اثبات وجود الله
#البحث منقول دون تصرف:(البحث نستطيع ان نقول انه متكامل نسبيا وهو جميل جدا مصحوب بأحدث الاشكاليات والنظريات والرد عليها)
موضوعنا فلسفي علميّ ، وهذه الحلقة الأولى منه ، يُقال في الفلسفة : أن أطول طريق فيها بين نقطتين هو أقصر طريق في محاولة فهمه .. بمعنى لو أراد الانسان أن يفهم مفهوم فلسفي صعب جداً ، فإن أطول طريق لفهمه هو الذهاب اليه مباشرة ومحاولة سلوك طريق مختصر ، يختصر له الامر بعشرين سطر مثلاً ،هنا لن يصل الانسان، لأن الطريق الصحيح هو أن يتقدم الانسان في الفلسفة كما يتقدم على السلّم ، درجة درجة .. ونحن في موضوع الحديث عن وجود الله امام مطلب فلسفي صعب وهذه رزيتي ، فساُحاول أن أجمع بين الاختصار وعدم فقدان الموضوع زبدته وأهميته .. #المهم :
لماذا البحث في وجود الله او عدمه ، او بالتعبير الذي يكتبه دوكنز[1] في وهم الاله حين أرى حديقة جميلة ، فلماذا افترض ان هناك من الجن من يقف خلفها دون ان استمتع بها وحسب ؟! بمعنى اننا لماذا لا نحاول الاستمتاع بهذه الحياة وندع فكرة وجود الله او عدم وجوده تذهب الى الجحيم ؟ لدينا من العلم ما يكفي ، ومن المنظومات الفلسفية والأخلاقية ما يفيض عن الحاجة .. ندير اقتصادنا بمعرفتنا ، ونجيد الزراعة والصناعة والتقدم العلمي كمجتمع انساني فما وجه البحث في هل ان الله موجود او لا ؟ وما هي الحاجة .
فهم هذا السؤال وجوابه هو اساس الانطلاق للحديث عن وجود الله ، فإن كان لا حاجة للبحث عن الله ووجوده فلابد ان تُرفع الصحف اذ سيُعد البحث هنا من الترف الفكري ، ولكن :
الانسان منا يولد في الكرة الارضية على اختلاف مشاربها وعقائدها ، وتتناحر في تحديد مصيره فكرتان في غاية الأهمية ، تتصارعان بعنف ولكل واحدة منهن دليلها وحُججها .. فكرة وجود إله - بغض النظر عن صفاته - وحياة ابدية بعد الموت يسعد فيها الانسان او يتعس بحسب الطريق الذي اختطه لنفسه في هذه الدنيا ، وفكرة عدم وجود إله وما بعد الموت الا العدم ، وبتعبير القرآن : وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر[2] .
وطالما ان احد هذين الاختيارين سيحدد مصير الانسان بعد الموت فلابد للإنسان أن يأخذ الأمر على محمل الجد ويترك العباطة في مواجهة هذه المسألة ويبدأ بالتحقق ليصل الى صحة إحداهن ، فنحن هنا لا نتحدث عن الوقوف امام حديقة جميلة كما يكتب لنا الظريف دوكنز ، بل يقف الانسان هنا امام تحديد مصيره الابدي ! ولا مجال للمزح في هذا ، فتأمل..
اذ الانسان منا لا يشرب الماء الذي في يده مثلاً اذا احتمل وجود السم - والسم هنا إشارة الى احتمال وقوع الضرر - فيه دون ان يتحقق ، حتى لو كان الاحتمال ١٠٪ ، وقد يؤثر ان يبقى عطشاناً على ان يشرب اذا لم يمكنه التوصل الى الواقع في حال الماء ، لان خطوة شرب الماء هي خطوة مصيرية هنا ، اما ان ترتوي وأما ان تموت .. هنا لا يبقى مجال للمقامرة أو الاقدام دون اهتمام بالتحقيق والفحص ، الا من كان لا يأبه لمصيره ، ومن حق الانسان ان لا يأبه لمصيره لكن عليه أن يستعد لتحمل النتائج
. فعلى هذا الأساس نحن نسأل هل هناك إله ؟ كي نعرف بعد الجواب الطريق الذي سنسلكه ونتحمل نتائجه .
#إذاً – وأرجو من القارئ أن يُدقق في قرائته لهذا المقطع جيداً جداً - فنحن نبحث في هذا السؤال : هل الله موجود .. لا لسد الفجوات [3] التي لا نتمكن من تفسيرها علمياً في وصفنا لهذا العالم فنُرجعها لخالق خارق ، ولا لاثبات سند مفارق تنضبط به القيمة الأخلاقية [4] كما كان يقول بهذا عدد من الفلاسفة كـ "كانط" وكما أكدّ دوستوفسكي غير مرة من " إذا لم يكن هناك الله فكل شيء مباح " .. كلا .. وانما لنُجيب عن السؤال اعلاه الذي سيتحدد به مصيرنا وسعادتنا او شقائنا فيما بعد .. حتى وان كانت المنظومة الاخلاقية تتحدد بتحديد وجود الله . .. اُكرر تنبيهي أن هذا المقطع بالذات بحاجة الى القراءة بدقة كي لا يُفهم خطأً .
