(العناوين ليست في أصل المقال وقد أضيفت من قبل موقع سماحته)
إليكم نصّ مقال سماحة الشيخ بناهيان على أعتاب ليالي القدر في عام 1437

بسم الله الرحمن الرحيم

1ـ لنشعر بالشبه بين ليلة القدر ويوم القيامة
بتأمل قليل نستطيع أن نشعر بالشبه بين ليلة القدر ويوم القيامة. إن ليلة القدر تشبه يوم القيامة في تحديد مصير الناس، إذ يتمّ فيها محاسبة كل أعمال الإنسان الماضية ثمّ يبرمج لمصيره في المستقبل، مع فارق أن لا يعذب أحد في ليلة القدر ولا يذهب ماء وجهه وتعطى فرصة الرجوع والتدارك، بل تعمّ رحمة الله كل أرجاء العالم.

2ـ لنكن آملين ولا نقنع بالقليل
إن ربّنا الرحيم قد أعدّ ليالي القدر للتعويض عن جميع ما قد ابتلينا به من قصور وتقصير، فلا نيأس من غفران أي ذنب، ولنكن آملين في الحصول على أي حاجة، فلا نقنع بالقليل في دعائنا. أيّ حاجة لم تكن بصلاحنا فسيعوضنا الله عنها بخير منها، فلن يردّ دعاء ولا تهمل حاجة. وإن استطعنا فلنسأله لقاءه وقربه وحسب.

3ـ التلهف على لقاء الله
لقد قال ربنا العظيم: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر). فتعالوا نجعل أحلى ذكريات عمرنا في ليالي القدر، ونبيت هذه الليلة بالتلهّف على قرب اللّه، ولا نفكّر إلا بما يريده منّا.

4ـ ليَكُن المتّقون كالعاصين والعاصون كالمتقين
يجب على المؤمنين المتقين أن يقفوا بين يدي الله بأيد خالية، وكذلك يجب على العاصين أن يدعوا اللّه كالمؤمنين بقلوب مطمئنّة بلطفه وفضله. فلو كان الله يريد أن لا يغفر لنا لما دعانا، ولو كان يريد أن يتشدّد علينا لما ضاعف هكذا في ثواب ليلة القدر وقيمتها.

5ـ كسب محبة الله عبر المحبة إلى الناس
لندع للآخرين ونذكر أسماء إخواننا واحدا واحدا ولا ننس من سألنا الدعاء. فعندما يرى الله محبّتنا إلى الناس، يزدد محبة لنا. لنطهّر قلوبنا من الأحقاد ويعفُ بعضنا عن البعض، ليزداد الله معنا تسامحاً.

6ـ لنكن كراماً
لندعُ لانتصار شعبنا ومجده وعمران بلدنا، فلا نضيّق أدعيتنا في نطاق أنفسنا وأسرنا المحدود، لأن الله يحبّ أهل الكرامة وسعة الصدر من عباده ويلطف بهم أكثر من غيرهم. لندع لمستضعفي العالم ولا سيما للمؤمنين المظلومين في المنطقة، ولنمسح دموع المصابين ونعزّيهم بدعائنا ولندعم المجاهدين في خطوط المقاومة الأمامية بدعائنا.

7ـ مواساة المحتاجين، والعطف على الأقربين
لندعُ من صميم قلوبنا للمرضى ولا سيّما الذين نعرفهم، ولنواسِ الفقراء ونجدّد العطف والرأفة على الأقرباء، ولندعُ لقضاء حوائج إخواننا بكل وجودنا قبل أن يسألونا الدعاء.

8ـ برّ الوالدين، والدعاء لأبينا الروحي
لا نغفل عن أفضل الأعمال في ليلة القدر؛ فلنسأل والدينا أن يبرءونا الذمّة ولنتحبّب إليهم ونسألهم الدعاء بأعين مدمعة. وإن كانوا قد غادروا الدنيا فلنهدِ لهم بعض الخيرات ولندعُ لارتفاع مقامهم ودرجاتهم في الجنان. ثم حريّ بنا أن نسأل أقرباءنا الدعاء وإبراء الذمّة، وندعو لسلامة أبينا الروحي أي قائدنا وإمامنا الخامنئي(دام ظله) ونسأل الله أن يستجيب أدعيته، فقد وصّانا الإمام الصادق(ع) بالدعاء للسلطان العادل. (الأمالي للصدوق/ص338)

9ـ طلب العيشة الطيّبة، وهلاك مسبّبي الفقر
أسألوا الله العافية والعيشة الطيبة. إذ يستحقّ المؤمنون حياة طيّبة، وذلك من أجل أن لا يتورّطوا بالذنوب ويغفلوا عن الله بسبب الفقر وضنك الحياة. وفي نفس الوقت ادعوا لهلاك مستكبري العالم الذين هم المصدر والمسبّبون الحقيقيّون للفقر في العالم.

10ـ الحضور بين الناس
إن كنّا نودّ أن نعبد الله في ليالي القدر في خلوة وبعيدا عن الناس، فلنحضر بين الناس في جزء من الليل، فهو أقرب إلى التواضع ويُحظينا بنور نيّة المؤمنين. فليس بقليل أولئك الذين يتوبون إلى الله في هذه الليالي، فينزل الله رحمته وسروره ورضاه على كلّ من كان حاضرا في ذلك المكان. وليس بقليل العشّاق الذين يرحم الله كلّ من جالس حولهم.

