أنا أم أنت يا صديقي
لا يخفى ان الانسان مفطور على الطبع الاجتماعي بحد ذاته فهو يميل الى الاجتماع والاختلاط ويانس بوجود الاخرين مما تلجئه تلك الفطرة الى اتخاذ الاصدقاء وتكوين العلاقات والرغبة في تكوين اسرة يتعايش معها ويأنس بها وان هذه الفطرة سائدة في جميع الشعوب والقبائل قال تعالى ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ))الحجرات -13 فالتعارف امر مجعول من قبل الله تعالى في واقع كل انسان لذا نجد هذه الصفة سائدة في المجتمعات اما صفة الانعزال والانفراد فهي صفة شاذة بل قد تكون حالة مرضية معبر عنها عند علماء النفس بداء التوحد وهذا ليس على نحو الاطلاق بل ان هناك حالات تقتضي الانعزال عن بعض المجتمعات التي تتسم بواقع الفسق والفجور وهذا جار عند المحافظين من المسلمين المغتربين الى بلدان الغرب وهذا امر ضروري لايخرج صاحبه عن الفطرة العامة التي تدعو الى تكوين علاقات والتداخل مع المجتمع .
ان كل فرد منا يرغب في اتخاذ الاصدقاء سواء في مجال العمل ام الدراسة ام في الوسط الذي يعيش فيه تماشيا مع الفطرة العامة وطبعا ان الميول الداعية الى اتخاذ جهة معينة من الصداقة والاستمرار معها متوقف على جملة من المقدمات منها التقارب في الصفات والطباع والاتفاق بالمعتقد عند من يلتزم ذلك ولعل التقارب في المستوى الثقافي يعد ايضا من مقومات تحديد الصديق فلا نجد او نادرا عالما من الناس مصادقا لجاهل وان كان فلا تدوم وعلى غرار تلك المقومات نجد الانسات دائما يوزن ويقييم اعتمادا على اصدقاءه ولذا ساد المثل القائل الطيور على اشكالها تقع يقال لمن تشابهت افعاله مع افعال اصدقاءه ولا يتوقف الامر عند مستوى الاخلاق والصفات العامة بل قد ينجر الى المعتقد والدين الذي ينتحله كل منهم فنجد صاحب الحجة النظرية الاقوى او الاسلوب الاقوى يقنع صاحبه ويدفعه الى اتخاذ نفس الدين والفكر والمعتقد وان كان على غير الحق وهذا الامر يتوقف على قوة وضعف الايمان الذي يتحلى به الشخص وايضا على ثقافته الدينية فان كان على ثقافة عالية وتطلع عميق لا يتاثر بل يؤثر على اصدقاءه ويدفعهم الى انتحال معتقده بغض النظر عن صحته ولذا قيل المرء على دين خليله وهذ يحتم على كل انسان ان ينظر الى امر اخرته كما ينظر الى امر دنياه ويحسب لمرضات الله تعالى حساب في تكوين العلاقات واتخاذ الاصدقاء وان لاتاخذه في الله لومة لائم ابدا فالمجاملات والمداهنات لامجال لها ولامكان قبال ساحة رب العالمين الخالق والموجد وان ترتب على ذلك قطع الصديق وتركه فالله قد امرنا بترك طاعة الوالدين اذا أمرانا وجاهدانا بمعصية الله تعالى والكلام اولى برابطة الصداقة اذا كان الارتباط يشكل خطر على ديننا وعلاقتنا بالله تعالى اما اذا رجي من تلك الصداقة اصلاح الصديق الى امر الحق والى طاعة الله تعالى فهو امر طيب ولابد ان يكون عند كل مؤمن موالي بل وان يتسم بقوة الايمان وان يتخلص من الضعف والوهن فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف ولا شك ان التوسط في هداية انسان امر عظيم عند الله تعالى ففي الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال ( ياعلي لو هدى الله بك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس او غربت ) اللهم اهدنا الى من تحب وفيمن تحب وابعد عنا قرين السوء و صحبة السوء انك انت التواب .