نصب تذكاري لدول الاتحاد الأوروبي في شنغن
يعرف العالم كله اتفاقية "شنغن"، التي سمحت بإزالة الحدود، والتجول الحر بين مجموعة دول الاتحاد الاوروبي، لكن أحدًا لا يعرف قرية "شنغن" التي أطلق اسمها على الاتفاقية التاريخية.
إيلاف من برلين: من قرية "شنغن"، التي لايعرفها أحد، جاء قرار فتح الحدود بين الدولة الأوروبية كافة، وأصبح من حق حامل تأشيرة شنغن من الدول الأخرى التجول بين 26 دولة أوروبية من دون الحاجة إلى الحصول على تأشيرة كل دولة على حدة.
"شنغن" الاتفاقية أكثر شهرة من "شنغن" القرية، لكن براعة أهل السياحة في دوقية لوكسمبورج الصغيرة استطاعت تحويل هذه القرية، التي لا يزيد عدد سكانها على 1725 نسمة، إلى متحف مفتوح، يزوره كل المهتمين والباحثين في فكرة الاتحاد الأوروبي في طريق الوحدة وإزالة الحدود.
القرية جميلة وخلابة، وتشتهر بمزارع الكروم والرحلات النهرية عبر نهر الموزال، وعندما يسترخي الزائر على شاطئ النهر، سيشعر بصفاء وجمال وسكون الطبيعة.
مارتينا كنايب مديرة السياحة في "شنغن" تعتبر أن القرية المغمورة أخذت مكانها على الخريطة السياحية، بعد توقيع اتفاقية شنغن. وتشير إلى نهر الموزال وتقول: إنه يشكل الخط الحدودي الفاصل بين لوكسمبورغ وألمانيا في الجنوب الشرقي. تضيف: إن كثيرًا من أهالي لوكسمبورغ يعيشون في الجانب الألماني، نظرًا إلى توافر السكن، ويأتون يوميًا للعمل هناـ والعودة في المساء.
متحف شنغن
تأخذ قرية شنغن تأخذ شكل مثلث حدوي بين لوكسمبورغ وألمانيا وفرنسا، فإذا اتجهت سيًرا على الأقدام إلى الجنوب بعد 100 متر تكون في فرنسا، أو تعبر الجسر علي نهر الموزال، فتكون في المانيا.
موقع القرية مثالي ورائع بين ثلاث دول، ولا عجب هنا أن ترى الناس يتحدثون الألمانية والفرنسية واللغة اللوكسمبورغية، التي هي خليط بين اللغتين وأحيانًا أيضًا يتحدثون الهولندية، إنهم أكثر الناس ثراءً في اللغة. لا تستطيع وأنت تتجول في القرية أن تفصل السياسة عن الطبيعة السياحية الجميلة، فعند النظر إلى منحدرات مزارع الكروم المتدرجة على هضاب القرية، يتقاطع النظر مع مشاهد متحف "شنغن"، الذي تم تشييده في سنة 2010 بمناسبة مرور 25 عامًا على الاتفاقية، أيضًا هناك النصب التذكاري لثلاثة أبراج، عليها نجوم، كل واحدة منها تمثل دولة من دول الاتحاد الأوروبي.
متحف "شنغن"، ومركز المعلومات فيها هو مكان مهم لكل المهتمين بتاريخ الوحدة الأوروبية، ففيه يمكن للزائر أن يأخذ فكرة عن بنود الاتفاقية، ويشاهد فيلمًا وثائقيًا عن توقيع الاتفاقية، إضافة إلى إمكانية الإطلاع على كل الوثائق المتعلقة بها، وهناك الكثير من مقتنيات حرس الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي، مثل الأزياء الرسمية، والقبعات المختلفة.
في هذا الإطار تقول كنايب إن المتحف ينظم فعاليات عديدة حول قضايا الاتحاد الأوروبي، ويهتم بالعمل على تعزيز النقاشات المحلية والإقليمية للاتحاد.
قبالة المتحف في نهر الموزال.. ترسو سفينة "ام اس ـ برينسيس ماري استريد"، التي وقعت علي متنها الاتفاقية الأولى حول إزالة الحدود، وعلى الشاطئ أمامها تنتصب 3 جداريات أصلية من سور برلين، الذي كان يفصل بين ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية آنذاك. أما وجودها على هذه الحالة في شنغن فهو رمز إلى إزالة العوائق، وحرية التنقل بين الأقطار الأوروبية.
موقع القرية الحدودي كان وراء اختيارها في سنة 1985 لتوقيع المرحلة الأولى من اتفاقية "شنغن" الأولى لإزالة الحدود بين دولة لوكسمبورغ وبلجيكا وهولندا من ناحية، وبين ألمانيا وفرنسا من ناحية أخرى. ثم جاءت بعد ذلك في مرحلة أخرى الاتفاقية الثانية التي تم بمقتضاها التخلي عن الضوابط الموجودة على الحدود المشتركة، وتواصلت الاتفاقيات والتوسع في دول الاتحاد الأوروبي، حتى وصلت إلى 26 دولة الآن، تسمح بتنقل 400 مليون مواطن بين أقطار الاتحاد المختلفة.
أحد اكثر التحديات الصعبة التي تغلب عليها الأوروبيون هو فتح الحدود وتسهيل السفر بين دول الاتحاد، ولا يعرف أهمية ولا قيمة ذلك إلا المسافرين عبر دوله، فأنت لا تحتاج إلا تذكرة السفر، وتستطيع التنقل من مطار إلى آخر من دون الحاجة إلى جواز السفر أو حتى البطاقة الشخصية.
متحفان
هذه القرية الجميلة التي خرجت منها اتفاقية أسعدت الأوروبيين، أصبحت الشكوك تحيط بها، بعد موجة النزوح الجماعي من منطقة الشرق الأوسط إلى القارة الأوروبية، ويظل صدى السؤال يتردد ـ هل الاتفاقية ستصمد أمام أزمة الهجرة؟، وهل ستعيد دول أوروبا النظر في إزالة الحدود وترجع إلى مراقبتها، كما كانت قبل الاتفاقية؟.
لا أحد يستطيع التكهن بإجابة محددة في الوقت الحالي، لكن الأوروبيين يعرفون أكثر من غيرهم أن قاراتهم عانت كثيرًا من ويلات الانقسام والحروب، حتى إنه يوجد غير بعيد عن قرية شنغن واحد من أكبر المتاحف الحربية في أوروبا، وهو يضم العديد من مخلفات الحرب العالمية الثانية الأصلية من مركبات حربية، وقذائف صاروخية، ومعدات الجنود، وصور مرعبة للحرب تم الحصول عليها من الأرشيف الألماني والأميركي.
إذًا في منطقة واحدة وصغيرة يستطيع الزائر أن يشهد متحفان، أحدهما يقوم على فكرة كيف يصنع البشر الخير من أجل الناس، كما في متحف شنغن، والآخر كيف يصنعون الشر من أجل فنائه وقتله، كما في المتحف الحربي للحرب العالمية الثانية.