11ـ أدعوا بما تتفاعل معه قلوبكم
ردّدوا الأذكار والأدعية التي تلفت قلوبكم إلى الله أكثر، واقرأوا النصوص التي تقدر على إثارة أرقى مشاعركم واستدارة دموعكم، وإن كانت الدموع ليست بشرط مطلق لاستجابة الدعاء، ولكنّها توفّر أفضل الظروف والأسباب لاستجابة الدعاء.

12ـ اتلوا ما تيسر لكم من القرآن
في ليلة القدر التي هي ليلة نزول الثقل الأكبر والقرآن الكريم، ينبغي لنا أن نقرأ ما تيسر لنا من القرآن الكريم ونرتشف من آياته. إن من أجمل صور تلاوة القرآن، تلاوته في أثناء الصلاة، فلا نغفل من هذه التلاوة التي تجسّد أروع حالات الأدب في التلاوة. فإن لم نكن نحفظ كثيرا منه، فبإمكاننا أن نتلوه بالكتاب.

13ـ التفكّر ومحاسبة النفس
لنعدّ فرصة للتفكّر ومحاسبة النفس. فحسبنا أن يضيق صدرنا من تقصيراتنا ونتحسّر على العمر الضائع، ليضمّنا اللّه إليه ويتحنّن علينا. فإنه يحبّ أن يَجبُر كلّ أعمالنا الماضية.

14ـ التفكير في ساعة الوداع ومراجعة الوصيّة
لنعدّ فرصة للتفكير في الآخرة وساعة الوداع. فلنراجع وصايانا ونأخذ سفرنا الرائع إلى الآخرة على محمل الجدّ. فإن اعترانا خوف أو وحشة، فلنعذ بالله ليطمئننا، لا أن نطمئن أنفسنا بالغفلة والنسيان.

15ـ لا نغفل عن ذكر أمير المؤمنين(ع)
ولنخصّص قسما آخر من فرصة التفكّر الذي هو من أعظم العبادات، بالتفكير في شخصيّة علي(ع) ومظلوميته ومعاناته، ولنسعَ أن لا ننسى هذا الرجل المظلوم وحبيب قلب النبي الأعظم(ص) لحظةً واحدة. فلنذكر مصائبه ونعش آلامه ونطف حول بيته ونحيِ الليلة كلّها بجانب أبنائه المصابين بمصيبته.

16ـ إشعار النفس بالحضور بين يدي الإمام صاحب العصر(ع)
لننتهز كلّ لحظات ليلة القدر، ولنجد أنفسنا منذ الساعة الأولى من الليلة بين يدي الإمام صاحب العصر(عج) وتحت غيث رحمة الله. إن ليالي القدر في الصيف قصيرة، فلنصعّد قابليتنا للانتفاع بها عبر الحمية.

17ـ مشارطة النفس والبرمجة للمستقبل
وفي آخر السحر شارطوا أنفسكم قليلا وعاهدوها على إصلاح النفس في المستقبل. فأعدّوا برنامجا دائميّا ومختصرا للسنة القادمة، واستعينوا بالله على إنجازه. فإن العزم على تغيير السلوك مدعاة لتثبيت التوبة.

18ـ إن ليلة القدر الثالثة هي ليلة الدعاء للظهور
إن كنّا قد خصصنا ليلة التاسع عشر بالتوبة وليلة الحادي والعشرين بطلب الحاجات، فتعالوا نخصّص ليلة الثالث والعشرين بالدعاء لإنقاذ البشر بظهور مولانا الحبيب. فلنخرج من البيت ونخصّص ليلة القدر لصاحب الزمان(عج) الذي هو صاحب البيت. لكي يتسنى لنا أن نقول: «يا صاحب الزمان(عج) لقد خصّصنا لك أفضل أوقاتنا، فخصّص لنا أفضل أدعيتك...»
فإنك عندما تدعو لظهور الفرج من أعماق قلبك، يدعو لك الإمام الحجة(عج)، وعندما تصبّ الدموع على غربته ووحدته، يبكي سيدك ومولاك على محنك ومعاناتك. وعندما تدعو لكشف الضرّاء عن المظلومين والمحرومين بالرغم من كونك في الرخاء والسرّاء، تفتخر بك الملائكة.

19ـ الدعاء لحسن العاقبة والشهادة
وفي الختام فلنسأل الله حسن العاقبة، وإن رغب أحد فليلتمس من الله الشهادة. إنّ الدعاء للشهادة لا ينقص من عمر الإنسان، ولا يؤثر إلا في ازدياد معنوية الإنسان وقوّة روحه، كما يقرّبه إلى سيد الشهداء(ع).

20ـ زيارة الإمام الحسين(ع)
وإن استطاع أحد، فليزر أبا عبد الله الحسين(ع) في جميع الليالي الثلاث، وإن لم يقدر فلينادِ الحسين(ص) من مكانه البعيد ويقل: «صلى الله عليك يا أبا عبد الله» ليكتب له ثواب الزيارة. ثم لنسلّم على جميع شهداء الإسلام الأبطال ولا سيما الشهداء المدافعين عن الحرم ونُهدِ إليهم سورة الفاتحة فإن حياتنا وأمننا مدين لهم.

نسألكم الدعاء
علي رضا بناهيان
18 رمضان 1437