وفي مستوى آخر نسأل : كيف يكون الحديث عن الله ؟.. بعد التحقق والبحث ساُخبركم هنا أن البحث في وجود يكون على مرحلتين : المرحلة الأولى البحث عن وجود الله كوجود ، لا كشيء له صفات .. وأقصد البحث في هل أن هناك إله يقف خلف ستار هذا العالم ، أو لا .. أما كيف يكون هذا الاله ، هل هو جسماني او لا ، هل صفاته تتطابق مع إله النصارى او اليهود او الشيعة او السنة او غيرهم فهذا ما تتولاه المرحلة الثانية من البحث ، وهذه المرحلة لا أتطرق لها في هذه الحلقات بغية أن تكون الكتابة ممنهجة وفي مسار واحد وليس على طريقة : شوّت والله كريم
. لذا سنتحدث في المنشورات القادمة عن الله كوجود ، هل هناك إله ام لا .. وهل يُمكن للانسان أن يتحدث عن إله مُطلق والإنسان بالتالي محدود مهما بلغ من العظمة ؟ فهذا ما سأتحدث فيه في آخر حلقة هنا بعنوان : هل سنعلم ؟ .. ام سنعرف فحسب ؟
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
الحلقة الثانية : اقسام الاستدلال على الله بين البديهي والنظري .
تحدثنا في الحلقة السابقة عن سبب طرح هذا التساؤل وجوابه وما مقدار أهميته ، وبهذا أجبنا على ستيفن هوكينگ الذي يرى ان طرح سؤال هل الله موجود او لا سخيف ولا أهمية له .. وسيأتي دور لورانس كراوس في الحلقة الخامسة الذي سقط سقوطاً مدوياً في "كون من لا شيء" .. وسنرى بالأدلة .
#المهم :
ينقسم طريق معرفة وجود الله بشكل عام جداً الى البديهي والنظري ، البديهي هو ما يُدرَك بالبداهة بلا حاجة الى الاستدلال وإقامة الحجة والبرهان .. أما النظري فهو ما يحتاج الى الاستدلال والبُرهان او كشف ما لكي يُدرك .. والحديث في هذه الحلقة عن توضيح البديهي
المسلمون الأوائل كانوا يتعاملون مع قضية وجود الله على انها مسألة بديهية مفروغ منها ولا حاجة للاستدلال عليها ، حتى القرآن لم يستطرد في اثبات وجود الله بل قال " أفي الله شك ؟ " وهذا ما نجده أيضاً في كلمات أمير المؤمنين والامام الحسين عليهما السلام وغيرهما .. كقول الامام الحسين ع في دعاء عرفة " متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصلُ إليك .. " وذلك ان الانسان ما ان يعي نفسه ومن حوله سيُدرك بفطرته ان هناك خالقاً و" إله " .
تمام ، اذا كان وجود الله بديهي ، فلم الاختلاف بين الناس عليه ؟! .. ساُجيب لكن بعد أن أذكر لكم ان اكثر علماء الأخلاق وممن كتب في طريق الوصول الى معرفة وجود الله معرفة فطرية بديهية يرى ان الانسان اذا تخلى عن رذائل الصفات والافعال ، وتحلى بمحاسن الأخلاق وجميل الأفعال ونظّف مرآة قلبه ونفسه بالرحمة والحب والتواضع والنبل وما شابهها ونزهها عن أدران الكراهية والحسد والخبث واللؤم وما دار مدارها فإن الأنوار الالهية ستُشرق في قلبه وسيكون صفاء نفسه وطيب سريرته دليلاً الى الله والمعرفة بوجوده .
