Tue, Jul 31, 2012
حجاب يصون .. أو تنهش عيون!
ملصق عن الحجاب يثير مخاوف طالبات العراق
أعاد ملصق معلق على أحد الجدران في كلية التربية في جامعة بابل الى الاذهان الشعارات والهتافات التي كانت تطلقها بعض الاحزاب الدينية المتشددة تجاه ظاهرة (الحجاب) لطالبات الجامعة تحديدًا، فأعاد الى ارض الواقع ما كان يحدث قبل سنوات من تخوفات بين صفوف الطالبات تتمثل في فرض الحجاب والتضييق عليهنّ.
فتح الملصق الجديد في العراق باب الجدال الذي طالما يحدث ردود افعال كبيرة لاسيما في صفوف المثقفين العراقيين قبل الطلبة، فيما اعلن البعض عن مخاوف أن تتم ترجمة ذلك الى اجبار الطالبات على ارتداء الحجاب أو التهكم عليهنّ بطريقة ساذجة تؤدي الى اهدار كرامتهن.
واثار الملصق الغريب الذي جرى تعليقه في احدى كليات جامعة بابل نقاشًا بين المثقفين وطلبة الجامعات، حيث يشير بوضوح الى قضية الحجاب والتحريض عليه بشيء من التهديد المبطن الخفي للطالبات.
تفاصيل الملصق كما يلي: في الجهة اليسرى منه صورة طالبة محجبة، وفي الجهة الأخرى صورة طالبتين سافرتين تقرآن كتابًا، وفي الأعلى كتبت بحروف كبيرة عبارة (حجاب يصون .. أو تنهش عيون) بحيث جاء النصف الأول منها فوق صورة المحجبة، والنصف الثاني فوق الطالبتين غير المحجبتين.
وتحت المحجبة وضعت صورة قطعة حلوى نظيفة، بينما ظهرت تحت غير المحجبتين صورة حلوى نزل عليها الذباب.
وتقول ماجدة احمد الطالبة في جامعة بغداد: "سمعت وقرأت عن ذلك الملصق المعلق في جامعة بابل، وبصراحة ارعبتني الصورة فيه، فأنا لم أتخيل أن تصدر مثل هذه الكلمات من طلبة جامعة في القرن الحادي والعشرين، وبعد تسع سنوات من تغيير نظام الحكم، انا لست محجبة واحترم الحجاب ولكن لا اريد أن يفرض عليّ احد أن ارتديه، ربما قناعاتي هي التي تقرر بسهولة ولكن لن يحدث لي ذلك بالقوة مهما كان، ثم هل يعتقد من كتب هذا الكلام الغريب العجيب أن من لا ترتدي الحجاب سيئة وأن من ترتديه فاضلة؟هذا كلام غريب اعتقد أن المراد منه جر المجتمع الى العتمة".زميلتها قمر حسن تقول: أنا محجبة لكني صراحة اخاف جدًا عندما اسمع مثل هذا الكلام، ارتجف من الخوف لأنني كطالبة جامعية وواعية أشك في أن من يكتب مثل هذا الكلام قصده شريف، بل لديه اغراض أخرى سيئة ووراء ما يفعله اسرار، فالدين الاسلامي واضح، ولا اكراه في الدين اليس كذلك؟"
الدكتورة فاطمة سلومي أستاذة جامعية وامينة عامة للمركز الاقليمي للاعلام المتخصص في العراق، تقول لـ(إيلاف): الحجاب بالنسبة للفتاة ايمان قبل أن يكون قناعة و(لا اكراه في الدين ) تفسير واضح أي بمعنى ليس فرضًا، صحيح هو من الواجبات الشرعية لكن حينما تتوفر القناعة والايمان في آن واحد، وبالتالي يخلق لدى الفتاه التكاملية الواضحة التي تجعل الفتاة مؤمنة بارتداء الحجاب دون فرضية الاهل أو الجامعة أو المكان الذي تكون فيه، وما سمعته عن البوسترات أو الصور المعلقة في جامعة بابل تجبر الفتاة بارتداء الحجاب يعد امرًا مخالفًا للحرم الجامعي ولضوابط الجامعة لشيء مهم هو أن الجامعة تضم فتيات عدة منهن يرتدين الحجاب وأخريات لا يرتدينه، فضلاً عن ذلك هناك فتيات من طوائف أخرى أقصد (المسيحية والصابئية وغيرهما) فهل يجوز فرضه؟ الجواب بتأكيدية مطلقة لا ؟، لذلك يتطلب الآن من الجامعة المذكورة معالجة هذا الامر وبالسرعة الممكنة وأدعوهم لتشكيل لجنة تحقيقية في الامر، والا كيف ننادي بحرية الفكر والتعبير والديمقراطية، وعلى الجامعة عدم التهاون في الامر سواء كان تصرفًا شخصيًا من قبل الطلبة أم تصرفًا وسلوكًا قد يكون مسيّسًا من بعض الاحزاب واذا كان من قبل اتحاد الطلبة في الجامعة فيجب اتخاذ الاجراءات الحازمة ومنع استخدام الجامعة منبرًا لهكذا أمور تجعلها أي الجامعة بعيدة عن هدفها الحقيقي لأن الطالب أو الطالبة حينما يأتون اليها واضعين الامل في تحقيق طموحهم للوصول الى الهدف المنشود والبدء بحياة جديد تنير طريقهم في مستقبل محفوف بالمخاطر وسط الظروف التي يمر بها العراق ألا وهو طموحهم بالتخرج والحصول على التعين".
