في الفترة الأخيرة بسبب بعض الملفات العالمية، مثل: ملفات سوريا والعراق وليبيا وأوكرانيا واليمن. فمثلاً: شاب الفتور العلاقة بين رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون والرئيس الأمريكي باراك أوباما. ولكن العلاقة بين الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت ثاتشر، التي كانت مقربة جداً من البيت الأبيض، كانت قوية. إذ، كان يجري التباحث بينهما في كيفية الخروج من الحرب الباردة بين الكتلتين. ولاحقاً، كانت العلاقة بين سلفها توني بلير والرئيس الأمريكي بيل كلينتون قوية أيضا فيما يتعلق بالملفين الإيرلنيدي والبوسني. وفيما بعد، كانت العلاقة قوية بين بلير نفسه والرئيس الأمريكي جورج بوش-الابن إبان غزو العراق بحجة أسلحة الدمار الشامل العراقية.
وما قام به كاميرون في فترة رئاسته للحكومة البريطانية هو أنه حاول الابتعاد عن القطب الأمريكي بالانضمام إلى البنك الآسيوي للاستثمار لإنعاش اقتصاد بلاده المتهاوي، ولحقه بعد ذلك الأوروبيون ثم الأمريكيون. لكن هذه الخطوة من جانب كاميرون لم تعجب الأمريكيين، حيث لم تتم مشاورتهم؛ ما أحدث زلزالاً سياسياً واقتصادياً بين البلدين قد يؤثر بشكل كبير على النظام الاقتصادي، الذي ورثته بريطانيا عن "بريتون وودز"، حيث بدأت بريطانيا بتقديم تنازلات إلى الصين من أجل جذب استثمارات صينية إلى المملكة المتحدة.
وستقوم ماي بتغيير سياستها تجاه واشنطن بناء على توصيات من وزير خارجيتها الجديد، الذي كان وراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. إذ إن المملكة المتحدة ما عادت خلال ترؤس كاميرون لرئاسة الحكومة حليفاً رئيسا للولايات المتحدة، وخاصة بعد أن ترك الملف السوري بصمات على العلاقة الأنجلو-أمريكية؛ حين فشل كاميرون في إقناع مجلس العموم بالمشاركة في العمل العسكري ضد الرئيس السوري بشار الأسد؛ ما دعا أوباما إلى عدم التورط في تلك الحرب في عام 2013.
وفي الفترة الماضية، تغيرت سياسة الولايات المتحدة نحو الاتحاد الأوروبي، واعتمدت على المملكة المتحدة كبوابة لتمرير ما تريده واشنطن من تلك المنظومة. لكن، مع اعتلاء كاميرون سدة الحكم في بريطانيا، تغير ذلك النهج مع إلحاح بالخروج من الاتحاد، خاصة مع تفاقم أزمة اليورو وأزمة الهوية الأوروبية والإرهاب العابر للحدود. وهنا كان لا بد من حكومة جديدة متشددة في المملكة المتحدة تسعى نحو الهوية الوطنية والمزيد من التشديد الأمني بالتعاون مع واشنطن وعدد من الحلفاء في أوروبا ضد ما تسميه "الخطر الروسي". ولعل من الصحيح ما قاله اللورد دوغلاس هيرد، وزير الخارجية البريطاني قبل عدة سنوات، من أن بريطانيا لم تعد قوة استعمارية في الزمن الحديث، بل باتت جسراً بين الولايات المتحدة وأوروبا وناقل رسائل بينهما.
شهاب المكاحلة - واشنطن
المصدر
https://arabic.rt.com/news/832539-%D...A%D8%AF%D8%A9/