يقول صدر المتألهين ( محمد بن ابراهيم الشيرازي صاحب كتاب الحكمة المتعالية الفيلسوف الكبير الذي يُعد بمثابة " أبو " الفلسفة الاسلامية التي لدينا الآن والمعروف بـ ملا صدرا ) : " ان معرفة الله تعالى و علم المعاد و علم طريق الآخرة ليس المراد بها الاعتقاد الذي تلقاه العامي أو الفقيه وراثة و تلقفا فإن المشغوف بالتقليد و المجمود على الصورة لم ينفتح له طريق الحقائق كما ينفتح للكرام الإلهيين و لا يتمثل له ما ينكشف للعارفين المستصغرين لعالم الصورة و اللذات المحسوسة من معرفة خلاق الخلائق و حقيقة الحقائق و لا ما هو طريق تحرير الكلام و المجادلة في تحسين المرام كما هو عادة المتكلم و ليس أيضا هو مجرد البحث البحت كما هو دأب أهل النظر و غاية أصحاب المباحثة و الفكر فإن جميعها ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ بل ذلك نوع يقين هو ثمرة نور يقذف في قلب المؤمن بسبب اتصاله بعالم القدس و الطهارة و خلوصه بالمجاهدة عن الجهل و الأخلاق الذميمة و حب الرئاسة و الإخلاد إلى الأرض و الركون إلى زخارف الأجساد... ". انتهى
اما لماذا نختلف إذا كان الطريق لمعرفة الله بديهي ! .. وهنا ساُقدم جوابين : أولاً : اختلاف الطبيعة البشرية ومستويات الذكاء ، واختلاف التراكمات المعرفية والنفسية للانسان حسب اطلاعه وتجاربه من شخص لآخر تدفع لان يكون الأمر البديهي عند شخص ما ، هو نظري عند شخص آخر .. فما يُدركه زيد بالبداهة ، ليس شرطاً أن يُدركه عمر بالبداهة أيضاً .. للإختلاف الواقع بين الناس ..وهذا ما يكتبه علماء المنطق أيضاً في حديثهم عن البديهي والنظري .
ثانياً : الامور البديهية يسهل اداركها وفهمها عادة لوجود أضدادها وتميزها عنها ، فنحن نُدرك الضوء ووجوده بلا حاجة لأن نقيم البرهان على وجوده ، وما يُسهّل لنا ادراك الضوء بالبداهة هو وجود ضدّه الذي هو الظلام .. وهكذا الكثير من المفاهيم البشرية والمشاعر ، يسهل ادراكها بديهياً لوجود اضدادها .. فلم يُفكر في ذات يومٍ أحد منا باقامة البرهان على وجود عقله قبل أن يقول أنا عاقل ! .. لأن وجود الضد ، الذين هم المجانين وتصرفاتهم وسلوكهم ( المجنون الذي هو ضد العاقل ) دليل على عقلنا وعدم جنونا .. ( طبعاً هذا مجرد مثال ، والمثال كما هو معروف يُقرب من جهة ويبّعد من ألف جهة فُخذ مقصودي من هذا المثال ولا تذهب لغيره )
هنا ولأن الإله – اذا كان موجودا ( وأقول اذا كان موجودا بلسان حال المحايد هنا )- لا ضد له ( باعتباره إله ، ولو وجدَ ضد له لما كان إله ) فإنه يصعب في كثير من الأحيان إدراكه كاملاً بالبداهة .. فالاشياء البديهية معروفة باضدادها والاله هو من سنخ من لا ضد له .. وهنا أقول بكل صدق : لو كنتُ لا أدرياً أو محايداً في قضية وجود إله أو عدم وجوده ، فإنني سأقول : لو كان هناك إله سيصعب إداركه كاملاً بالبداهة – أقول يصعب لا يستحيل - لعدم وجود ضدّه . ( أرجو مراعاة الاقواس والشارحة والفارزة والنقطة وكل التفاصيل في المقطع السابق )
ومن ما تقدّم أعلاه نلمس جواباً لمن يسأل : لماذا يجعل الله – اذا كان موجوداً – نفسه مُعقداً الى هذه الدرجة ، لماذا لا يظهر لنا وينهي الصراع القائم في وجوده أو عدمه ؟.. وجواب هذا قد تقدّم .. فالأشياء تدرك بسهولة جداً لوجود أضدادها ، والإله لا ضد له .. فلا يمكن ان يكون اداركه لمن ينكره سهلاً وعلى طريقة : ليُظهر لنا نفسه . او كما حدّث القرآن " لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة " ( في حلقات اخرى بعد ان تنتهي هذه الحلقات ساُفصل اكثر لماذا لا يمكن ان يظهر الله جهرة لكن من زوايا بحثية اخرى غير هذه )
ننتقل الى خندق آخر قد يأتي فيه سؤال مهم جداً جداً : اذا كان وجوده بديهي ، فلماذا يكون الاستدلال عليه صعب جداً ؟! .. الجواب : إن أصعب استدلال نظري هو الاستدلال على الواضحات جداً .. لذا يُقال : توضيح الواضحات من أعقد المشكلات .. وبيان هذا : مثلاً ان حل مبرهنة رياضية معينة أسهل بكثير من اثبات أن 1+1=2 .. إذا سألنا أحد ما الذي يُثبت أن 1+1= 2 ؟؟
وهذا لأن 1+1=2 واضح جداً ، والقيام ببرهان رياضي او فلسفي لاثبات هذا سيكون صعب جداً ، لذا اسهب عدد من الفلاسفة الغربيين والشرقيين في حديثهم عن : ما الذي يُثبت ان كل ما نراه الآن ونعيشه ليس حلماً .؟ .. ودار الصراع بينهم ، لأنها مسألة واضحة ، وتوضيح الواضحات من أعقد المشكلات لأن الكاشف لابد أن يكون أوضح من المكشوف عنه ، فإذا وصلنا الى اوضح شيء ، فكيف نجد كاشفاً ودالاً عليه ؟! .