الصحافية اسماء عبيد قالت من جهتها إنّ "الحجاب .. صحيح أنه مفروض من الناحية الدينية ولكنه يبقى حرية شخصية لا يجوز فرضه على البنت فرضًا وأن يتم بقناعتها، ولا يجوز وصف غير المحجبة بالحلوى التي يتجمع عليها الذباب لأن ربما تجد بنتًا غير محجبة ملتزمة أكثر من محجبة ارتدت الحجاب تحت الضغط، وفي الوقت نفسه الحجاب أيضًا تطبيق للدين حفاظًا على المرأة ولكن تبقى وقناعتها، ومن ثم أن الله يحاسب البشر على أفعالهم أو التزامهم من عدمه، وليس البشر يحاسبون البشر مثلهم".
وقال سوران بالانى صحافي و ناشط سياسي من مدينة السليمانية:" باعتقادي أن الانسان حر .. كيف يعيش ويفكر و يختار الدين والفكر وكيف يلبس ، ولكن مع الاسف الشديد نرى في الدول العالم الثالث وخاصة الدول التي فيها للدين والمذهب الدور البارز في تداخل حياتهم، لا نرى مثل هذه الحريات بل أنهم حاولوا أن يقوموا بانتهاكات حقوق الآخرين، و نحن نرى في العراق اليوم مشاكل كثيرة وخاصة مشكلة الدين حيث المذاهب وتداخلاتها في السلطة وفي حياة الفرد في المجتمع العراقي".
واضاف : مع الاسف أن جامعات العراق تمر بأوضاع سيئة وخاصة في الجنوب بسبب تداخلات التيارات المذهبية التي لا تريد ولا تؤمن بالتقدم والازدهار و الحريات الفردية والشخصية، ومنها مسألة الحجاب الذي يفرض على طالبات الجامعة، فهذا خطأ كبير، فالطالبة في الجامعة اكثر فهمًا من غيرها وهي تعرف ماذا تختار، انا اعتقد أنه سلوك غير صحيح".
من ذلك يقول الدكتور علي إبراهيم" استفزني الملصق، الذي أُنفق على انجازه مبلغ لا أظنه من جيب طالب أو مجموعة طلاب، حيث جاء ملونًا وبحجم كبير، يصل عرضه الى مترين وارتفاعه الى متر ونصف المتر، سألت أحد المسؤولين في الكلية عما اذا كانت للعمادة أو القسم علاقة بتعليق هذا الملصق، فأجاب وبثقة عالية: لا أبدًا... هذا من ابتكارات الطلبة، قلت: وهل يحق للطالب أن يعلق أي شيء كما يشاء ومن دون رقابة؟ علمًا أن النشاط السياسي داخل الجامعة ممنوع قولاً ولكن ليس فعلاً، لأن كثيرًا من شعارات القوى الإسلامية تعلق فيها، ومثلها الملصقات التي تحمل جميعًا شعارات سياسية، فيما يمنع الطلبة الآخرون من تعليق شعارات مهنية بعيدة كل البعد عن السياسة".
