سعد جاسم
منذ معرفتي الاولى بها في بدايات ثمانينيات القرن الماضي ؛ كنت ومازلت كلما قرأت نصا شعريا للشاعرة « دنيا ميخائيل « اشعر أنني أعيش في عالم طفولي مكتنز بالبراءة والدهشة والفنتازيا؛ حيث ان دنيا تنظر للعالم بعيني طفلة حالمة وذكية ولماحة وعلى شيء من المشاكسة والشيطنة الطفولية المحببة.والشاعرة دنيا حرصت على بناء عالمها الشعري والارتقاء به رغم كل ماعاشته من معاناة ومتاعب وخسارات لا لشيء الا لأنها عراقية وشاعرة وطفلة لاتريد أن تكبر ابداً .
نص رافديني
ولا أُخفي انني احرص دائما على قراءة شعر دنيا ميخائيل هي وعدد من شاعرات وشعراء ما اصطلح عليه بـ « جيل الثمانينيات» الشعري الذي أٌعتبر أنا واحد من شعرائه الذين احترقت اصابعهم بنيران الحروب العبثية وعانوا من قسوة وضراوة الحصارات السود. وقبل فترة قصيرة قد تهيأت لي فرصة قراءة عمل شعري اعتقد انه آخر اصدارات الشاعرة دنيا ؛ وقد عنونته» الليالي العراقية « . وكان قد صدر عن داري «ميزوبوتاميا» العراقية و»افكار السورية».
وفي « لياليها العراقية» وجدت ان دنيا ميخائيل ومنذ النص الاول لكتابها الشعري هذا ؛ قد اشتغلت على نص رافديني محتشد بتفاصيل ومفردات وعلامات توحي وتحيل وتتجلى فيه البلاد باشراقات رموزها وشخوصها الرافدينيين بدءاً من تموز مروراً بعشتار وكائنات العالم السفلي .
دهشة الطفولة
ومن اللافت للانتباه ان دنيا في ديوانها هذا قد قامت بالاشتغال على نص يجمع بين ماهو شعري وسردي وتشكيلي؛ حيث انها قامت برسم نصوصها بالكلمات والتخطيطات التي « خربشتها» بطريقة وروح طفوليتين تنطويان على قدرة ومهارة فنتازية متأتية من دهشة الطفولة وعبثها اللذيذ. كما في هذه الومضة:
( قلبي صغير جداً
لذلك يمتلئ بسرعة)
وكذلك فقد رسمت دنياً اشكالاً تصويرية جسّدت فيها رؤيتها بعين رسامة تضيف طاقة للكلمات من خلال الخطوط والاشارات ودلالالتها وايحاءاتها المؤثرة كما في المقطع التالي:
« في الصباح الأول
من السنة الجديدة
سننظر كلنا
الى شمس واحدة»
إنَّ المتأمل في شعر دنيا ميخائيل يستطيع اكتشاف أن هذه الشاعرة تسعى لأن تكون لها خصوصيتها الشعرية في تدوين رباعية: الذات – العالم- الطفولة – البلاد الام ... ولدنيا مخيالها الرؤيوي الذي تختلف فيه عن الكثيرات والكثيرين من الشاعرات والشعراء؛ حيث ان نصها الشعري ينحو للانطلاق الى أفق أكثر صفاءً واتساعاً وعذوبة. وهي دائماً تحلم بالرحيل والعيش في « كوكب آخر» كما تقول في نصها الذي يحمل ذات العنوان:
(عندي بطاقة خاصة
للذهاب الى كوكب آخر
خلف هذه الارض
عالم مريح
لا حر هناك
ولا برد
ولا دخان كثير)
عالم خاص
ومن اللافت ايضا في شعرية دنيا؛ انها تمتلك عالمها الخاص الذي ينطوي على روح مرحة تواجه بها العالم بحالات من السخرية السوداء من كل شيء يخصها ويحيط بها وتعيش اوضاعه واحواله العجائبية؛ حيث انها تقول في «خيار»:
( تفضلين كيسا ورقيا ام بلاستيكيا
احتار في الاجابة
كنت اتمنى لو اعطيت الخيار
في امور اكثر اهمية
قبل سنوات طويلة
عندما كنت في بلد
لايُبالي كثيرا بخياراتنا
ولا بنوع الاكياس)
وعندما نوغل عميقا في نصوص دنيا ميخائيل، نستطيع ان نلاحط مدى قدرتها على اقتناص ما في عالمنا من تفاصيل وعوالم واقعية- سحرية. وكذلك فهي تلتقط بعض الحالات التي هي مزيج من سرياليات حياتنا وحياتها التي اشرنا الى طبيعتها الطفولية الساخرة.