الدين العلمانى... للمفكر عبد الكريم سروش
كما يحتاج الانسان للستر الخارجي كذلك يحتاج أيضاً للستر الروحي أي ما ينظم الحياة السياسية والاجتماعية وينقل الانسان من المجتمع البربري الهمجي إلى المجتمع المدني الذي يكبح شهواته ورغبته لتفكيك القيود والقيام بما يريد دون مسؤولية، وقد ذكر سروش ذلك بطريقة تشابه ما صاغه جان جاك روسّو في عقده الاجتماعي.
أن يختار الشعب من يحكمه ليس كافيا لإطلاق صفة الديمقراطية على ذلك النظام، وإنما تقسيم السلطة هو ما يجعل النظام ديموقراطيا، أي أن القضاء والسلطة التشريعية والتنفيذية يحب ألا تكون تحت سلطة واحدة.
هل أيًّا مما سبق يتعارض مع الدين الاسلامي أو أحد قيمه ومبادئه؟ وما هي العلاقة بين المجتمع المدني والتدين؟
يشكل التدين بحد ذاته ستراً روحياً أيضاً للحد من الرغبة الحيوانية للإنسان. ولذلك قد يرفض بعض "المتدينين" اللجوء لحلول أخرى، سياسية أو غيرها، خوفاً من التضارب وربما خوفاً من سيطرة حلول المجتمع المدني وإحلالها مِحل الدين وبالتالي يكون الدين مؤدلجاً لأنه يخدم أغراضاً دنيوية فقط.
الليبيرالية التي ظهرت في الأوساط الثقافية الغربية وفي عالم الاقتصاد تحديداً قبل أن تتحول إلى تفكير فلسفي ونظري هي أحد هذه الحلول وهو ما تناوله سروش في مقالته الثانية. ويمكن تقسيم الليبرالية إلى ثلاثة محاور: المحور الاقتصادي، والمحور السياسي، والمحور الفلسفي والنظري.
بدأت الليبرالية في عالم الاقتصاد أولاً للحد من تدخل السلاطين من مشاركة التجار في ثرواتهم، إذ أصبح من الصعب أن تجتمع ثروة كبيرة بيد شخص دون مشاركة عملاء البلاط والمتقربين من السلطة، ولذلك علت صيحات التجار مطالبة بالتحرر والأمن الاقتصادي لرؤوس الأموال، ثم تفرع من هذه الظاهرة تفكير سياسي و فلسفي نظري لليبرالية.
أحد مباني الليبرالية في مجال السياسة هو الديموقراطية وزيادة دور الفرد في اتخاذ القرار وتقليص دور السلطة، فالأفراد لهم الحق في تحديد إدارة أمورهم السياسية.
ومن محاسن الليبرالية الجرأة في نقد المقدسات، والثورة عليها، سواء مقدسات دينية أو ولاية سلطانية أو ولاية فكرية. والأصل المقدس الوحيد هو أن الانسان غير معصوم، فبالتالي لا يمكن أن يُحتكر الحق بالكامل عند شخصٍ واحد أو فئة واحدة، مما يلزم ذلك سيادة التعددية.
ومن هنا يحتاج المجتمع الديني إلى لبرلة، أي نقد ولاية الدين عوضاً عن التسليم دون تساؤل عن كيفية عمل الحكومة الدينية، والاستناد دائماً إلى النصوص الواردة في التراث الديني.
ومن ذلك المنطلق، يمكن فتح نافذة لدخول الأيديولوجية إلى الدين، بمعنى أن يتم تسخير الدين في خدمة الأمور الدنيوية، بالإضافة إلى تأمين السعادة الأخروية، وهذا ما يسمى بالدِّين العلماني، وهو ليس الرأي الذي يقول بأن الدين جاء لإعمار الدنيا فقط فهذا الرأي ينتهي للعلمانية.
يحتوي الكتاب أيضا على مقالات أخرى تتناول موضوع علم الفقه وتأثيره على الدين، والنسبة بين العدالة والحقوق والقانون، ومديرية الحكومة الديمقراطية الدينية.