في هذا الصدد يقول الامام الحسين في دعاء عرفة : أيكون من الظهور لغيرك ما ليس لك حتى يكون هو المُظهر إليك ؟ " ويقول " كيف يُستدلُّ عليك بما هو في وجوده مُفتقر إليك ! " .. ويقول السجّاد " بك عرفتك وأنت دللتني عليك " .. وغيرها الكثير .
ولمن يريد أن يتوسع أكثر في مجال الحديث عن عدم وجود ضد للإله فإن هناك بحث أعمق واوسع يجري بالاعتماد على قاعدة " بسيط الحقيقة كل الاشياء " وهذه قاعدة يعرفها أهل التخصص في الفلسفة لا احب الاسترسال فيها هنا .. ربما سأكتب عنها في حلقات اخرى تتناول غير موضوع هذه الحلقات.
بهذا الاختصار الظالم اُنهي الحديث عن الطريق البديهي او الفطري في معرفة الله ..لننتقل الى الاستدلال النظري في الحلقة القادمة ( الثالثة ) وهو الأمر المعني في هذه الحلقات أكثر من غيره .
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
الحلقة الثالثة : عرض الاستدلال على وجود الله .
وفيه : من خلق الله ؟!
تنبيه : هذا المنشور بحاجة الى دقة اكثر من الطبيعية لأننا سنسبر أغوار بحث فلسفي سقط فيه سارتر وراسل على عظمة عقولهم !! اي بشرفي
سأتطرق اليوم لبرهان واحد فقط ، مراعياً بذلك ضيق المساحة التي يوفرها منشور الفيسبوك ..
اُنبّه مرة اخرى اننا نتحدث عن وجود إله لهذا الكون ، اما ما هي صفاته وهل هو إله النصارى او اليهود او إله القرآن فهذا ما تتكفله مراحل اخرى من البحث سأعرضها فيما بعد كما ذكرت في الحلقة الاولى .
وفي الحديث عن اثبات وجود إله لهذا الكون نقول : كل حادث مُحتاج الى علّة في الإيجاد ، والحادث هو الموجود المسبوق بعدم ، يعني كل ما يخرج من العدم الى الوجود يحتاج الى علّة توجده .. ركز معي جيداً في معنى الحادث المُستخدم هنا في البرهان الفلسفي ، لان الخلط الذي وقع في فهم هذه الكلمة قاد فلاسفة وعلماء فيزياء كبار الى الخطأ في نقض هذا البرهان .. وسنرى في الحلقة الرابعة والخامسة .
#المهم بما ان كل حادث مُحتاج الى علّة في الإيجاد فسيكون الأمر كالتالي : كل الموجودات التي نراها إبتداءً من الجسيم الذي قد يظهر لك من العدم في عالم الكم والى اكبر مجرة هي موجودات مسبوقات بعدم ، وكل مسبوق بعدم - الذي يسمى في الفلسفة حادث - يحتاج الى علّة في الإيجاد .. فسلسلة العلل اما انها مستمرة الى لا نهاية رجوعاً .. وأما انها تنتهي الى موجود ما غير مسبوق بعدم ، هو موجود بنفسه اصلاً وموجِد لكل شيء غيره .
سنبسط الأمر كالتالي : لنرمز الى الكون بحرف الـ a لكي يظهر a الى الوجود من العدم فهو مُحتاج الى b كعلّة في الإيجاد ليظهر .. ولكي يظهر b من العدم فهو بحاجة الى c كعلّة في الإيجاد ، ولكي يظهر c من العدم فهو بحاجة الى d كعلّة في الإيجاد .. لأن كل مسبوق بعدم مُحتاج الى علّة لكي يوجد .
هنا اما ستنتهي سلسلة المعلولات والعلل هذه الى موجود غير مسبوق بعدم ، وغير المسبوق بعدم لا يحتاج الى علّة في الإيجاد لانه موجود اصلاً ..
وأما ان هذه السلسلة ستستمر الى لا نهاية ، وبهذا يبقى a في العدم ولا يظهر الى الوجود ، لماذا ؟
لأن a لكي يظهر a الى الوجود من العدم فهو مُحتاج الى b كعلّة في الإيجاد ليظهر .. ولكي يظهر b ليوجد a من العدم فهو بحاجة الى c كعلّة في الإيجاد ، ولكي يظهر c ليوجد b من العدم فهو بحاجة الى d كعلّة في الإيجاد وهكذا تستمر السلسلة الى لا نهاية ويبقى a المسكين معدوماً ولا يظهر الى الوجود أبداً .
