عَنْ رجلٍ يغسلُ وجه المدينة كلَّ صباح ..!.
: " لا إله إلا الله "
قالها وسط تنهيدة شقتْ صدر الصّباح حتّى عجزتُ أن أعرف من أين صدرتْ ?
مِن قلبه الضعيف ؟ ..
من وجع السّماء الذي يتساقط علينا غضباً كلّما رَفعَ هذا الشّيخ كيسَ قُمامة آخر ؟!
أم صدرت من تدافُع الجدران وهي تُهرول للإمساكِ به قُبيل أنْ يسقط وهو يتعثر بآدميتنا الممسوخة
و المتعفنة بتلك الأكياس المحشوة على مضض حتّى تمزّق بعضها فهوى على رُكبتيه يجمعها بكفّيّه المرتعشتين
قبل أن يلوث ماء وجوهنا المسكوب من شقوقها أرضية المبنى و وجه الصّباح .
بدا شاحباً تحيطُ به هالة التعب كـ صدر هزيل وقع للتوّ بين فكيّ ظن نهِم
لم أقترب منه من قبل , لم أُصغِ لصوت مفاصله المتعبة وضربات قلبه المنهك التي تستنزل اللعنة علينا كلّ صباح
نرصف فيه قُبحنا الثّقيل على العتبات وفوق ظهر هذا الرّجل دونما خجل
لم أنتبه من قبل لجحود الكون المُقيم فوق أكتافه
أو أُلقي بالاً لعقوق هذه الحياة المُستريحة على موائدنا والخزائن لمَنْ لا طاقة له على حمل كيس قمامة لمترين فقط دون أن يستريح أربع مرّات
كُنتُ أقفُ خلفه , كدتُ ألتصق بهضاب الهم فوق تحدب ظهره وأنا انتظر نزول جارتي في الطابق الثالث لنقطع معاً
طريقنا المُعبّد والقصير إلى الرّغيف والعيش المُترف بعبودية أُخرى أرق وحشية من تلك التي يخضع لها
( ابو غايب ) وهو يشقّ طريقه - الطاعن بالمشقة - للرّغيف , الرّغيف فقط
( أبو غايب ) ذلك السّبعيني الذي يسبق الصّباح كي يرفع قاذوراتنا ويمحو أدلة إسرافنا
لئلا يختنق – بنا - صباح آخر فتنمو الفئران على وجه المدينة
أعتذر لي – بصوت مرتجف - بعد أن لمح ظلّي البارد وهو يعيق الضّوء المُرسل إليه من السّماء
ظلَّ صوتي نائماً كعادته في المواقيت التي تستوجب منه أن يستفيق و يرتب شكراً واعتذراً لائقين بجرح الموقف
كـ ألم ذلك الجائع لكلمة شكر والّتي رُبَّما تُذهب عن كفّيّه المُتسخة بنا رائحة الحزن يوماً أو بعض يوم
بقيتُ هناك يُرافقني شعوري بالبؤس وأنا أُفتش في جيوب الحياة عن عقارٍ مُسّكن لألم ذلك الرّجل الذي سأنساهـ
حتماً حالما أُمسك برغيفي المُتخم والمجاني
بقيتُ هناك غاضبة ومضى هو – يحمل ضمائرنا بأكياسه – سادراً برضاهـ ..!.
.
.