“لماذا يجب علينا أن نهتم بالاقتصاد؟ ونقوم بتصفُح جريدة اقتصادية أو مُتابعة برنامج تلفزيوني مُتخصص؟ أو ما الذي يدفع شخص ما إلى قراءة كتاب في علم الاقتصاد؟”… أسئلة دائمًا ما تُلاحق الكاتب المُتخصص في الشأن الاقتصادي أينما ذهب. وعليه سوف تُحاول منصة أراجيك تبسيط الإجابة، في مُحاولة للفت انتباه القارئ العربي نحو التعمُق أكثر بهذا المضمار.
فعلى الرغم من أن علم الاقتصاد هو أحد العلوم التي ساهمت بشكل ملموس في تحسين المستوى المعيشي للإنسان في العالم، إلا أن الاقتصاد كلمة مُبهمة لدى الكثيرين من الأشخاص، رغم تأثيره البالغ على شتى أمور وقرارات حياتهم اليومية، كـ الشراء، البيع، التأجير، التملك، العمل، بل والزواج والإنجاب أيضًا، لكن ومع كل ذلك فأغلبنا لا يفهم الاقتصاد، بل لا يعيره أي اهتمام.
الاهتمام بالاقتصاد كمجال للدراسة
إن إحدى الإجابات التي تبدو ساذجة بعض الشيء، على تلك الأسئلة المُتلاحقة، هي أننا نهتم بدراسة الاقتصاد، لأن بيننا من هم بمرحلة التسجيل الجامعي، وقد يختاروا هذا التخصص، وبالتالي سيصبحون اقتصاديين أو رجال مال وتجارة وإدارة، ولابد من الاهتمام بدراسة الاقتصاد، حتى يحصلوا على دخل مُستقبلي جراء اتخاذهم هذا القرار.
فإن أهمية علم الاقتصاد تجعل كثير من الطلاب يقبلون على دراسته، وتقدم كثير من الجامعات الدولية دورات دراسية في الاقتصاد، تهدف إلى تخريج اقتصاديين متخصصين في المجال الاقتصادي، يستطيعون قراءة وتحليل الواقع الاقتصادي بشكل مثالي، ووضع الخطط الاقتصادية التي يمكنها أن تؤثر على تحسين نمط الحياة الاقتصادية للناس في أنحاء العالم.
غير أن دراسة الاقتصاد هي دراسة لم تعد متاحة فقط بالشكل التقليدي في الحرم الجامعي، فعدد كبير من الجامعات في الخارج أصبحت تقدم كثير من البرامج الدراسية لدراسة الاقتصاد عن بُعد عبر الإنترنت، وأصبح هناك جامعات دولية كبرى مثل جامعة ليفربول، موناش، وسازرن نيو هامبشاير تحرص على أن يكون لها وجود في تقديم دورات مُتطورة في دراسة الاقتصاد عبر الإنترنت يمكن لكثير من الطُلاب الالتحاق بها، دون الحاجة إلى السفر إلى الخارج، والانخراط في الدراسة التقليدية في الحرم الجامعى.
لذا فإن مثل هذه الإجابة تماثل تمامًا إجابة سؤال “لماذا نهتم بالطب أو القانون؟”، وذلك عندما يكون الرد لأن من بيننا من سيصبح أطباء أو مُحامين، ولابد من إدراكهم لهذه العلوم، حتى ينجزوا وظائفهم المُستقبلية، ومع ما في هذه الإجابة من منطق بعض الشيء، إلا أن السطحية لا تزال تحيط بها، فهذه الإجابة لا توضح لنا أهمية موضع الدراسة والاهتمام.
وبالرغم من ذلك فإن إدراك الرجل العادي لوظيفة الطبيب أو المُحامى أو المُهندس غالبًا ما تكون أكثر وضوحًا من إدراكه لوظيفة الاقتصادي وعلم الاقتصاد. بل إن في كثير من الأحيان ما يتسم تصور الشخص العادي للاقتصادي المُتخصص بشيء من الغموض، فمعظم ما يدركه عنهم إنهم المسئولين عن كل المتاعب المادية في الحياة، وأن عليهم تقع مسئولية زيادة الدخل القومي، ورفع مستوي معيشة الأفراد داخل المجتمع، فضلاً عن توفير فرص العمل والحياة.
