فنانون مصريون تاريخيون حبستهم ملامحهم في أدوار بعينها
كثيرٌ من فناني الزمن الجميل فرضت عليهم ملامحهم أو صفاتهم الجسدية أدواراً معيّنة، وبصورة متكررة، إلا أننا أحببناهم وفي كثيرٍ من الأحيان وللإتقان الشديد اعتقدنا انهم كذلك في الواقع من فرط الإقناع واتقمص الشديد، وهم في الواقع شخصيات مختلفة تماماً، والأمثلة كثيرة ومتعددة.. نذكر منها ما يلي:
علي الكسار
1887 – 1957
بربري مصر الوحيد “هكذا لقبوه، تلك الشخصية التي ابتدعها وأطلق عليها اسم عثمان عبد الباسط”، حتى أننا اعتقدنا إنه بربري فعلاً، فعلي الكسار لم تكن بشرته سمراء كما كنا نراه في الأفلام، بل كان يستخدم خلطة سرية يعرفها وحده كان يضعها على وجهه أثناء التمثيل.
أما اللهجة التي كان يستخدمها في كلامه، فترجع إجادته لها معاشرته للطباخين والخدم النوبيين الذين كان يعمل معهم كطباخ في أول حياته وقبل أن يتجه للتمثيل، فقد كان منذ صغره يهوى مشاهدة الأراجوز في الحارة، حتى إنه صنع أراجوزاً من الورق مع تقليده للأصوات، ما جعل والده يوبخه ويعاقبه بالضرب على ذلك مراراً.
بدأت مسيرته الفنية 1908 عندما التحق بعدد من الفرق الفنية المسرحية، وسرعان ما لمع نجمه، حتى إنه كان منافساً قوياً لفرقة نجيب الريحاني المزدهرة في ذلك الوقت بتقديمها لشخصية “كشكش بيه”.
كانت شخصية علي الكسار في الحقيقة مغايرة تماماً لشخصية عثمان عبد الباسط التي كان يقدمها، فقد كان شخصية ذات هيبة واحترام، وكانوا يطلقون عليه “حضرة صاحب الرفعة الوجيه على أفندي الكسار”، كما أطلقوا عليه “المليونير الخفي” لأنه كان يملك أموالاً كثيرة ولكنه كان معتدل في الإنفاق، غير محب للمظاهر، حتى إنه ظل يسكن في حارة حتى مماته.
ومن أهم أعماله السينمائية:
- سلفني ثلاثة جنية
- علي بابا والأربعين حرامي
- نورالدين والبحارة الثلاثة
- أمير الانتقام
عبد الوارث عسر
1894 – 1982
تميّز الفنان العظيم عبد الوارث عسر بأدائه لدور الأب حتى في بدايات حياته الفنية ورغم صغر سنه، فقد كانت ملامح وجهه وعظامها البارزة وجسمه النحيف توحي دائماً للمشاهد بأنه رجل عجوز، كما أن صوته كان حانياً رحيماً، فتميّز جداً في أداء شخصية الأب أو الشيخ أو الجد.
كان يدرس مادة الإلقاء في المعهد العالي للسينما، وله كتاب من تأليفه عن فن الإلقاء.
كتب العديد من السيناريوهات منها علي سبيل المثال فيلمين لأم كلثوم هما سلامة وعايدة.
من أدواره المميزة:
- صراع في الوادي
- موعد مع السعادة
- شباب امرأة
- الأستاذة فاطمة
- يوم سعيد
أنجب من زواجه ابنتان، وقد تدهورت صحته بعد وفاة زوجته، التي كان يحبها جداً، وليتوفى بعدها بعدة سنوات، حفيده هو الفنان “محمد التاجي” الذي اشتهر بأدوار كوميدية، على عكس جده، فأختلف عنه في الشكل والمضمون.
نجمة ابراهيم
1914 – 1976
“سيدة الرعب” هو اللقب الذي منحه الجمهور لها، لبراعتها في أداء أدوار الشرّ على الشاشة، وخصوصاً بعد دورها في فيلم “ريا وسكينة”، وشخصية ريا التي تقمصتها بجدارة.
