الفيلسوف ديوجين
عاش في أثينا خلال القرن الثالث قبل الميلاد وكان يلقب ،نظراً لأسلوب حياته، بالـ ( Cynic) وهي كلمة إغريقية تعني بالإنكليزية (dog) ، ومن هنا جاء اسم الاتجاه الفلسفي المعروف بالـ (Cynicism) أو الكلبية..
ذهب يوماً إلى أنتيثينس (وهو أحد أتباع سقراط ) وطلب منه أن يقبل به كتلميذ.. فرفض الأستاذ.. وعندما ألح ديوجين بطلبه .. ضربه أنتيثينس بعصاه، فقال ديوجين:
"اضربني كما تشاء.. لكنك لن تجد أبداً عصاً أصلب من تصميمي على البقاء والاستماع لما تقوله.. طالما أنه يستحق الاستماع"...
وعندها أُعجب الأستاذ به وقبله بين تلامذته... ومنذ ذلك الوقت أُعتبر ديوجين أحد أهم الفلاسفة الكلبيين..
يؤمن هذا المذهب بمبدأ سقراط القائل بأن الفضيلة هي غاية الحياة وهي سر السعادة.. حيث عرّف الفضيلة بأنها المعرفة.. ثم كل من جاء بعده حاول الوصول لهذه الفضيلة كل على طريقته...
وكانت الكلبية هي أحد المدارس الثلاث التي تفرعت عن السقراطية ( الرواقية، الأبيقورية، الكلبية)
بالنسبة للكلبيين فقد كانوا يرون أن السعادة هي المقدرة على التخلي عن كل شيء.. وأنها تتحقق بالعيش وفقاً للطبيعة وعبر تحقيق الاكتفاء الذاتي بالاستغناء عن كل ما هو زائد عن الحاجة ..
طبعاً لا يعتبر المذهب الكلبي مدرسة فلسفية منظمة بكل معنى الكلمة وإنما كان طريقة حياة أكثر من كونه نظام فلسفي..
كانوا يرفضون كل ما هو سائد من أعراف وقوانين وعادات وتقاليد ولم تكن نظرة الناس إليهم تهمهم في شيء..
وكان ديوجين أشهر رواد هذا المذهب..وأكثرهم طرافة.. لأنه كان يطبق نظريته عملياً.. ليثبت للناس أن الفضيلة ليست مجرد نظريات فلسفية...
حيث لم يكن يملك أي شيء .. وكان معتاداً على ضبط النفس والتقشف الصارم معرضا نفسه إلى البرد والحر الشديدين.. فكان يرتدي عباءة خشنة ويحمل عصا ومحفظة صغيرة.. ويعيش في برميل!!
عُرِف بازدرائه للغنى وذمه لمظاهر الترف والإسراف والتبذير.. والاكتفاء بما يتفضل به الناس عليه من طعام..
يقال أن ديوجين كان طوال حياته يحمل مصباحاً مضيئاً ويتجول به نهاراً بحثاً عن رجل :شريف.. محترم.. فاضل.. أمين.. مستقيم.. صادق.. صريح.. مخلص.. متواضع.. بسيط.. بريء) عله يجده
فمصباح ديوجين .. مصباح الحكمة.. و رمزاً للبحث عن الحقيقة..
...
مر الاسكندر الكبير يوماً بديوجين فوجده جالساً في برميله يستحم بأشعة الشمس، فوقف الاسكندر أمامه قائلاً:
- أنا الملك الإسكندر الكبير..
- وأنا ديوجين الكلبي..
- ألست خائفاً مني؟؟
- هل أنت رجل صالح أم شرير؟؟
- بل أنا رجل صالح..
- ومن يخاف من الصالح إذاً!!
ثم سأله الاسكندر: هل تعيش في هذا البرميل فقط لكي تلفت انتباه الناس وإعجابهم بك؟؟؟
قال ديوجين: وهل فعلاً تريد أنت فتح بلاد فارس وتوحيد كل بلاد الإغريق.. أم تفعل ذلك فقط لتنال الإعجاب؟؟؟
ابتسم الاسكندر وقال: هذا برميل مليء بالحكمة..
فقال ديوجين: أتمنى لو كان لدي بدل هذا البرميل المليء بالحكمة.. نقطة واحدة من الحظ الجيد..
للحكمة طعم مر.. وأحياناً تودي بك إلى الهلاك.. بينما الحظ يفتح لك أبواباً ويحقق لك سعادة ما كنت تحلم بها!!!
أعجب الإسكندر.. الذي يعرف جيداً معنى الحظ.. بكلام ديوجين ، ثم أخبره أن يطلب منه ما يشاء ليلبيه له..
فأجابه ديوجين بهدوء: أريد منك شيئاً واحداً...
إنك الآن تقف أمامي وتحجب عني أشعة الشمس..
لذا لا تحرمني من الشيء الوحيد الذي لا تستطيع منحي إياه...
لا تحجب شمسي بظلك!!
وينقل عن الاسكندر الكبير أنه قال: لو لم أكن الاسكندر الكبير.. لتمنيت أن أكون ديوجين..
كما يقال أنهما ماتا في نفس اليوم.. ديوجين عن عمر يناهز التسعين والاسكندر عن عمر لا يتجاوز الثلاثة والثلاثين...