وكثيراً ما تكون هناك نظرة مملوءة بالريبة والهيبة لكبار الناجحين في دنيا المال والأعمال والتجارة والصناعة، وذلك باعتبارهم اقتصاديين استطاعوا أن يحققوا ثرواتهم بما يملكوه من معرفة اقتصادية ضخمة، لا تتوفر لكثير من العامة الذين يجهلون سبلها.
وعليه فإن أسباب أهمية علم الاقتصاد ، وما ينسحب عليه نوعًا كـ الكُتب والبرامج التليفزيونية والمواقع الإلكترونية الاقتصادية المُتخصصة يمكن أن ننظر إليها من أربع زوايا مختلفة، كمواطنين داخل المجتمع، وكنخبة مثقفين، وكأصحاب مبدأ أو عقيدة، وأخيراً كوننا مستثمرين حاليين ومرتقبين.
الاهتمام بالاقتصاد كمواطنين
فأحد أسباب أهمية علم الاقتصاد تكمُن في أننا بالدرجة الأولى أشخاص عاديين نعيش داخل المجتمع، وبهذه الصفة نجد أنفسنا نتسائل عدة أسئلة تدور داخل هذا الأطار، منها علي سبيل المثال:-
1- لماذا ندفع ضريبة للحكومة؟
2- ما هي الأسس التي يتم بناءً عليها فرض هذه الضريبة؟
3- لماذا لا توجد فرص عمل كافية في مجتمعنا؟
4- متى سوف يصبح مجتمعنا أكثر نمواً وازدهاراً؟
5- متى سيختفي الفقر من بيوت الكثير من أفراد مجتمعنا؟
فكل هذه الأسئلة وكثير غيرها مما يدور في ذهن الأشخاص العاديين، تطرح الإجابة عليها من خلال الاقتصاد، فكل مواطن يبغي أن يحصل على إجابة مرضية لما يدور حوله من واقع اقتصادي يشترك هو يشاء أو لم يشأ في صنعه ولابد أن يحصل على قدر من المعرفة بالأمور الاقتصادية.
كما أن الوضع العام المُتردي من إرهاب وتطرُف وصراعات عرقية وطائفية وما ترتب عليه من دمار هُنا وهُناك، خلق مفهوم اقتصاديات الحرب، ومن المؤكد أن الفرد العادي غير المُتخصص يرغب في معرفة معنى هذا المفهوم، وغيره الكثير كـ الاقتصاد السياسي، وحرب العُملات. فضلًا عن الكثير من المُصطلحات الأخرى، كـ التضخُم، الناتج القومي، عجز المُوازنة، الكساد، التباطؤ الاقتصادي، والسياسات النقدية.
الاهتمام بالاقتصاد كنُخبة مُثقفة
ومن ناحية أخرى فإن هناك قدراً من الأشخاص ينتمون لما نستطيع أن نطلق عليهم “النُخبة المُثقفة”، وهذه القلة تتسم بسعة الاطلاع والاهتمام بأمور الحياة ومشاكلها، ولعل أكثر ما يستأهل الجدل والمناقشة بين هذه الطبقة هي مشاكل الحياة الاقتصادية، فمثلاً الحديث عن أسباب التضخم ونتائجه وارتفاع نفقة المعيشة لا يخلو منه الأمر لدى المثقفين، وكذلك نجد أن أحداث الساعة الاقتصادية سرعان ما تسترعي انتباههم فيبدأوا في تفسيرها، وفي هذا الإطار سنجدهم يطلبون تفسيرات لعدة تساؤلات، منها على سبيل المثال:-
1- ما مدى تأثير وضع الدولة في قائمة أخطر الديون السيادية؟
2- ما هي أسباب وجود عجز في ميزان المدفوعات؟ وكيف يمكن معالجته؟
3- ماهي أسباب تقلبات سعر صرف المحلي أمام العملات الأخرى؟
4- كيف يمكن تحقيق النمو والتنمية ورفع مستوي الدخل القومي في المجتمع؟
5- ما هي أساليب تحقيق العدالة في توزيع الدخل؟
6- كيف يتحدد مستوى الناتج القومي و/أو الدخل القومي المصري؟
كل هذه أمور تحتاج المناقشة فيها إلى ثقافة اقتصادية، إننا كمثقفين يلزمنا إذاً أن ندرك قدراً من المعرفة الاقتصادية حتى يمكن أن نجادل من ينصت إلى حديثنا حين تتاح الفرصة لذلك الحديث.
