أحلام منتهــــية الصلاحية
جزء من رواية " لم تكتمــــــل "
استفاقت .. ولا أحد.
رجل عبرها كقطار سريع دهس أحلامها وواصل طريقه بسرعة الطائرات ،
فالوقت هو أغلى ما يملك .
لا وقت له ليرى ما خلفه مروره العاصف بحياتها من دمار .
أشجار الأحلام المقتلعة ، أعمدة الكهرباء ، التي قطع
الاعصار أنواراً أضاءت حياتها، سقف قلبها المتطاير قرميده،
ونومها في عراء الذكريات.
قضت أيام مذهولة مما حل بها.
ترى من دون أن تنظر ، تسمع من دون أن تصغي .
تسافر من دون أن تغادر . تعيش بين ناس من دون أن ينتبه أحد
أنها في الحقيقة نزيلة العناية الفائقة ، وأن نسخة مزورة منها هي التي تعيش بينهم .
نسخة يسهل اكتشافها . فلا شيء مما يسعد الناس يسعدها ، ولا خبر مما يحدث
في العالم يعنيها ، أيا كان موضوعه ، يبكيــــها،
لأن كل المواضيع حتما ستفضي الى ذلك الرجل الذي دمرها ومضى.
داهمها احساس بالفقر ، لافتقارها الى قناع .
كان عليها أن تسرق منه أحد أقنعته.
الجميع حولها يملكون أكثر من وجه ، وهي تواجه الحياة سافرة .
انها تطالب بحقها في امتلاك قناع . القناع كان سيوفر عليها كثيراً
من الخســــــــــــــــارات،
والنضالات ، والآلم . ويعفيها من ضريبة الحياء ،
ويخفي عن الآخرين ما ترك البكاء من أثر على وجهها.
مر وقت قبل أن تعي أن صوته لن يأتي ، وأن في امكانها الأن أن تشغل الهاتف ،
من دون الخوف الدائم من نوبات غيرته ، ومن شكوكه ، وتجسسه الصامت عليها.
شفيت من الرهاب الذي كان يلازمها ، كلما اضطرت الى تبرير سفرها ، أو قبول دعوة
، أو محادثة أحد ، ووجد الهاتف مشغولا ، فغضب وانقطع عنها لأسابيع .
هي الأن حرة ، لكن ، كلما تحررت منه سعدت وحزنت في آن.
وكلما شفيت من عبوديتها ، عانت من وعكة حريتها.
انها تتصرف بيتم فتاة ، عليها بعد الأن أن تقرر وحدها قدرها.
لقد غدت يتيمة مرتين . ليس الحب وحده ما فقدت ، بل تلك القوة الأبوية الرادعة
التي تطوقها بالأسيلة وتحاصرها بالغيرة .
اليتم العاطفي هو ألمك السري أمام كل خيار،لأنك في كل ما تفعلينه لا تقدمي
حسابا لأحد عدا نفسك ، كأن لا احد يعنيه أمرك.
حاولت أن تخفي عن الجميع دمارها الداخلي . كان يلزمها اعادة اعمار عاطفي ،
كأنها مدينة مر بها هولاكو ، فأهلك كل ما كان قائما فيها.
عزاؤها أنها استطاعت أن تنقذ من الدمار كرامتها ..
وذلك الشيء الذي لم تمنحه ايــاه .
استيقظت من أحلام منتهية الصلاحية ، كأن شيئاً مما حدث لم يحدث .
لقد عاشت سنين مأخوذة بألاعيب سحر الحب ، كأولئك السحرة الذين
يخرجون من قباعتهم حماماً ، وأوراقا نقدية .
لكن الحمام لا يمكن الامساك به ، ولا الأوراق النقدية صالحة للانفاق
لقد ترك لها ثروة الذكريات ، بينما كانت تتوقع أن يهديها مشاريع حياة .
أجلت طويلا عودتها الى بيت أثثته من أجله ولم يزوره.
تحتاج أن تستعيد قواها قبل مواجهة مرتجعات الحب . كل ما اقتنته عن عشق،
يوجعها اليوم بتنكيل النهايات .
حرمت نفسها من أشياء كثيرة ، لتهدي نفسها هذا الألم الباذخ.
اشترت ألمها بالتقسيط المريح ، بعملة الكرامة .
اعتادت أن تدفع بالعملة الصعبة.
تجولت بين حطام أحلامها . كم من الأشياء كسر ذاك الرجل دون علمه؟..
أشياء كانت جامحة الأحلام ، تهشمت من دون حتى أن يلمسها بنظره.
وأخرى ترتدي حداد رجل لا يدري أصلاً بوجودها .
أشياء تبكي لأنه لن يراها ، وأخرى تبكي رجلاً لا يدري أنها تنتظره .
أشياء تخدع انتظارها له بادعاء نسيانه،
لكنها لا تنسى . تواصل السؤال عنه أول ما يفتح الباب ،
فهي مختارة على ذوقه هو ، ومن أجل ابهاره وحده .
أشياء لها أن تحزن ، لها أن تنتظر ، لها أن تبكي ،
لها أن تتهشم .
أياً كان مصيرها ، يظل هو سيدها ،
فقـــد امتلكهـــا بسطـــوة غيـــابه .