ولكن بما ان a موجود - a الذي رمزناه للكون - فهذا يعني ان سلسلة العلل والمعلولات انتهت الى موجود ما ، هو موجود بنفسه وموجِد لكل ما بعده ، موجود هو علّة أولى تقع في أول قائمة العلل والمعلولات .. لأننا لو قلنا ان سلسلة العلل لا ترجع الى حد ما بل تمتد الى لا نهاية فهذا يعني اننا الان عدم محض ولن نخرج الى الوجود أبداً . وهذا خلاف الواقع .
بهذا البرهان يثبت لدينا ان هناك علّة موجودة بنفسها وموجدة لغيرها .. أنا سأدعي ان هذه العلّة هي الله .. لكن البرهان اثبت وجود علّة غير مسبوقة بعدم ، فكيف عرفنا ان هذه العلّة هي الله ؟ ساُثبت هذا في الحلقة السادسة ولكن لنحافظ الان على وحدة الموضوع فنقول :
هذا البرهان اثبت وجود علّة أولى موجودة بنفسها وموجدة لغيرها .. وهذا البرهان نفسه يُجيبنا عن سؤال : ومن خلق الله ؟!
هذا الإشكال سقط فيه فلسفياً عدد من الفلاسفة ، منهم سارتر وراسل ، تخيل !
كيف هذا ؟ .. سأقول كيف : يعتقد الكثير من الملاحدة حول العالم ومنهم فلاسفة للأسف ان البرهان الفلسفي يقول : كل موجود مُحتاج الى علّة .. ولذلك هم يسخرون من العقيدة الالهية بقولهم : اذا كُنتُم ترون ضرورة وجود موجد وخالق لهذا العالم فلماذا حين يصل الامر للخالق تقولون هو لا خالق له ؟ .. او بالعبارة المتداولة : من خلق الله اذاً ؟
الجواب : أنكم لم تفهموا هذا البرهان جيداً لذلك وقعتم في هذا المشكل ، فلم يقل أحد من الفلاسفة الإلهيين ان كل شيء مُحتاج الى علّة في الإيجاد .. هذا ما لم يتورط فيه أحد ، بل قالوا كل حادث مُحتاج الى علّة ، والحادث بالمعنى الفلسفي هو المسبوق بعدم .. اما غير المسبوق بعدم فلا يحتاج الى علّة في الإيجاد لأنه موجود اصلاً .. وبما ان البرهان يُرجع احتياج المسبوقات بعدم الى علّة غير مسبوقة بعدم ( التي أسميناها الله ) فلا يصح السؤال : من أوجد هذه العلة غير المسبوقة بعدم ، او من خلق الله ؟ .. لان غير المسبوق بعدم لا يحتاج الى علّة في الإيجاد كي نسأل من اوجده .
لهذا نبهـتُ عليكم في مقدمة المنشور على معنى الحادث حين قلتُ ركز معي .
بقي ان اوضح أمرين : الأول لماذا نحن نفترض ان هذه العلة هي الله ؟ لماذا لا نفترض انها الطاقة ، او الحقل الكمّي المُسمى في الفيزياء " لا شيء " .. لماذا نعتقدها الله ؟ .. هذا السؤال سيأتي جوابه في الحلقة السادسة كما اشرت بعد ان افرغ تماماً من اثبات وجود علّة أولى موجودة بنفسها وموجدة لغيرها .
الامر الثاني : في هذا البرهان هو اثبات وجود علّة أولى موجودة بنفسها وموجدة لغيرها .. ولكن ! هذا البرهان مبني على ان كل خارج من العدم الى الوجود مُحتاج الى علّة في الإيجاد السؤال : من قال ان كل خارج من العدم مُحتاج الى علّة في الإيجاد ؟!! .. أليس فيزياء الكم ألغت السببية ؟؟ أليس قد أثبت علماء الفيزياء وجود كون من لاشيء ؟!
هذا الموضوع سأتناوله يوم غد ، حيث سأوضح كيف قامت ميكانيكا الكم بهدم السببية ، وكيف اثبت علماء الفيزياء وجود كون من لا شيء وعلى رأسهم لورانس كراوس في كتابه : كون من لا شيء ... فانتظرونا غداً
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
الحلقة الرابعة : ماذا سنفعل الليلة يا برين ؟ .. ما نفعله كل ليلة يا بنكي ، سنجعل من ميكانيكا الكم تتحدى وجود الله .. فقد اثبتنا وجود كون من لاشيء ، ولسنا بحاجة الى إله .
اليوم سأقوم بنقد برهان الأمس الذي دللنا به على وجود الله ، سأقوم بنقضه من خلال عامل الكم الذي هدَم السببية .. فلاحظ معي حفظتك الطبيعة .
