معاناة يومية تعيشها مع كل مساء، عندما يعود ابنها الذي صار متمرداً على كل شيء في الحياة، ويبدأ في افتعال الشجار مع شقيقه الأصغر، الذي يفشل في السيطرة على أعصابه ويتحول الأمر إلى معركة يكون الانتصار فيها للابن الأكبر، الذي بات مثل البلطجي وسط أشقائه.
«صافية»، امرأة بسيطة لا تتمنى من الحياة إلا الستر لثلاثة من الأبناء يعيشون في كنف عائلة رحل عنها الأب من دون أن يؤمّن لهم مستقبلهم، فعانت المسكينة الأمرّين من أجل تعليمهم حتى تضمن لهم حياة كريمة بعيداً من المصير الذي فُرض عليها.
مرت الأيام قاسية على المرأة التي نجحت في تعليم اثنين من أبنائها، في حين كان الفشل مصير الثالث الذي تكرر رسوبه فاضطرت إلى إخراجه من المدرسة والبحث له عن أي حرفة يمتهنها، بعدما تأكدت من أن ما تنفقه من أموال على دراسته قد ذهب سدى، لذا ارتأت أن تصرف على شقيقيه اللذين كانا الأمل بالنسبة إليها.
فشل متكرر
كان من الطبيعي أن يفشل عبدالرحمن في العمل كما فشل في الدراسة، لذا لم يمكث طويلاً حتى نال لقب عاطل عن جدارة، بعد مشاكل عدة رافقته في كل مكان يتردد عليه للعمل بسبب سلوكه غير المتزن. وضع غير مقبول عاش فيه الابن، حيث تخرج والدته كل يوم في الصباح الباكر للبحث عن فرصة عمل شريفة توفر لها القليل من الأموال التي تتيح لها شراء حاجات المنزل من مأكل ومشرب، في حين يظل ابنها نائماً ليستيقظ عند تناول الطعام، ثم يفتعل معها مشاجرة عنيفة ليحصل على بضعة جنيهات تمكّنه من الجلوس في المقهى. على النقيض كان إبراهيم الشقيق الأصغر، حيث يذهب إلى المدرسة شتاءً ويعمل صيفاً، ليتمكن من توفير نفقات تعليمه، من دون إنهاك كاهل والدته، التي باتت لا تقوى على العمل، بعدما أصابتها أمراض التقدم في العمر.
حصاد العداوة
محاولات فاشلة كانت تلجأ اليها الأم لتحفيز ابنها الكبير على العمل، بعقد المقارنات بينه وبين شقيقه الأصغر، من دون أن تدرك أنها ستدفع ثمن ذلك غالياً، حيث زرعت الكراهية في نفسه تجاه أخيه، وبات لا يتردد في افتعال المشكلات معه، لينتهي الأمر بينهما بمعركة يعتدي عليه خلالها بالضرب المبرح لتعويض شعور النقص الذي يراه في عيني والدته. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث قرر عبدالرحمن البحث عن أي مصدر يدر عليه أموالاً تمكنه من الإنفاق على نفسه. وبعد طول تفكير، استقر به الحال على السرقة، حيث تحول إلى لص يسرق متعلقات الآخرين، هذا إلى جانب قيامه بأعمال البلطجة من أجل الاستيلاء على أموال الناس عنوة. لم يمكث الابن طويلاً في طريقه الإجرامي حتى صدر ضده حكمان بالسجن، أحدهما في واقعة سرقة، والثاني في واقعة ضرب، وبات مهدداً بالحبس في أي لحظة، ليزداد عنفاً في تعامله مع شقيقه، الذي بات مغلوباً على أمره إزاء أفعال هذا الأخ الضال. حاولت «صافية» جاهدة تقويم سلوك ابنها، الذي بات لا يطاق، فبعدما كان يمارس البلطجة على المارة في الشوارع، بات يمارسها على شقيقه تارة وشقيقته تارة أخرى، لتقف الأم عاجزة عن التصرف إلا بالدعاء له بالهداية. مرت الأيام ثقيلة على المرأة، وهي لا تجد أملاً في إصلاح ابنها، حتى جاءت اللحظة الحاسمة التي لم تتوقعها في حياتها، والتي كانت كفيلة بإنهاء كل شيء في لمح البصر، حيث بدأ عبدالرحمن كعادته اليومية في افتعال المشكلات مع شقيقه.
معركة النهاية
تطورت الأحداث بين الشقيقين، واعتدى عبدالرحمن على شقيقه بعنف، وكاد يزهق روحه، لتتدخل الأم للفصل بينهما، من دون أن تتوقع رد فعل ابنها، الذي وجَّه اليها سيلاً من السُباب كان كفيلاً بأن يدفعها الى صفعه وطرده من المنزل.
لم يمتثل الابن لأوامر والدته بالخروج من المنزل، بل توجه إلى المطبخ واستل سكيناً وحاول أن يطعنها به ليخرجها هي من الحياة، وسط صرخات ابنتها التي وقفت عاجزة عن التصرف إزاء هذا المشهد الدامي. معركة حامية استمرت بين الأم وابنها وهي تحاول الإفلات من طعناته، نجحت خلالها في إسقاطه أرضاً والاستيلاء على السكين الذي كان بحوزته، ثم أشارت الى ابنتها بإحضار سلك كهرباء لفّته حول رقبته للسيطرة عليه ليفقد الوعي على أثر ذلك.
غيبوبة
ظنت الأم أن ابنها قد دخل في غيبوبة، فحملته إلى فراشه ظناً منها أنه سيستعيد وعيه لاحقاً، ليظل نائماً طوال ليلته، حتى جاء الصباح فذهبت إليه لإيقاظه، إلا أنه لم يستجب لها، فتسلل الخوف إلى قلبها وانهمرت دموعها، بعدما فشلت في العثور على نبضه أو سماع دقات قلبه. تأكدت للأم وفاة ابنها، فانطلقت صرخاتها التي وصلت إلى الجيران، الذين قاموا بإبلاغ رجال الشرطة بوقوع جريمة قتل في منطقة المطرية شرقي القاهرة، من دون أن يتخيل أحد تفاصيل الجريمة، التي بدأت بمحاولة الابن قتل أمه طعناً بالسكين، فقتلته هي خنقاً بسلك الكهرباء من دون أن تدري. محضر الشرطة سجل أن الأم تدعى صافية محمد شعراوي، 51 سنة، متهمة بقتل ابنها عبدالرحمن محمد خلف، 24 سنة، عاطل، ليصدر قرار من النيابة بحبسها أربعة أيام، بعد إفادة تقرير الصفة التشريحية بحدوث الوفاة بسبب «إسفكسيا» الاختناق.
دفاع عن النفس
حالة من الانهيار التام سيطرت على الأم وهي تعترف بأنها كانت تحاول الدفاع عن نفسها بعدما انهال المغدور بالضرب على شقيقه وتطور الأمر إلى مشاجرة حاول خلالها توجيه طعنات عدة قاتلة إليها، لكنها كانت أقوى منه، وتمكنت من صد الأذى عنها من دون أن تقصد إلحاقه به، حتى أنه عندما فقد الوعي كانت تظن أنه كان في حالة إغماء. أقوال الأم أيدتها أقوال ابنتها سارة، 30 سنة، حاصلة على بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية، وابنها إبراهيم 18 سنة، طالب، الذي كان في حالة انهيار، ويتمنى أن يعود به الزمن ليترك شقيقه يفعل به ما يشاء، حتى لا تتورط والدته في قتله.
كتابة : نسرين محمد - (القاهرة)