كيف لا أحزن والحياة ماتت
كيف لا أحزن يا ترى
قالوها كثيراً كثيراً
وكنت أقول لهم سأرى
تمر الأيام وأنا على حالي
فيسخرون من تعلقي بماضٍ جرى
كيف لا أحزن وقد منحت حياتي
ونبضاتي ودقاتي وآهاتي ودمعاتي
وعبراتي وقصيداتي ومعاهداتي
لمن تخلى عنها بسرعة المماتِ
كيف لا أحزن وقد تحطّمت أحلامي
وتكسّرت أقلامي وتناثرت أجرامي
وتدفّقت آلآمي وتشتّت أمامي
وتكرّرت أسقامي وتقطّعت أنغامي
كيف لا أحزن والشّمس غابت
والشّموع ذابت والأقدار لانت
والنّهاية حانت والبداية كانت
والطّريق ضاعت والعودة استحالت
والحياة ماتت
كيف لا أحزن والحبيب باع
والعمّ ضاع، والقلب جاع
والجسد ارتاع والنوم كيل بالصّاع
والقبر بالمزاد أصبح يُباع
كيف لا أحزن واللّيل أصبح نهار
والجار هجر الجار
والطّير من عشه طار
والحليم بحالي حار
وفاتني وسبقني القطار
واخترق قلبي ألف مسمار
وجسدي من الحُمّى أصبح نار
والمسلم بعهده أصبح من الكفّار
كيف لا أحزن والحزن يستّمد حزنه منّي
والقدر يتعلّم القدرة منّي
والصّبر يتعلّم الصّبر منّي
والقلب يتعلّم الحبّ منّي
والوفاء يتعلّم الوفاء منّي
والحبيب يتعلّم الحبّ منّي
والذّكي يتعلّم الذّكاء منّي
والغبيّ يتعلّم الغباء منّي
والمخدوع يتعلّم الخداع منّي
والناسي يتعلّم النسيان منّي
والمتذكّر يتعلّم التّذكر منّي
والحياة تتعلّم الحياة منّي
والفناء يتعلّم الفناء منّي
ومنّي لا لا لا تتعلّم منّي
كيف لا أحزن والأصدقاء رحلوا
وتخلوا وهجروا ونسوا
وتناسوا وخدعوا وغدروا وخانوا
وبقيت وحيداً أقول يا ليتهم ما كانوا
كيف لا أحزن والحقيقة مكذوبة؟
والهدية مردودة
والبسمة مسلوبة
والحقيقة محدودة
والأحبّة محجوبة
والقلوب مقلوبة
والأعناق مشدودة
والشّرايين مشوبة
والدّماء مجرودة
والحياة مسبوبة، أسأل، أسأل: أين اليقين؟
فلا أجد سوى الغدر الدّفين
من تلك النّفس
والرّوح والجسد والقدر
والحبّ والعشق والوله
والزّمان اللّعين
لا تستديري يا عين
لا تبحثي عن أحد
فالمكان غير صالح لعيش الآدمين
فليس هنا غير
الوحوش والأشباح والأشجار
والرّمال والرّياح والجماد والقوارض
و، و، و، و ...
وهذا البيت المهجور
الذي يسكنه ذلك النّحيل
الباكي
الجائع
المتعطّش
لكأس الحنين
ذلك المنحني
المتقوقع
المُضَّجع
على ذكرياته
على أوجاعه
على كلماته
صاحب القلب الحزين