الخيط الرفيع
لا شيء يبلل النفس سوى الأمل ..وحتى إن كان ضئيلا..
لا بأس أن نجتهد في سقيه بكل ما يورقه من جديد..
وأكيد أن هناك فسحة من نور بداخلنا ،علينا أن نسعى
جاهدين حتى تبقى مشعة ولا تنطفىء مع أول مشكل يباغتنا..
لأن الضياء ينام دائما بين جنبات الظلام.. فهما ضدان
لا يفترقان .. و كم يجهضه النور أوراقا ذاوية
رغم كونه لا يبعث فتيا إلا من رحم ليل دامس
سيعانقه ولو بعد حين..!!
فالحياة لا تتوقف عند أول مشكلة
كما أنها لا تخلو أبدا من مغبات المآسي والأحزان..
فهي كالنهر الهادرالذي قد يجرف معه أحجارا ..وقد يجرف
معه أزهارا ..وهي كالنهر السخي أيضا
والذي قد نصطاد من مياهه العذبة أسماكا لذيذة ..
كما يمكن أن تباغتنا منه بعض الأفاعي السامة ..وفي
كلتا الحالتين هو نهر عذب لايمكن أن نرتوي منه
مهما شربنا ..
ولأن النفس هادرة صاخبة حينا.. وهادئة مبتسمة
أحيانا ..تحب الحياة ، وتتشبث بها ..فهما كقنينتين تنضحان
بذات العطر.. لذلك لا ترتوي النفس من نبع الحياة
حتى وإن تعكر صفوه..!!
ولا تتعب الحياة من مشاغبة النفس حتى وإن كانت
في رغد وسعة من العيش..!!
ونبقى معشر البشر كلما شربنا من ماء الحياة ظمئنا أكثر ..!!
وسنبقى نحمل ظمأنا على أكتافنا قرابا مطوية حتى آخر
العمرالذي مهما طال يبقى قصيرا ..لأنه فعلا كذلك ..
ما دامت الأعمار تقاس بالعمار..
فماذا أنجزنا لنتباهى بطول أعمارنا .. ؟!
وكم لبنة أضفنا لسور الحياة حتى نعتبر أنفسنا
قد مررنا بجسرها يوما..؟
أومَن يترك القفار وراءه ..كمن يترك الديار ..؟
سؤال لا بد أن نضعه نصب أعيننا ونحن نبحث عن ورود
أعمارنا أين ذوت..
أعود دائما إلى جدتي.. ولكن هذه المرة ..جدتي لأبي التي
سأتحدث عنها في عقدي هذا
من بين أجمل ما أذكره .. أنها كانت كلما التقت بنا سألتنا
عن عمرها ..
هي لم تكن تنسى شيئا ..عكس جدتي لأمي..
ولكن العمر بالنسبة إليها كان مشكلة كبيرة
كانت تقول دائما لقد عشت كثيرا ..رغم كونها توفيت
على مشارف الستين..!!
اليوم يقولون أن المرأة لا تحب البوح بعمرها ..!!!
وعندما أتذكر جدتي لأبي لا تبدو لي هذه المقولة
صحيحة أبدا..
لأنني أرى العمركالعقد الثمين الذي تزداد قيمته بعدد خرزاته
التي لا نستطيع فصلها عن بعضها ..حتى لا نمزق
خيطها الرفيع
وكل خرزة منه تحمل ذكرى عزيزة لا يمكن أن نسقطها
بأيدينا في لحظة تجمل ..
لنلغي معها ذكريات أجمل من أن نضع مكانها فراغا يبقى
حلقة مفقودة بعقدنا الذي نريده ثمينا بوزنه..
أنيقا بعدد خرزاته..