قبل كل شيء، إن العبودية والحرية هنا ليستا بالمعنى الشرعي المتعارف عليه، حيث العبد ويقابله الحر،
العبد أو القن أوالأَمة يباع ويشترى والحر ليس كذلك، وفق قواعد واحكام فقهية سطَّرها الفقهاء في كتبهم على اختلاف بينهم في الكثير من المسائل والموارد، فالمصطلح الشرعي هنا غير وارد .
أيضا، الحرية هنا ليست بالمعنى الكلامي، فقد أثيرت مسالة الجبر والاختيار في تاريخ الفكر الاسلامي لأزمان طويلة، واستغرقت جهود ا مضنية، الجواب على السؤال الذي مفاده (هل الانسان مخيَّر أم مجبر)، تحول الى لغز كلامي معقد مازال قائما لدى المفكرين الاسلاميين من ذوي النزعة اللاهوتية الكلامية الفلسفية، وقد تسبب وما زال يتسبب في الكثير من المشاكل الفكرية والسياسية والاجتماعية، والامام لا يتحدث عن الحرية هنا بالمعنى الكلامي ....
إذن ما هو المجال الذي تنتمي إليه العبودية والحرية في قانون الامام هذا؟
اتصور إن الامام ينظِّر للعبودية والحرية هنا بلحاظ المجال الاجتماعي، إنهما مصطلحان موضوعيان، الحرية الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية والمذهبية، الحرية التي يناضل من أجلها الناس اليوم في مكان من العالم، والعبودية تعني هنا الاتباع الاعمى، الطاعة العمياء، في الفكر والسياسة والعمران والذوق والاتجاه والدين وما إلى ذلك من ممارسات ومواقف حياتية لا يمكن عدها أو احصاؤها .
فمراد الامام في قانونه هذا هو الحرية الفكرية مقابل الاتباع الفكري بلا دليل وبلا روية، الحرية السياسية مقابل التبعية السياسية جهلا أو تعصبا أو اعجابا باسباب خارجة عن حريم الموقف السياسي بحد ذاته، الحرية الدينية مقابل التقليد الديني ...
الحرية ...
الاستعباد بكل ألوانه واشكاله ....
إنهما طرفا المعادلة في هذا القانون العلوي الخالد، قانون علي بن أبي طالب عليه السلام .
وفيما يقول: (وقد خلقك الله حرا) لا يقصد أن الله جبلنا على الحرية، فلو كان ذلك حقا لا ينهانا أن نكون عبيدا، لان الجبلة لا تنفك عن مجبولها، فمن غير المنطقي أن تطلب من الانسان أن لا يكون ناطقا، لان الناطقية بالنسبة للانسان جبلة كما يقولون في المنطق والفلسفة الكلاسيكين، وبالتالي، فإن قوله: (وقد خلقك الله حرا)، له تصريف آخر ...
فما هو؟
إنه تعبير رمزي أو معادِل لقوله أن الله سبحانه وهبك الحق بالحرية، وبالتالي، ليس لك الحق أن تكون مستعبَدا، طوعا أو كرها، إن ا لله لم يجبلنا على الحرية، ولم يهبنا حق الحرية، بل وهبنا الحق بالحرية ... الحرية مقابل الاستعباد والتبعية والتقليد ...
وفيما وهبك الله الحق بالحرية فلا يحق لك أن تكون عبدا، إنك في هذا الموقف تجافي نعمة الله عليك، بل تخالف ما يريده الله لك، فالله يريدك حرا وانت تريد لنفسك أن تكون عبدا ....
ثم ....
وفي ضوء هذا البيان : ـ
الحرية تُؤخذ ولا تُعطى...
منقول