الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
تحاول أنقرة التودد إلى روسيا بغية تحسين العلاقات معها وهي متفائلة بإمكانية حدوث ذلك عقب رسالة التهنئة بيوم روسيا التي وجهها أردوغان مؤخرا إلى الرئيس الروسي، فعلى ماذا تعول في ذلك؟
وعبّر مؤخرا في هذا الصدد نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش عن الأمل في أن تنجح تهنئة أردوغان في تطبيع العلاقات مع الروس، لافتا إلى أن تلك الخطوة تعكس رغبة تركيا في "إعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي مع روسيا".
ويمكن القول إن المسؤولين الأتراك يراهنون على أن تتمكن كلمات أردوغان الودودة من إذابة الجليد في علاقات البلدين، إلا أنهم لا يلتفتون إلى نقطة هامة وحساسة تتمثل في أن ذلك الجليد تخضب بدم قائد القاذفة الروسية (سو – 24) التي أسقطتها مقاتلة تركية فوق سوريا في نوفمبر الماضي، ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الواقعة حينها بأنها "طعنة في الظهر".
ومنذ ذلك التاريخ لم يتغير أي شيء، إلا أن التصريحات التركية النارية التي رددتها أنقرة خفتت تدريجيا واستعيض عنها بأخرى تدعو إلى تطبيع العلاقات بين البلدين وطي صفحة الماضي القريب، من دون أن تقدم على أي خطوة ملموسة في هذا الاتجاه عدا التعبير عن النوايا الطيبة.
وبهذا المعنى علّق الكرملين على تهنئة أردوغان، حيث أشار دميتري بيسكوف السكرتير الصحفي للرئيس الروسي إلى أن هذه الرسالة لم تتضمن أي نقاط جوهرية، لافتا إلى ضرورة أن تتخذ أنقرة خطوات عملية في هذا الاتجاه تتمثل في تقديم اعتذار رسمي عن إسقاط القاذفة الروسية وتعويضات عن الخسائر.
من كل ذلك يمكن استنتاج أن أنقرة تحس بوطأة الورطة التي وقعت فيها باستهداف القاذفة الروسية التي لم تكن تشكل أي خطر على أمنها أو سيادتها، إلا أنها في ذات الوقت لا تريد أن تعترف بالخطأ، وتحاول تحسين العلاقات مع روسيا مجانا ومن دون أي استحقاق.
والحكومة التركية لا تسعى إلى تطبيع العلاقات مع روسيا وإعادة ربط وشائج المودة والتعاون اعتباطا أو لحنينها لفوائد العلاقات الجمة التي كانت تجنيها في السابق في مختلف المجالات فقط، بل لأنها تعرف جيدا أن دور موسكو ترسخ كلاعب أساسي في المنطقة، وهي بأمس الحاجة لاستعادة العلاقات في هذا الوقت بالذات وذلك لأجل المحافظة بالدرجة الأولى على مصالحها الحيوية في سوريا بخاصة ما يمس الأكراد في مناطق الشمال.
ولعل المسؤولين الأتراك يعون الآن أن تورط بلادهم في إسقاط الطائرة الحربية الروسية وهي في طريق عودتها إلى قاعدة حميميم بعد تنفيذ مهمتها فوق سوريا كان خطأ جسميا في الحسابات، خسرت إثره شريكا اقتصاديا هاما وقوة سياسية وعسكرية لها ثقلها في العالم.
كما أن أنقرة تظهر مندهشة من موقف موسكو الصلب والمتزن الذي واجهت به إسقاط قاذفتها فوق سوريا، إذ أنها لم تتردد في وقف وتجميد علاقاتها المتشابكة مع تركيا، وهذا الموقف لم يلن مع الزمن، الأمر الذي يظهر أن أنقرة كانت تعول عليه.
لا يمكن تحديد السبب الذي دفع تركيا إلى مهاجمة القاذفة الروسية فوق سوريا. هل كان ذلك دافعه التحرش بروسيا، واستعراض طموحها "العثماني" الجديد الذي ظهر جليا في تمددها داخل شمال سوريا ودعمها للتركمان السوريين وغض الطرف عن نشاطات "داعش" على حدودها، وعن تهريب النفط السوري، وعن تسلل المقاتلين الأجانب للانضمام للمتطرفين أم لأسباب أخرى؟
إلا أنه من الجلي أن أنقرة فقدت الكثير بعد إسقاط الطائرة الروسية الحربية، وأن تلك المجازفة الخطرة لم تقدم أي شيء للأمن القومي التركي الذي تعرض لاحقا لاختراقات مختلفة، فقد عادت المواجهات العنيفة بين القوات التركية وحزب العمال الكردستاني، وتعرضت أراضيها لهجمات انتحارية دموية وتمدد الأكراد في شمال سوريا وأصبحوا قوة هامة في المنطقة.
كل ذلك يؤكد أن أنقرة أخطأت الهدف، ووجهت بالفعل بإسقاط القاذفة عن عمد طعنة في الظهر لروسيا. وعلى الرغم من كل ذلك تصر على أن تتودد لتطبيع العلاقات معتقدة أن الجليد بينها وبين روسيا يمكن أن يذوب من دون أن تلتفت إلى أنه تلطخ بالدم، وأن الكلمات وحدها لن تكفي لعودة العلاقات إلى مجراها الطبيعي.
محمد الطاهر