بدايةً : ما هي فيزياء الكم ؟ او عالم الكم .. #باختصار هو فرع من فروع الفيزياء ، يدرس عالم الذرة والجسيمات دون الذرية ، واما الفيزياء المعروفة لدينا جميعاً فهي تدرس عالم الاجسام الكبيرة التي هي أكبر من الذرة ، ما دون الذرة يُسمى عالم الكم .. والفيزياء التي تدرس هذا العالم الصغير تُسمى بفيزياء الكم ..
اما لماذا نتحدث عن فيزياء الكم وكأنها شيء منفصل عن فيزياء الاجسام الكبيرة المعروفة ؟ .. يحدث هذا لأن العلماء وجدوا أن عالم الكم يتعامل بقوانين عجيبة وغريبة غير متعارفة لدينا في عالم الاجسام الكبيرة ، الأمر الذي دفع نيلز بوهر أن يقول مقولته الشهيرة التي يعرفها جميع طلاب العلم : من لم تصدمه نظرية الكم فهو لم يفهمها . وهي التي دفعت آينشتاين على عظمة عقله أن يرفضها بالبداية - اقول بالبداية - قائلاً : الإله لا يلعب بالنرد . المهم من اراد التوسع أكثر ففي اليوتيوب عدة وثائقيات مهمة عن فيزياء الكم وعالم الكم ، ومن يُحب أن يقرأ عنها فهناك كتاب مهم جداً بعنوان " البحث عن قطة شرودنجر .
#على أيّ حال ..
ليست نظرية الكم مجرد افتراض او وجهة نظر ، بل هي فرع عملي للفيزياء ، منحتنا مثلاً الليزر والمجهر الالكتروني وغيرهما ، وشرحت الكثير من الامور كالروابط الكيميائية لبنية الذرة والنواة ، وتماسك النجوم وانهيارها ، وغيرها .. ودخلت فيزياء الكم في الكثير من ميادين البحث العلمي ، حتى في علم الأحياء .. حتى في تفسير هجرة بعض الطيور من مكان لآخر .. تخيل!
في عشرينات القرن المنصرم وجد العلماء ان عالم الذرة عالم متخم وفوضوي ، حيث لا يظهر جسيم الالكترون متبعاً لمسار محدد بدقة ، او متضمناً لمعنى ما على الاطلاق .. فقد يوجد في ثانية هنا ، وفي اخرى لاحقة هناك ، ليس الالكترونات فحسب ، بل لا يُمكن الامساك بكل الجسيمات المكونة للذرة .. او حتى بكاملها . بامكانكم البحث والقراءة عن تجربة الشق المزدوج ليتضح لكم الامر أكثر .
وهنا ثار الجدل ، حول المعنى غير القابل للتكهن ، وكيف يسير هذا العالم وتتحرك الجسيمات والالكترونات بل تظهر الجسيمات وتختفي دون سبب ودون معنى ودون قابلية للتكهن بحركتها .. وعارض هذا آينشتاين حين رفع صوته بـ : الاله لا يلعب بالنرد . واننا لا نستطيع التكهن لا لأن الجسيمات تتحرك بلا سبب ، بل لأننا لسنا على علم بقوى الطبيعة ، ولو اصبحت لدينا المعرفة الكاملة بقوى الطبيعة لصار بامكاننا توقع كل شاردة وواردة ومعرفة سببها ، وحاول آينشتاين اكتشاف اشباح الكم ، مُعتقداً انها ستُثبت بشكل نهائي أن لكل حادث سبب..
لكن للأسف ، لم يكن هذا الرأي صحيحاً .. بل كسب الدنماركي نيلز بوهر الرهان ، الذي عارض آينشتاين في الرأي المقدم أعلاه .. وحقاً لقد اُثبت - من خلال عدة تجارب أفضلها كان في عام 1982 باشراف : ايلين اسبكت وفريقه - .. اُثبتَ ان هذا العالم تتحرك الجسيمات فيه بلا سبب ومعنى معين ودون اي قابلية للتكهن حتى لو امتلكنا المعرفة الكاملة بكل تفاصيله ، فثمة احداث تجري غير مُسببة !
وفي تدخل عامل الكم هذا هنا ، يبطل الادّعاء القائل بأن لكل حادث سبب والتجربة العلمية تُثبت هذا وتُبرهن عليه .. ولكن هل يبطل هذا الادعاء فعلاً ؟ .. واذا هدم عامل الكم السببية فأين سيولي البرهان الفلسفي وجهه ليستدل على وجود الله باستحالة تسلسل العلل وهو يعتمد اعتماداً كاملاً على : لكل حادث علّة او سبب في الإيجاد ؟! .. هذا ما سنبحثه غداً في الحلقة الخامسة حين نتعرض لاشكالية : كون من لا شيء ..
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
الحلقة الخامسة : اذا ثبت كون من لا شيء ، وعامل الكم هدم السببية ، فأين سنولّي وجوهنا ؟!
