لا فرق بين المذهبين الجعفري و الشيعي إلا من حيث التسمية الإعتبارية ، و ذلك لأن المذهب الجعفري هو نفس المذهب الشيعي حيث يجد الباحث من خلال قراءة المصادر الإسلامية ككتب التاريخ الإسلامي و التفسير و الحديث أن ولادة مُصطلح " الشيعة " يرجع إلى عهد الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) فهو الذي استخدم هذا المصطلح لأول مرة في أتباع علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، و كانت النخبة المتميزة من صحابة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أمثال : سلمان الفارسي ( المحمدي ) ، و أبي ذر الغفاري ، و عمار بن ياسر ، و المقداد ، يحملون لقب شيعة علي بن أبي طالب في أيام الرسول لحبهم و ولائهم لعلي بسبب توجيهات الرسول من خلال خطاباته .
و إلى هذه الحقيقة تشير الأحاديث المتواترة التي ذكرها غير واحد من المفسرين و المحدثين و المؤرخين ، و نحن نكتفي هنا بذكر مثال واحد من هذه الأحاديث و هو ما رواه ابن حجر عن ابن عباس قال : لما أنزل الله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) : " هم أنت و شيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، و يأتي عدوّك غِضابا مقمحين " .
فالشيعة هم أتباع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ، و هم الذين صمدوا في إتِّباع الأئمة المعصومين من ذرية علي ( عليهم السلام ) .
نسبة المذهب إلى الامام جعفر الصادق ( عليه السلام )
لم تتوفر الشروط اللازمة و الظروف الملائمة لطرح أفكار أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) و إبراز معالم مدرستهم في عصر الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) و إبنيه الحسنين ( عليهما السلام ) و حفيده الإمام علي بن الحسين السجاد ( عليه السَّلام ) كما توفرت في عهد الإمام الباقر ( عليه السَّلام ) و من بعده و بصورة أوسع في عصر الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ، حيث أن الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) عاش المرحلة الانتقالية بين دولتين ظالمتين ، سقوط الدولة الأموية من جانب و قيام الدولة العباسية من جانب آخر الأمر الذي اتاح له القيام بطرح الفكر الاسلامي الاصيل المتمثل في مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
و من إيجابيات هذه المرحلة إنشغال أبو العباس السفاح أول حكَّام بني العباس عن الشيعة و عن أهل البيت ( عليهم السلام ) بملاحقة بني أمية ، و تمكن الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) من إستغلال هذه الفرصة أحسن إستغلال لنشر العلوم الإسلامية و تربية عدد كبير من العلماء الفقهاء و المفسرين و المتكلمين .
يقول الحسن بن عليّ الوشَّاء : أدركت في هذا المسجد ( مسجد الكوفة ) تسعمائة شيخ كلّ يقول حدّثني جعفر بن محمّد .
و جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة عنه من الثقات ـ على اختلاف آرائهم و مقالاتهم ـ فكانوا أربعـة آلاف رجل .
نعم استغلّ الإمام هذه الفرصة لنشر أحاديث و علوم جدّه المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) ، و آبائه ( عليهم السلام ) فتربّى على يديه آلاف المحدّثين و الفقهاء .
و بما أن مثل هذه الظروف الملائمة لم تتوفر لأي واحدٍ من آبائه أو أبنائه فإن المذهب الشيعي إزدهر في ذلك العصر فعُرف منذ ذلك العصر بالمذهب الجعفري ، و ما هو في صميمه طبعاً إلا مذهب علي و أهل بيته ( عليهم السلام ) ، إلا أن تسميته بالجعفري إنما جاءت بإعتبار كون الإمام جعفر الصادق ( عليه السَّلام ) صاحب مدرسةٍ عظيمة تكفلت ببيان السنة المحمدية الصحيحة ، و الفقه الإسلامي الصحيح ، مضافاً إلى المنهاج السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي في عصر تزاحمت فيه المدارس الفكرية المختلفة ، مضافاً الى ان هذه التسمية جاءت للتمييز بين هذا المذهب و غيره من المذاهب المعاصرة له آنذاك .