بوليني اوديون، كان اسمها الحقيقة، ونجمة ابراهيم هو الاسم الذي حصلت عليه لتتزوج من زميلها، كانت تذهب الى المسرح وهي طفلة صغيرة بصحبة اختها الكبيرة التي كانت من رائدات المسرح في ذلك الوقت، فعشقت الفَنّ ولذلك لم تكمل تعليمها، وكانت في بداياتها تغني وترقص وتلقي المونولوجات، بعد ذلك قدمت أعمال مسرحية وسينمائية
من أهم أعمالها
- اليتيمتين
- جعلوني مجرماً
- الليالي الدافئة
- آنا الماضي
قال عنها المخرج الكبير صلاح أبو سيف أن الشر الذي كانت تقدمه هذه الفنانة نابع من كرهها له، ومن طيبة قلبها، ومن وعيها بأهمية الدور الإنساني للفنان في تجسيد الشر في صورة ترصد قبحه.
وقد ساعدها في ذلك ملامح وجهها ونظرات عينيها ونبرات صوتها، ولكنها في الحقيقة كانت سيدة طيبة ومحترمة، ووطنية أيضاً، كما تبرعت بإيرادات حفل افتتاح فرقتها المسرحية لتسليح الجيش المصري في الخمسينيات، كما رفضت أن تغادر مصر مع شقيقتها، وأوصت بأن تدفن في مصر بعد وفاتها.
كرّمتها الدولة عام 1964 واعطتها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وتم منحها وسام الاستحقاق ومعاشاً استثنائياً تقديراً لعطائها الفني ووطنيتها النادرة.
رياض القصبجي
1903 – 1963
اشتهر بأداء دور الشاويش عطية في سلسلة أفلام اسماعيل يس التي حملت اسمه، ساعده في ذلك تقاسيم وجهه القاسية، وضخامة جسمه ونبرات صوته الأجش، وبالإضافة إلى دور الشاويش عطيه الذي اشتهر به عن غيره من الأدوار التي لعبها على شاشة السينما، لعب أدوار شريرة أخرى مثل رئيس عصابة في فيلم “علي بابا والأربعين حرامي”، ولص في فيلم “قلبي دليلي”، وشخصية حسب الله في فيلم “ريا وسكينة”.
وقد كان في بداية حياته يعمل كمساري في السكة الحديد، ولحبه للفَنّ والتمثيل التحق بفريق هيئة السكة الحديد للتمثيل، وأصبح عضواً بارزاً فيها، ليترك الخدمة وينضم للعديد من الفرق المسرحية المشهورة آنذاك، ليستقرّ في النهاية مع فرقة اسماعيل يس المسرحية.
في أواخر أيام حياته أصيب بشلل نصفي نتيجة لارتفاع ضغط الدم، ما جعله طريح الفراش لفترة طويلة، وعجز عن تسديد نفقات العلاج، حيث لم يكن له مصدر رزق آخر غير التمثيل، وعند وفاته تكفل المنتج السينمائي “جمال الليثي” بمصاريف الجنازة، لعجز أسرته عن تسديدها.
زينات صدقي
1913 – 1978
اشتهرت بأداء دور العانس، التي فاتها قطار الزواج بخفة دم غير عادية، مستخدمة في ذلك أدوات خاصة بها، فقد كانت متميزة بارتداء قبعات مضحكة، وفساتين مليئة بالزخارف الملفتة للنظر، بالإضافة إلى الافيهات التي كانت بارعة في توظيفها لخدمة الدور، ومهما شاهدناها نضحك بنفس القدر ولا يصيبنا الملل منها أبداً، مثل ما يحدث معنا الآن مع نجوم كوميديا الوقت الحالي، الذين يكرروا نفس الشخصية، ولكن باستظراف زائد عن الحد واستخفاف بعقلية المشاهد.
