امرأة وحيدة
كانت الساعة العاشرة من مساء احد الايام .
كنت اسير وحدي في احد الشوارع وفجأة لمحت فتاة تجري نحوي ووجهها مذعور وكانت الفتاة تناديني بأسمي في الحاح ولهفة ، وتكاد تمسك بي من فرط الخوف ، واسرعت اليها .
انها فتاة رقيقة وديعة خجول تعمل سكرتيرة في مكتب رئيس تحرير الصحيفة التي كنت اعمل بها .
لم اكن قد تبادلت معها اكثر من كلمات التحية العابرة وان كنت اشعر دائما انها انسانة هادئة رقيقة وديعة .
ما الذي حدث فأفزع هذه البراءة كلها وهي تمشي وحدها في امان الله ؟
قالت لي الفتاة في صوت مضطرب وكلمات مرتعشة ان هناك عربة تطاردني منذ خرجت من عملي في طريقي الى البيت وان العربة اقتربت منها وما زالت تطاردها وان الذين بداخل العربة يلقون في اذنها بكلمات جارحة .
ثم قالت لي انها ترجوا ان اقف معها قليلا حتى تمضي العربة ... الذئبة .
وهدأت من روعها وسرت معها حتى ركبت المترو .
وفي الخطوات القصيرة التي سرنا فيها معا قلت لها : لماذا تعملين في الليل .
قالت :
لانني طالبة في النهار ... ادرس في كلية الاداب .
وبعد قليل من الصمت قالت : هذه اول مرة تحدث لي ... آسفة انني ازعجتك .
وغاب وجه الفتاة عني ولكنني لم استطع ان انسى وجهها البريء وقد اكتسى بصفرة الخوف والفزع .
وكنت افكر في شيء واحد هو : ان بعض الناس في مجتمعنا ما زالوا يؤمنون ان المرأة الوحيدة في الطريق ليس لها سوى معنى واحد هو انها امرأة ساقطة .
والحقيقة ان اصحاب هذه العقلية هم الساقطون .
فهناك امرأة تمشي في الليل وحيدة لانها تعمل وتكافح وتضني شبابها وقلبها من اجل حياة جديدة !
هناك نساء جديدات في وطننا الجديد .
واللعنة على هؤلاء الذين افزعوا الوجه البريء لفتاة مكافحة تمشي وحدها في الطريق .
اللعنة على الذين يركبون العربات وهم لا يستحقون المشي على الارض .
اللعنة على الذين لا يحترمون الفتيات الوحيدات .
للكاتب - رجاء النقاش
نقل بمجهودي