يبقى ثوران البركان دومًا أحد المشاهد الخاصة التي تبعث في النفس أحاسيس الرهبة والخوف. حينما تلاحظ زحف الحمم المنصهرة إلى البحر، أو تصاعد سحب الرماد إلى السماء، فأنت تدرك أنك تعيش لحظة مهولة وثورانًا قد يدمر تلك المنطقة بأكملها.
في بداية الأمر، من المعروف مسبقًا أن كوكبنا الأزرق يتكون من عدة طبقات تعلوها القشرة الصخرية التي نمشي عليها. توجد أسفلها طبقة عميقة من الحمم والتي تتكون أساسًا من معادن ذائبة وصخور مفتتة. لا تفكر في الاقتراب من هذه الحمم فدرجة حرارتها مرتفعة للغاية!
تساهم حركة الحمم الدائرية، بالإضافة إلى درجة الحرارة المرتفعة في باطن الأرض، في توليد ضغط غازي كبير يدفع الحمم الباطنية إلى البحث عن أضعف منطقة في القشرة الصخرية الأرضية للخروج منه. هذه الأماكن ذات القشرة الهشة هي البراكين.
على سطح الأرض، يتواجد 1500 بركان نشيط ويُضاف إليها عدد غير محدد من البراكين المخفية تحت المحيطات. الإحصاءات تؤكد أنه ما يفوق عشرين بركَانًا يقذفون حممهم في مكان ما على هذا الكوكب. ماذا لو انفجر 1500 بركان في نفس الوقت، كيف سيكون المنظر؟ هل ستنجو الأرض وتظل كما نعرفها؟
الجواب على هذا السؤال هو على الأرجح لا. فلو ثارت البراكين في لحظة واحدة لأطلقت سلسلة من الآثار البيئية التي ستتعاقب بطريقة شبيهة بأحجار الدومينو، وستكون النتيجة أسوأ بكثير من الانفجار النووي. ستسوء الأمور لدرجة لن نتمنى النجاة والبقاء على الأرض في تلك الحالة.
الظلام… الظلام في كل مكان
يمثل الرماد البركاني والغازات المنبعثة من البراكين الخطرين المحدقين اللذان ينتظراننا عند ثوران البراكين. فعدد الوفيات الناتجة عن الانفجارات والحمم البركانية سيكون قليلاً مقارنة بالوفيات التي ستنتج عن التغيرات المناخية التي ستنتج عن الرماد البركاني والغازات المنبعثة عقِب ثوران البراكين. حيث ستغطي طبقة سميكة من الرماد كوكب الأرض، وتحجب عنه أشعة الشمس مما سيجعله يغرق في ظلام دامس، الأمر الذي سيوقف التركيب الضوئي، فتتلف النباتات، وسينجم عن موت الغطاء النباتي انحدار درجات الحرارة. وسيبقى الرماد متواجدًا في غلافنا الجوي على مدى العشر سنوات التالية.
العصر الجليدي!
تتكون الغازات البركانية من غازات سامة وخطيرة، على رأسها غاز حمض الكلوريدريك وفلوريد الهيدروجين وثاني أوكسيد الكبريت. حينما تتكاثف هذه الغازات في أعالي غلافنا الجوي، فإنها تتحول إلى أمطار حمضية ستقضي على كل المحاصيل الناجية من الدفن تحت الرماد، وتلوث المياه الجوفية ومياه المحيطات. وستتسبب زيادة حموضة مياه المحيطات في نفوق المرجان وغيره من الكائنات البحرية ذوات الصدفة الصلبة. وسينتقل تأثير هذا النفوق إلى أعلى السلسلة الغذائية، مما سيتسبب بانقراض كافة الكائنات البحرية.
بالإضافة لكل هذا، فإن ثوران البراكين سيطلق الرماد والغاز والغبار إلى الطبقات العليا للغلاف الجوي، وستتسبب هذه المكونات في عكس أشعة الشمس الواردة إلى الأرض. مما سيسبب تبريدًا ملحوظًا لكوكبنا الأزرق لمدة محدودة.
الجدير بالذكر أن ثوران بركان بيناتوبو في عام 1991، والذي يصنف كواحد من أكبر الكوارث البركانية التي شهدها القرن العشرين، قد أدى إلى انخفاض الحرارة في أجزاء من العالم بنسبة 0.4 في المئة لمدة عامين.
الحرارة المتأججة!
أحد نواتج الانفجارات البركانية هو غاز أوكسيد الكربون (غاز الدفيئة)، حيث يمكن أن يساعد في تحقيق التوازن بالموازاة مع العصر الجليدي الذي سيعيشه كوكبنا بسبب الرماد والغبار. لكن الأمر سيكون شبيه بأن تدير مفتاح الموقد إلى أعلى درجة حرارة ممكنة. لكننا لا ندري إن كان هذا الأمر سيغير من تركيب الغلاف الجوي إلى الحد الذي سيمتلئ فيه الغلاف الجوي بغاز ثنائي أوكسيد الكربون. البسيط في الأمر أننا سنشوى في كلتا الحالتين!
لكن السؤال الأبرز، هل يمكن أن تستمر الحياة في حال ثارت كل البراكين دفعة واحدة؟
رأي العلماء يوضح أن كل التوقعات تصب في مصلحة الكائنات التي تعيش في ظروف عيش متطرفة للغاية مثل الكائنات التي تعيش في البيئيات الحمضية والساخنة، أو في البحر العميق حيث ستكون في منأى عن خطر التدمير على سطح الأرض.
تظل كل المعلومات الواردة في هذا المقال عبارة عن توقعات ناتجة عن دراسات متعددة وأبحاث في الأحفوريات القديمة. حيث يظل احتمال انفجار براكين الأرض كلها دفعة واحدة ضعيفًا ويكاد يكون معدومًا!
المصدر