زينب محمد مسعد هو اسمها الحقيقي، ولم تكن في الحقيقة عانساً كما ظهرت علي الشاشة، بل إنها تزوجت مرتين، الاولى وهي في سن مبكر جداً، ولكن لم يدم الزواج الأول سوى عام واحد، والزيجة الثانية كانت عن قصة حب ولكن أيضاً لم تستمر طويلاً.
أما اسم الشهرة فجاء من سفرها للعمل مع فرقة بديعة مصابني في بيروت، وكانت هاربة من أهلها الرافضين لعملها بالتمثيل، فأخذت اسم والد صديقتها في الفرقة، ولما عملت مع نجيب الريحاني أطلق عليها اسم زينات، منعاً للخلط مع اسم الفنانة المعروفة في ذلك الوقت “زينب صدقي”.
من أهم أعمالها
- حميده في فيلم “ابن حميدو”
- ترتر في فيلم “شارع الحب”
- زغليلة في فيلم “بنات حواء”
- أنيسة في فيلم “بين ايديك”
بالإضافة إلى دور العانس قدّمت أدواراً لعبت فيها شخصية بنت البلد الجدعة كما في:
- أيامنا الحلوة
- القلب له أحكام
- معبودة الجماهير
- تمر حنة
- العتبة الخضراء
على المستوي الشخصي كانت تحب النظافة جداً، حتى أن من حولها كانوا يعتقدون انها تعاني من وسواس النظافة، كما عُرِفت بالطيبة وعزة النفس، عانت في أواخر أيام حياتها من الفقر والمرض، حتى إنها باعت أثاث منزلها لتستطيع أن تدبر نفقاتها، وعندما علم الرئيس السادات بذلك خصص لها معاشاً شهرياً.
نالت تكريماً من الرئيسين الراحلين، جمال عبد الناصر والسادات تقديراً لعطائها الفني.
وداد حمدي
1924 – 1994
اشتهرت بأداء شخصية الخادمة على شاشة السينما، فقد لعبت هذا الدور أول مرة في مسرحية “أم رتيبة” ولاقى نجاحاً كبيراً، فأصبح المخرجين يرشحونها في هذا الدور لبراعتها وخفة ظلها في تجسيده، حتى أن كتاب السيناريو كانوا يتركون لها مساحتها في إضافة افيهاتها الخاصة بها، لثقتهم في حسّها الفني العالي، ولم تعترض أبداً أو تتكبّر على دور الخادمة، فقد احترمت جمهورها الذي أحبها في هذه الشخصية، وكانت دائماً عند حسن ظنه بها وبإمكانيتها، وكانت في كل فيلم تبدع وتضيف رغم عدم اختلاف الشخصية التي تقدمها.
من أهم الأفلام التي شاركت فيها
- معلهش يا زهر
- أم رتيبة
- إشاعة حب
- الزوجة 13
- قصة ممنوعة
مع الأسف كانت نهاية هذه الفنانة الجميلة مٲساوية للغاية، فقد ماتت مقتولة علي يد ريجيسير كان يمرّ بأزمة مالية، فزارها بمنزلها على أساس انه يحمل لها قرار عمل، فوجئت به يطعنها غدراً، لتموت وداد حمدي غدراً.
وهكذا كانت نهاية من ملئوا حياتنا بالبسمة والضحك، كان الفَنّ يشكّل لهم متعة خالصة، معظهم رحلوا وهم في وضع مادي سيء، فقد كانوا جميعاً يتقاضون أجوراً زهيدة بالمقارنة بالوقت الحالي.
لم يبخلوا على فنهم بٲي شيء، فقد كانوا يهتمون بٲن يظهروا على الشاشة بأحسن صورة، من ملابس واكسسوارات تخدم الشخصية، لم يدخروا شيئاً يٲمنون به تقلبات الزمن، فماتوا وليس لديهم أرصدة في البنوك، ولكن تركوا لنا نحن المشاهدين رصيداً راقياً من الأعمال السينمائية والمسرحية، وحب واحترام باقٍ حتى بعد رحيلهم عن دنيانا..
منقول