مشكلة بعض علماء الفيزياء الحاليين انهم لم يطلعوا جيداً على الفلسفة المُصاغة لإثبات وجود الله ، مما جعلهم يسقطون سقطات تُعد مثلبة بحقهم لأنهم قفزوا من اختصاصهم الى اختصاص آخر لم يفهموه جيداً ولم يصرفوا له الوقت الكافي لهضمه واستيعابه وعلى رأسهم لورانس كرواس في كتابه " كون من لا شيء " الذي جعل نفسه في موقف لا يُحسد عليه عرّضه للنقد من بعض الملحدين انفسهم ، وساُبين لكم هذا لكي لا يكون كلامي هذا مجرد ادعاءات فارغة بلا دليل .. لأن الادّعاء بلا دليل سهل المؤونة لكل احد .
#المشكلة الاساسية ، أن الـ لا شيء في الفلسفة يعني العدم المحض ، بينما اللاشيء في الفيزياء هو في حقيقته شيء .. اللاشيء في الفيزياء هو حقل كمومي ، يحدث فيه غليان فتتولد فيه وتتلاشى الجسيمات الافتراضية الى آخره من التفصيل الذي يعلمه اصحاب الاختصاص ، فاللاشيء في حقيقته هو شيء بالمعنى الذي يقصده الفيزيائيون ، ولا اعتقد ان أحداً سيختلف معي هنا في معنى اللاشيء الفيزيائي ..
لكن حين تبدأ المقاربات بين الفيزياء ووجود الله ، يخرج لنا من يتبجح بأنه أثبت علمياً - فيزيائياً - ان الكون جاء من لاشيء ، ولسنا بحاجة الى افتراض وجود الله لأننا فسرنا وجود كون من لا شيء .. وكأنه يتحدث عن اللاشيء الفلسفي الذي يعني العدم ، بينما في الواقع هو يتحدث عن اللاشيء الفيزيائي الذي هو في حقيقته شيء ( الحقل الكمّي ) .. فهو لم يُثبت في الواقع نشوء كون من لا شيء ، لانه اثبت نشوء الكون من هذا الحقل الكمي ، وسيعود السؤال نفسه الذي لا اجابة عليه : وكيف نشأ هذا الحقل الكمي المسمى لا شيء في الفيزياء من العدم ؟؟ .. لاحظ كم التخبط هنا واعرف لماذا قلتُ سقطات .. وبعد هذا يأتي ريتشارد دوكنز عالم الأحياء العظيم ( العظيم فعلاً في اختصاصه علم الأحياء ) ليسقط على وجهه مباشرة حين يُقحم نفسه في المجال الفلسفي ويرى بأن حديث الفيزياء عن وجود كون من لا شيء كما تطرق لها هوكينگ في التصميم العظيم هو ضربة قاضية للعقيدة التي تقول بوجود إله ! لا ادري متى يفهمون انهم يتحدثون عن شيء آخر لا علاقة له بالبرهان الفلسفي المُقام على وجود الله .. وما يثير العجب اكثر وأكثر ، ان كراوس نفسه يعتقد ان اللاشيء الذي يتحدث عنه الفيزيائيون لا يعني العدم بل هو في حقيقته شيء !!
كراوس الذي طالما استخف ويستخف ويهزأ بالعقيدة اللاهوتية ، يحبو هنا ايضاً كطفل صغير حين يحاول التطفل على اختصاص غير اختصاصه واوضحت لكم كيف انه وكثير مثله من مَن تبعه على عمى لم يفهم الفرق بين المعنى المُراد من اللاشيء الفلسفي في الاستدلال ببرهان الإمكان والوجوب واللاشيء الفيزيائي . اذ ان مقصود الفلاسفة من اللاشيء هو العدم وكراوس لم يُثبت وجود اي شيء من العدم بل اثبت وجود شيء من شيء وهو يعترف بهذا بالصورة والصوت وليس فقط في كتابه " كون من لا شيء " ، ثم يأتي بعد ذلك ليتبجح على العقيدة اللاهوتية !
بمعنى انهم يتحدثون عن شيء آخر تماماً ، ثم يعتقدون انهم وجهوا الضربة القاضية لافتراض وجود إله..وانا مستعد ان افصل هذه المسألة اكثر لمن يُحِب النقاش في التعليقات .
أيضا هناك سقطة اخرى لهم وللأسف الشديد وقع فيها أيضاً العالم بول ديفيز الذي له باع في الفلسفة اكثر من غيره .. حين كتب ان افتراض وجود إله لا يمكن الاستدلال عليه بالسببية لأن ميكانيكا الكم ألغت السببية ، وهذا ما تحدثنا عنه في الحلقة الرابعة .. ولكن هل حقاً ان ميكانيكا الكم فعلت هذا ؟
نعم لقد ألغت ميكانيكا الكم السببية في حركة العالم الكمي ، وانه فعلاً ثمة أشياء تحدث دون سبب ، ولكنها لم تُلغي أبداً السببية في خروج شيء ما من العدم الى الوجود ، والبرهان الفلسفي يتحدث عن ضرورة السببية في خروج الشيء من العدم الى الوجود بينما فيزياء الكم ألغت السببية في حركة الالكترون او في نشوء شيء من شيء ، ولم يدّعي أحد من العلماء ان بالإمكان خروج الشيء من العدم الى الوجود بلا سبب .. حتى علماء الكم انفسهم .
