الجمعة 17 حزيران 2016 - 9:43 ص
مجلس عزاء ناجي الخميسي
حيدر الجزائري / المربد
يسارع "ناجي جمعة سرحان الخميسي" (57 عاماً) من أبناء الصابئة المندائية في البصرة، جاهداً لمساعدة جيرانه وقت الظهيرة وإنقاذ ثلاث عائلات مسلمة حاصرتها النيران في بيت من ثلاثة طوابق في منطقة الجمهورية.
وبينما يهرع البعض لجلب الماء والتراب لإخماد الحريق، يسمع الخميسي صوت طفل عالق في الداخل حجب الدخان رؤيته، طالباً للنجدة، ويستغيث بلسان ملهوف.
تلك الاصوات البريئة دفعته الى اتخاذ قرار انساني كان الأخير في حياته، ليتقدم بكل شجاعة، غير آبه بالعواقب لاستخراج الطفل مهما كلفه الثمن.
الخميسي خرج والنيران تأكل أطرافه، محني الظهر، محتضناً طفلاً سلمه الى أهله سالما دون ان يصاب بأذى، بعدها القى بنفسه على الارض يمّرغ جسمه بالتراب لإطفاء النيران، هنا سارع الجيران بدورهم لإنقاذه ونقلوه الى المستشفى إلا انه فارق الحياة بعد تسعة أيام لشدة اصابته.
الجودُ بالنَّفْسِ أَقْصَى غايةِ الجُودِ، والتضحية من اجل الجيران بشهامة وغيرة دون النظر الى دينهم ومذهبهم، أمر بات مفخرة للطائفة الصابئة المندائية في البصرة والعراق بشكل عام، ويجسد حقيقة البلد المتأصل بتنوع أطيافه المتماسكة دون تفرقة، هذا ما يقوله لراديو المربد شقيقه خالد جمعة الخميسي والذي أوضح بأن "الفقيد انقذ طفلاً بعمر الثامنة وثلاث عائلات، لكنه عند الخروج من الدار المحترق انفجر عليه برميل النفط، فأنسلخ جلده، وتراب الأرض سمم جروحه وتسبب بوفاته".
ويرى انا مافعله الفقيد ليس بالجديد على ابناء الطائفة التي شاركت البصريين والعراقيين عموماً بأفراحهم وأتراحهم، وعاشوا سوياً رخاء الدهور وصعابها.
زعيم طائفة الصابئة المندائيين في البصرة الشيخ مازن نايف قال لراديو المربد، إن ذلك الموقف من الخميسي ومواقف أخرى من ابناء الطائفة بشكل عام ليست بجديدة على البصرة والعراق، موضحاً انهم يضحون الآن بدمائهم ويشاركون ابناء الحشد الشعبي في معارك دحر تنظيم داعش الارهابي، الى جانب تقديم الطائفة مساعدات مستمرة ترسل بقوافل الى فصائل الحشد.
الطائفة اقامت له تأبينا في المندي (المعبد) لمدة سبعة أيام، كما أقام بعدها مجلس عشائر ومكونات البصرة مجلس تأبين خاص له في ذات المندي، حضره شخصيات ووجهاء مختلفة جميعهم اشادوا بتلك الروح الأبية التي تحولت الى رمز للوحدة واجهت في تضحيتها وسائل اعلام مسمومة وجهات سياسية ضمن اجنداتها تسعى الى تفكيك النسيج العراقي والبصري وخلق النزاع والفتنة بين المكونات، كما يقول الشيخ عباس الفضلي رئيس مجلس عشائر ومكونات البصرة.
وطالب الفضلي الحكومة المحلية في البصرة بتكريم الخميسي نظراً لتضحيته وإيثاره وتحوله الى نموذجاً للتعايش السلمي، من خلال تخصيص قطع ارض لذويه وتسمية احد شوارع المحافظة بأسمه، كما طالب وزارة الصناعة والمعادن بالإسراع بإكمال معاملة احالته على التقاعد.
والخميسي من مواليد البصرة 1959، وتكفل بزمام شؤون عائلته بعد وفاة والده عام 1969، ومارس اعمال التجارة قبل ان يتعين في الشركة العامة للحديد والصلب بالبصرة، وتزوج قبل نحو 15 عاماً ورزق بولدين (أزهر وأنور) اللذان لم تبدو عليهما ملامح الحزن والأسى اثر فقد والدهما، حيث قالا للمربد إن والدنا فعل ما يجب فعله من أجل الجيران وإنقاذهم.
والديانة المندائية تعتبر واحدة من أقدم الديانات في العراق، ومازال أتباعها يتواجدون في المحافظات الجنوبية، فضلا عن منطقة الأهواز في إيران، كما يوجد عشرات الآلاف منهم في دول أوربية كالنرويج وهولندا والسويد والمملكة المتحدة، حيث هاجروا إليها واستقروا فيها.
وفي البصرة تشير التخمينات لوجود عشرات الاسر معظمها تسكن في مناطق مثل الحكيمية والعباسية والجمهورية والطويسة التي يقع فيها المندي (المعبد) الوحيد للطائفة في المحافظة.