"المصيبة" التي تحولت لأشهر حلوى جزائرية رمضانية.. تعرف على قصتها مع الاستعمار الفرنسي
على بعد 40 كلم جنوب العاصمة الجزائر، تستقر على سهول متيجة مدينة بوفاريك، التي يقصدها خلال شهر رمضان عشرات الآلاف من المواطنين من مختلف بقاع البلد.
هدف كل هذا العدد شراء حلوى تشتهر بها المنطقة منذ سنوات، ويطلق عليها "زلابية بوفاريك"، والتي ذاع صيتها ليس فقط بالجزائر بل حتى في المهجر وخاصة بفرنسا.
المدينة محاصرة بالعجين الأبيض والعسل
خلال الرحلة التي قادتنا إلى مدينة بوفاريك الجزائرية، انطلاقاً من العاصمة نحو المدخل الجنوبي للعاصمة، وجدنا عشرات المحلات المختصة في بيع "زلابية بوفاريك".
ولأن عدد الوافدين إلى المكان كبير، قررنا تغيير الوجهة إلى مدخلها الشمالي، لكن الصورة كانت نفسها بل وبعدد زوار مضاعف، والقاسم المشترك بين المكانين، العجين الأبيض والعسل اللذان يزينان المكان على طول أيام رمضان.
وإن كان البعض يعتبر تجارة "زلابية بوفاريك" موسمية يختص بها السكان هناك في شهر رمضان، فقد علمنا أن هناك محلات تعمل في صناعة وبيع هذا النوع من الحلويات طوال أيام السنة.
من كل الأقطار قدموا
ونحن نجوب المكان، رصدنا أرقام السيارات ، فوجدناها تعود إلى أكثر من 11 ولاية كاملة ومن مختلف الجهات، قصدت كلها المكان من أجل اقتناء "زلابية بوفاريك"، وإن كان البعض كان عابر سبيل، فإن العدد الآخر قاده الفضول لمعرفة خبايا هذه الحلوى.
مهدي قادري، مواطن من ولاية سطيف التي تبعد عن بوفاريك بنحو 400 كلم، يؤكد لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن سمعة المنطقة في إنتاج "الزلابية" جعله يأتي برفقة زميله لشرائها.
وإذا كانت هي المرة الأولى التي يقصد فيها المهدي لاقتناء هذه الحلوى، فمراد جلالي من بومرداس 150 كلم عن بوفاريك، يؤكد لـ"هافينغتون بوست عربي" إنه دائم القدوم لاقتناء زلابية بوفاريك.
ويقول مراد "بحكم قربنا من المنطقة، نحبذ شراء الزلابية من موطنها، رغم وجود البعض هناك في ولايتنا يحاول صناعتها وبنفس المواصفات، لكن زلابية بوفاريك لها ذوقها ونكهتها".
أما سعيد شنافو من ولاية تلمسان 550 كلم عن العاصمة، فيؤكد بأنه يأتي لاقتناء زلابية بوفاريك كل نهاية أسبوع، كونه يعمل بالعاصمة ويعود إلى تلمسان مساء كل خميس.
قصة المصيبة
تعد عائلة عكسيل ببوفاريك، أول من صنع هذه الحلوى، وإلى يومنا هذا ما زال محل عكسيل مختار، الأكثر شهرة في مدينة بوفاريك، ويقال إن الزلابية التي يصنعها فريدة من نوعها.
عكسيل زهير حفيد مختار يؤكد لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن 4 من أقربائه ورثوا صناعة هذا الحلوى منذ ما يزيد عن 300 عام، وكلهم يعملون بنفس الوصفة المتوارثة.
ويروي الأجداد حسب زهير الطريقة التي ولدت بها "زلابية بوفاريك"، حيث كانت في زمن بعيد إحدى ربات البيوت بصدد تحضير خبز محلي "مطلوع"، لكن لسوء حضها العجينة كانت سائلة ما جعلها تصرخ "زلابيا".
"الزالا" بالدارجة الجزائرية تعني المصيبة أما "بيا " فتعني بي أنا ، وبجمع الكلمتين يشتمل معنى "مصيبة حلت بي"، ثم قانت بقلي العجينة وتقوم بإضافة بعض المحتويات قبل غمسها في العسل.
ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه الحلوى تسمى بـ"الزلابية"، واشتهرت أكثر في موطنها "بوفاريك".
الوصفة السحرية "مخفية"
سر صناعة حلوى "زلابية بوفاريك" ولذتها الكبيرة بقي مع مر العصور، مقتصراً على عائلة عكسيل ببوفاريك، بالرغم من وجود المئات اليوم الذين يقومون بصناعتها في عدد من المناطق.
وفي هذا الصدد يعتبر زهير عكسيل، أن وصفة صناعة زلابية بوفاريك بقت على مر القرون سراً دفينا لدى أحفاد العائلة.
مراد جلالي من بومرداس، يؤكد أنه تذوق زلابية بوفاريك المصنوعة من قبل عدد كبير من صناعها، لكن الزلابية التي يصنعها عكسيل يبقى ذات مذاق خارق للعادة ويجهل السر في ذلك كما قال.
الاستعمار الفرنسي
يقول بلال بارة الباحث في التاريخ الجزائري، إن السلطات الاستعمارية الفرنسية خلال حرب التحرير فرضت على المساجين حصاراً حتى على "المعدة"، بحيث منعت نقل الطعام الكثير للمساجين من قبل ذويهم.
عائلة عكسيل حسب الباحث كان لها ابن بسجن سركاجي بمنطقة الحراش بالعاصمة، وتقوم في كل مرة بإرسال زلابية بوفاريك داخل القفة دون إضافات كثيرة.
وبعدما تذوقوها المحاربون، أحسوا بطاقة زائدة، وأيقنوا بأن لزلابية بوفاريك طاقة لمقاومة الجوع وباتوا يطلبونها في كل مرة بدلاً من عديد المأكولات والأطباق الأخرى.
وبالتالي تكون الزلابية في نظر بلال بارة، قد هزمت الإجراءات الصارمة التي كانت تعتمدها السلطات الاستعمارية الفرنسية حينها.
منقول