واضاف: انتظرت عدة أيام معتقدًا أن هذا الملصق سيرفع بمجرد انتباه المسؤولين اليه، لأنه يسيء للطالبة السافرة والطالبة المحتشمة على حد سواء، ويبدو أن صاحب "الفكرة العبقرية" لم يجد صورة لسافرة غير محتشمة، فاستخدم صورة طالبتين تذاكران، كما هو واضح في الملصق، ومع ذلك فهو (الملصق) يسيء الى جميع الطلبة، الذين جعل منهم وحوشًا وذبابًا، ينهشون بعيونهم زميلاتهم! بل أن هذا الفعل اكبر من إساءة، فهو يشكل خرقًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي جاء في المادة 29 منه ما يأتي: "يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته للحقوق التي يعينها القانون"، كذلك يعد خرقًا لدستور العراق.
الذي لم يمنع السفور في أي نص من نصوصه، ولهذا نجد في قمة هرم الحكم عندنا، ابتداء من مجلس النواب إلى مجلس الوزراء إلى الجامعات، نساء سافرات محترمات: طالبات، تدريسيات وموظفات، وفي جميع دوائر الدولة نجد المحجبات والسافرات يعملن معًا، ولم نسمع أن وحوشًا نهشت أحداهن! وإذا حدث خلل أخلاقي هنا أو هناك، وذلك على العموم ليس ظاهرة في مجتمعنا العراقي، فقد يحدث عند المحجبة كما عند السافرة، وهو ما يرتبط بأسباب وعوامل مختلفة منها البيت والمدرسة والجامعة والمجتمع.. وغيرها."
الكاتب احمد عبد الحسين يقول من جانبه:
" اذا تجاوزنا هذا التشبيه السخيف، تشبيه الفتاة بالشوكولاتة المعدّة للأكل، وما دامت لم تزل فتاة وطالبة فهي شوكولاتة مغلفة ومصانة وبـ"الباكيت"، بانتظار سعيد الحظ النهم الذي يسيل لعابه للشوكولاتة ذلك الذي سيأتي ويفض غلافها ليأكلها. وهو تشبيه أقلّ ما يمكن أن يقال عنه إنه مليء بالفظاظة والبداوة والشهوانية السوقية التي عادة ما تشبّه المرأة بالأكل والرجل بالآكل، إذا تجاوزنا ذلك باعتباره تعبيراً عن ثقافة نطاق اجتماعيّ أميّ لم يهذب عواطفه حتى الآن، فكيف يمكن تجاوز الخرق الكبير للحريّة الشخصية في هذا الملصق الغبيّ؟
وأضاف: "من الناحية الدستورية، العراق دولة مدنية، هذا ما يشاع حتى الآن على الأقلّ، فلماذا تسمح الأجهزة الحكومية بملصقات كهذه لا يمكن أن ترفع إلا في ظل نظام حكم إسلاميّ متشدّد، ما نحن؟ ما شكل دولتنا؟ ولماذا يترك لمغفلين وباعة تقوى زائفة أن يتحكموا بمؤسساتنا على هذا النحو.
وأن يضغطوا على شبابنا ويملأوا قلوبهم رعباً بسطوتهم التي استمدوها من سكوت الحكومة عنهم، وهو سكوت منافق، يمالئ هؤلاء الدهماء الذين لفرط بدويتهم لا يزالون ينظرون للمرأة بوصفها "جكليتة" بنوعين: مغلفة ومتأكد من صيانتها لأنه سيفتحها بيديه، وأخرى غير مغلفة "أي سافرة" تنهشها العيون، وما هذه الرؤية المتوحشة؟ هل نحن في غابةٍ؟
ولماذا عيون الرجال حيوانات كواسر مستعدة لأن تنهش كلّ من لا تضع قماشة على رأسها؟ لمَ يريدون ملء قلوب الفتيات بالرعب لمجرد أنهن اخترن زياً يسمح به العرف والدستور والقانون؟ كثير من الفقهاء لا يرون الحجاب واجباً، وكثير منهم اختلفوا على نوعه وشكله، لكن لنفترض أن هناك نساء غير ملتزمات دينياً ولا يردن أن يتحجبن فهل مصيرهنّ سيكون النهش أو التخويف به؟ هل غير الملتزم دينياً منبوذ ومصيره الرعب في هذا العراق الذي لا يعرف حتى الآن نوع دولته وشكلها؟
وختم حديثه بالقول: نعرف أن الإسلاميين يحكموننا اليوم، لكنهم ـ بحكم وجودهم في السلطة ـ لا يجب أن يتصرفوا وفقاً لإسلاميتهم، إلا إذا أرادوا أن يكونوا حكاماً للإسلاميين فقط، أو للملتزمين، وإلا فعليهم تغيير دستور وجعل العراق دولة إسلامية كإيران مثلاً.