الاهتمام بالاقتصاد كأصحاب عقيدة وفكر
وهناك قدر قليل أصحاب مبدأ أو عقيدة أو مذهب أو فكر معين، وهذه القلة لها آراؤها في تفسير واقع الحياة، فهناك من يؤمن بأن المحرك الأساسي للعلاقات الإنسانية هي دوافع دينية، أو سياسية، أو اقتصادية، أو غيرها من الدوافع، وداخل هذه الدوافع العريضة من المذاهب نجد فرعيات معينة، فهناك المذهب الاقتصادي الاشتراكي والشيوعي والرأسمالي، ومن المفيد أن نذكر هنا أن كل صاحب مبدأ يلزمه أن يلم بقدر من المعرفة عن الاقتصاد ومذاهبه قبل أن يختار لنفسه طريقاً، ولعل الغالبية العظمى من أصحاب المبادئ والعقائد تؤمن بأن للاقتصاد سيطرة على السلوك والحوافز في المجتمع ككل، وفي هذا الإطار سنجدهم يطلبون تفسيرات لعدة تساؤلات، منها علي سبيل المثال:-
1- ما مدى قابلية تطبيق قواعد الاقتصاد والتمويل الإسلامي في مجتمعنا؟
2- ومدى شرعية فوائد البنوك على ودائع ومدخرات الأفراد والمؤسسات المودعة لديها؟
الاهتمام بالاقتصاد كمُستثمرين
كما أن هناك شريحة أخرى تتمثل في المستثمرين الحاليين في السوق أو المرتقبين، وهؤلاء ينظرون للمعلومات والأخبار الاقتصادية الصحيحة على أنها أغلى سلعة استثمارية، فهي بالنسبة لهم أثمن من الذهب أو النفط، فهما يمثلان أهم ركائز الاستثمار الناجح، لكونهما عنصراً مهماً في عالم الاستثمار، بالنسبة للمستثمر، أو لتطوير كفاءة عمل الأسواق المالية.
ويمكن أن تأخذ المعلومات التي تهم المستثمر أشكالاً عدة، كما يمكن الحصول عليها من مصادر مختلفة، من ذلك على سبيل المثال: “وكالات الأنباء الاقتصادية، البرامج التليفزيونية المُتخصصة، فأخبار دنيا المال والأعمال من الأخبار الهامة في حياتنا المعاصرة، والتي تجذب اهتمام رجال الاقتصاد ومؤسسات الأعمال المتخصصة، والمستثمرين الحاليين والمرتقبين، وكما تهم الأفراد العاديين في حياتهم اليومية.
فعادة ما نسمع في النشرات الاقتصادية عن ارتفاع أو انخفاض أسعار الأسهم لبعض المؤسسات الاقتصادية في المجتمع، كما نجد أن العديد من المدخرين يهتمون بمعرفة أسعار الفائدة على مدخراتهم، ومقدار التغير فيها من فترة لأخرى، وكذلك عادة ما نقرأ عن قيام المصرف المركزي بتغيير سعر الفائدة سواء بالنسبة للودائع أو القروض.
وهكذا لقد أخذ الاهتمام بالمشهد الاقتصادي في حياة الإنسان أدواراً تطورت من خلالها أساليب عيشه، في محاولة لتمكينه من السيطرة على أكبر قدر ممكن من الثروات التي وهبها الله تعالى لهذا الإنسان لتحقيق سعادته ورفاهيته، ومعلوم أن الاقتصاد أصبح في عالمنا المعاصر من العوامل الرئيسية لتقدم المجتمعات، وإذا لم نلتفت لهذه النقطة فلن نتمكن من اللحاق بعجلة الحضارة ومواكبتها.