في الكرادة في ليلة أمطار و رياح
و الظلمة سقف مد و ستر ليس يزاح
إنتصف الليل و ملء الظلمة أمطار
و سكون رطب يصرح فيه الإعصار
الشارع مهجور تعول فيه الريح
تتوجع أعمدة و تنوح مصابيح
و الحارس يعبر جهما مرتعد الخطوات
يكشفه البرق و تحجب هيكله الظلمات
ليل يجرفه السيل و ينهشه البرد
تنتفض الظلمة فيه و يرتعش الرعد
في منعطف الشارع في ركن مقرور
حرست ظلمته شرفة بيت مهجور
كان البرق يمر و يكشف جسم صبية
رقدت يلسعها سوط الريح الشتوية
الإحدى عشرة ناطقة في خديها
في رقة هيكلها و براءة عينيها
رقدت فوق رخام الأرصفة الثلجية
تعول حول كراها ريح تشرينية
ضمت كفيها في جزع في إعياء
و توسدت الأرض الرطبة دون غطاء
لا تغفو لا تغفل عن إعواء الرعد
و الحمى تلهب هيكلها و يد السهد
ظمأى طمأى للنوم و لا نوما
ماذا تنسى ؟البرد ؟ الجوع ؟ أم الحمى
ألم يبقى ينهش لا يرحم مخلبه
السهد يضاعفه و الحمى تلهبه
نار الحمى تلهمها صورا وحشية
أشباح تركض صيحات شيطانية
عبثا تخفي عينيها و سدى لا تنظر
الظلمة لا تدري و الحمى لا تشعر
و تظل الطفلة راعشة حتى الفجر
حتى يخبو الإعصار و لا أحد يدري
أيام طفولتها مرت في أحزان
تشريد جوع أيام من حرمان
إحدى عشرة كانت حزنا لا ينطفئ
و الطفلة جوع أزلي تعب ظمأ
و لمن تشكو لا أحد ينصت أو يعنى
البشرية لفظ لا يسكنه المعنى
و الناس قناع مصطنع اللون كذوب
خلف وداعته اختبأ الحقد المشبوب
و المجتمع البشري صريع رؤى و كؤوس
و الرحمة تبقى لفظا يقرأ في القاموس
و نيام في الشارع يبقون بلا مأوى
لا حمى تشفع عند الناس و لا شكوى
هذا الظلم المتوحش باسم المدنية
باسم الإحساس فوا خجل الإنسانية .