لطالما كان شارع سرسق في بيروت عنوان العراقة والتميّز، يضفي سحره وهالته على المساكن المحيطة التي تبدو في سعي دائم إلى مجاراته . على هذه القاعدة صُمّم هذا المسكن من توقيع نيكولا وكارلا بخعازي، في قالب من العصرية والجمالية الفريدة .
جسد المهندسان بخعازي على امتداد ثلاث طبقات طراز الـflamant الذي يعتمد على المزيج الراقي من العصرية والكلاسيكية بألوان هادئة فرحة وأشكال هندسية ومواد عصرية.
تطلّب إنجاز الهندسة دقة وتقنية عالية حيث خلقت مساحات جديدة، ففي الطبقة العلوية جسر من الكروم والزجاج وصل غرفتي النوم، ومنه نطل من الأعلى على الطبقة السفلى المخصّصة لقاعات الاستقبال، وتحديداً على جدار كبير من الزجاج غُرست خلفه شجرة من الزيتون، وهو ما أضفى على الداخل مساحات أكبر زادت علوّ السقف. «لون الشجرة الزيتي انعكس على الداخل ليشكل جزءاً من الألوان الداخلية التي يعتمد عليها هذا الطراز».
وقد امتزجت مع الأبيض للجدران وألوان المعدن والخشب الذي افترش أرض المنزل كلها، ما عدا الدرج الموضوع من رخام tala marron، واستوحي اللون الزيتي للخشب من شجرة الزيتون. ولا بدّ من التوقف أمام هذا الدرج الذي يقود إلى الطبقتين العلويتين لغرف النوم والتيراس، وقد تحول جداره إلى مكتبة على امتداد الدرج، «وبذلك نكون قد استفدنا من المساحة بطريقة فنية وثقافية في آن معاً، فالصاعد إلى الطبقة العلوية يمكن أن يتوقف ويتناول كتاباً من المجموعة الكبيرة الموجودة ويجلس على الدرج ليتصفحه أو للاطلاع على معلومة فيه».
لمسة الطراز الإنكليزي حاضرة في بعض التفاصيل، فباب المنزل بلونه الأسود يذكّر بالبيوت الإنكليزية القديمة، وغرفة الطعام أيضاً من الطراز الإنكليزي بنفحة كلاسيكية أضفتْها الثريا الفاخرة من الكريستال التي تدلّت فوق الطاولة من الخشب الناشف، وكأنه معتّق.
الصالون الكبير مؤلف من مقعدين من القماش الكتان البيج، تتوسطهما طاولة من الخشب المعتّق. وميّزت هذا الركن نافذة مستطيلة على طول الجدار. ويقابل هذه الجلسة مقعد من الجلد الوثير من الطراز الإنكليزي بلونه البني إلى جانب مقعد من القماش البيج الزاهي، على جداره مكتبة من الخشب ضمّت كتباً وأكسسوارات توزّعت داخل المربّعات، تتماشى مع الطراز الـ«فلامان» الذي طبع هذا المنزل بكلّ تفاصيله.
وفي ركن صغير قبالة شجرة الزيتون على الواجهة الزجاجية، جلسة صغيرة مقاعدها أيضاً مزيج من القماش والجلد البني. هذه الشجرة جزء من الهندسة الخارجية للمبنى الذي يضمّ الشقة، وقد لعبت دوراً مكمّلاً في إرساء الطراز المنشود بألوانه من مشتقات الزيتي، التي برزت واضحة من خلال الجدران البيضاء، وقد انعكست على الجسر الكروم والزجاج الذي يربط غرف النوم، حيث وُضع مكتب من «الستينلس» للاستفادة من الجسر ومن موقعه المشرف والمضاء.
وإلى يمينه ويساره غرف النوم. الغرفة الماستر ضمّت صالوناً وغرفة خاصة بالملابس وحمّاماً خاصاً بالمالكين، ألوانها دافئة وفرحة في آن معاً.
غرفة أحد الأولاد لونها أبيض، يضفي الفرح والصفاء عليها ويعطيها اتساعاً نظراً الى صغر حجمها. أمّا الغرفة الثانية المخصّصة للأولاد أيضاً فطغى عليها اللون الزاهي في الجدران البيض والسرير البيج.
وعلى التيراس في الطبقة العلوية، حوض السباحة والجلسة المخصّصة للراحة والاسترخاء، تنقلك إلى مكان بعيد من العاصمة وصخب المدينة، وقد توزّعت الشتول والأشجار الخضر في أرجائها حول المقاعد الوثيرة وحوض السباحة.
هذا في اختصار تصميم وإنجاز هندسي منسوج بخيوط لبقة وأنيقة في قالب من العصرية المحافظة على الكلاسيكية، بخيوطها العريضة، مجسّدة الأناقة بتفاصيلها الدقيقة في نفحة من الرقي والتألق. فما رأيناه ليس سهلاً إنجازه في ظلّ التحدّيات الهندسية للاستفادة من المساحة كاملة، وهذا ما حرص عليه المهندسان، إن في الجسر الذي ابتكراه، أو في جعل حمّام الضيوف مخفياً بفنّ تحت الدرج الذي يقود إلى الطبقة العلوية.
جمالية هندسية لا يُملّ من النظر إليها، محاطة بهالة من الرقي أرخاها موقع المنزل في شارع سرسق الشهير وسط العاصمة بيروت.
كتابة : روزي الخوري