فحين يقول الفلاسفة : لكل حادث علّة - سبب - ، فالحادث في الفلسفة يُطلق ويُراد منه الموجود المسبوق بعدم ويعني هذا كل خارج من العدم الى الوجود يحتاج الى علّة وسبب ينقله من العدم الى الوجود .. اما الحادث المُستخدم على ألسنة علماء الفيزياء فإن المراد منه مطلق الحركات والتغيرات ، ومن هنا نشأ الخلط وتوهم بعضهم ان عامل الكم اسقط السببية التي يتحدث عنها الفلاسفة في إرجاع علّة وجود العالم الى موجود هو موجود بنفسه وموجود لغيره ، بينما عامل الكم ألغى سببية الحركة ونشوء الحوادث ولم يُلغي احتياج الخارج من العدم الى الوجود الى علّة في الإيجاد ، فحتى احتمال ظهور جسيم بلا سبب في فيزياء الكم هو في الحقيقة يعتمد على اعوجاج الفضاء وقوته كما يذكر ديفيز نفسه ، بمعنى يعتمد على شيء ، ولا يخرج شيء من العدم المحض الى الوجود بلا اي علّة .
فطالما ان الحديث عن كون من لا شيء لا يُثبت وجود شيء من العدم بل يتحدث عن وجود شيء من شيء ، كون من حقل كمّي فيه غليان وجسيمات افتراضية .. لأن الفيزياء لا تتطرق أبداً للحديث عن العدم المحض ، بل تتحدث فقط عن ما هو موجود فعلاً .
وطالما ان عامل الكم لم يُثبت خروج شيء من العدم الى الوجود - الحادث بالاصطلاح الفلسفي - بلا سبب .. بل عامل الكم يُلغي السببية في وجود شيء من شيء . او في حركة الشيء .
فعلام الحديث والتبجح بأن العلم هدم البرهان الفلسفي المُقام على وجود إله ؟!! .. ولماذا يتورط في هذا علماء كبار لهم فضلهم العلمي المعروف ومكانتهم المرموقة كدوكنز وكراوس وديفيز ، ويتبعهم في هذا كثير من الناس !
وبهذا المُلخص أعلاه لم يُهدَم الاستدلال الذي عرضناه في الحلقة الثالثة .. كما اوهمناكم في الحلقة الرابعة :) .. طبعاً ومن أراد التوسع اكثر فبإمكانه الرجوع الى الكتب والوثائقيات المختصة بهذا الامر .
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
الحلقة السادسة : هل سنعلم ، ام سنعرف وحسب ؟
اليوم هو ختام ما بدأناه قبل أيام ، وسأحاول الاختصار ، بأي حال فإن العلة الموجودة بنفسها والموجدة لغيرها ، التي أثبتنا وجودها في الحلقة الثالثة وعرضنا الاشكالات المقدمة عليها بالحلقة الرابعة واجبنا على هذه الاشكالات في الخامسة .. هذه العلة الاولى لابد ان تكون عاقلة ، وخارجة عن قيد الزمكان ، اما كونها عاقلة فلأن فاقد الشيء لا يُعطيه .. والعلّة التي تُنتج كوناً يُنتج لنا العقل -سواء بالانتخاب الطبيعي او غيره - لابد ان تكون عاقلة ، او ما على ما هو اعلى من العقل . ولا أظننا نختلف في ان فاقد الشيء يستحيل ان يُعطيه .
وأما من حيث كونها خارجة عن إطار الزمكان ، فلأن البرهان في الحلقة الثالثة اثبت وجودها قبل الزمكان اصلاً .. فهي خارجة عن هذا القيد .
هذا ببساطة ما نُطلق عليه " الله " الذي هو العلّة الاولى ، الموجود غير المسبوق بعدم وغير الخاضع للزمكان ، وعاقل .
اما ما مقدار عقله ؟! .. وهل هو واحد او اكثر .. وهل هو جسم او لا .. وهل ينزل الى الارض على بغلة ليجمع اعمال العباد او لا .. وهل بعث أنبياء ام تركنا سُدى ... الخ ، فهذا ما تتكفله مستويات اخرى من البحث ، وهي غير معنية هنا كما اشرتُ في الحلقة الاولى .
وتبقى الإحاطة بهذه العلة إحاطة تامة امر مستحيل ، ولا يسعنا الا ان نعرف عنها وحسب ، لا ان نعلمها