قد نخال أن ما نتلقاه أثناء مشوارنا الدراسي من علوم ولغات… كفيل بإعدادنا لتجربة العيش بنجاح! ولكن مدرسة الحياة تكشف لنا مع الوقت أن خوض مضمارها يحتاج لقدرات ليست بالخارقة ولكن بالتأكيد هي من نوع خاص وليس لها وجود في مناهج الفصول الدراسية.
في أكثر العصور البشرية تواصلاً بين بني الإنسان، لم يعد معدل ذكاء مرتفع مع قدرات عقلية متقدمة لحل مسائل مُجردة تحت ظروف خاضعة لشروط معينة… هو ما أضحى يحتاجه الفرد أو يجدر أن يسعى لتحقيقه! اتجه العلماء في السنوات الأخيرة إلى نوع آخر من الذكاء بإمكان أي شخص في العالم امتلاكه وهو المفتاح لواقع مُرضً، علاقات ناجحة وحياة منتجة، الذكاء العاطفي هو المهارة التي يتوجب على كل شخص التعرف على معناها دون تردد والشروع في تبنيها ضمن أساليب حياته.
لنفهم ما هو الذكاء العاطفي ؟



لا تنفع أكبر الشهادات الأكاديمية لحل موقف شخصي أو مهني واحد قد نتعرض له ويؤثر فينا بشكل كبير!
يبدأ جدار الثقة بالنفس بالانهيار لدى خريج جامعي طموح مع أول مواجهة مع تحديات سوق الشغل أو مع رب عمل متسلط، تتحطم شابة كلياً في أول علاقة حب فاشلة، ينزوي طفل عن أسرته لتعرضه لمضايقات من أصدقائه في المدرسة… والأمر لا يقف هنا، نُعايش كل يوم حوارات عقيمة لا تصل أبداً إلى أرضية مُشتركة، وتتناوب مواقف الحياة على تسديد ضربات مؤلمة لكل واحد فينا، علاقات أسرية شبه مُنهارة، روابط عاطفية مُنكسرة وحياة اجتماعية مزيفة… هذه الأمثلة وغيرها كثير… دليل على حاجتنا إلى التدخل السريع لأقوى الميكانيزمات الإنسانية التي اكتشفها وعمل عليها باحثون وعلماء نفس منذ منتصف الثمانينات.
لن أبالغ إذا قلت أنه لا يُسعفنا في معضلة التعامل الصحيح مع شتى المواقف المختلفة والتعافي من مآسي الحياة اليومية سوى تلك الصفة التي نُسميها المُرونة، كلمة فضفاضة… ولكن هي الكلمة السر في الذكاء العاطفي ؛ الذي يُعرّفه علم النفس الحديث بأنه: مجموعة المهارات التي تمكّن الأفراد من تحديد، تقييم و إدارة عواطفهم الخاصة والتفاعل مع عواطف الآخرين بأنسب الطرق. قد يبدو الأمر سهلاً للوهلة الأولى، لكنه ليس كذلك!
لأن الخبراء في هذا المجال يؤكدون أن الأشخاص بمعدلات الذكاء العاطفي المُنخفضة يتخبطون معظم حياتهم في النزاعات الشخصية، غير قادرين على القراءة الصحيحة لدوامة مشاعرهم، والاستجابة مع احتياجات المحيطين بهم، بينما غالباً ما يستطيع الذين يتمتعون بهذه الملكة من بلوغ نسب كبيرة من الإنتاجية، الانسجام مع ذواتهم والتناغم مع مُحيطهم.
عواصف من الأحاسيس وطاقة عاطفية هائلة في مهب الرياح!

لما على كل واحد فينا الإقبال على تعلم مفاهيم الذكاء العاطفي والتمرن على تقوية المهارات المرتبطة به؟! تخيل أن تكون قادراً على تجاوز تحدياتك اليومية بسلاسة، وتكون لديك قابلية لتوجيه مشاعرك كما تريد بحيث لا تعود أسيراً للحزن، الغضب أو الحقد… أن تقول الكلام المناسب في الوقت المناسب… وألا تندم في اليوم مائة مرة لأنك لم تقل أو تفعل ما وجب، قالها مرة فيلسوف حكيم:
“يمكن لأي شخص أن يغضب، هذا سهل، ولكن أن تغضب مع الشخص المناسب بالدرجة المناسبة في الوقت المناسب ومن أجل الهدف الصحيح وبالطريقة الصحيحة، هذا ليس سهلاً”
أرسطـو


نعم! تلك قدرة خارقة بالفعل بالنسبة للكثير ولكنها ليست بمستحيلة التحقيق، وستبدأ التفكير في إمكانية العمل على تحسينها من أجل الحقائق البالغة الأهمية التالية…
الوعي الذاتي أشبه بالوقوف تحت المطر والاستمتاع، أو الرقص حتى… عوض الاختباء تحت مظلة وكأن مياه الأمطار ستجعلك تذوب أو تختفي! وبعيداً عن هذه الصورة الشعرية نوعاً ما، أن تكون ذكياً عاطفيًا هو أن تتحلى بنوع من الوعي لتحتضن زوبعة أحاسيسك وتتعرف عليها عن كثب، ولا تُنكرها أو تكبتها… أي لا تحاكم نفسك لأنك تشعر بكذا أو كذا، أن تعطي لنفسك فرصة عوض أن تكون الحكم، لتكون أنت الملاحظ لأنماطك العاطفية وأنواع العواقب التي تؤدي إليها، يقول محمد أحمد؛ البروفيسور والباحث بجامعة فلوريدا ، أن كل شخص يملك طاقة عاطفية كبيرة، كيف يختار أن يستخدمها هو ما يحدد طبيعة ما يحصل عليه من نتائج والتي حصرها في ثلاثة أنواع؛ إيجابية، سلبية ومحايدة.



وجود غازي الهيدروجين والأكسجين داخل غرفة مغلقة لن ينتج عنه عادة أي تفاعل كيميائي، لأن حدوث ذلك رهين بقدر معين من الطاقة المُفعّلة كإشعال عود ثقاب وهو ما يسمى بالعامل الحافز ـ Catalyst، ما سيؤدي لاندماج الغازين معاً وتكوين جزيئات الماء، سلسلة التفاعلات هاته تحصل أيضاً فيما يخص العواطف البشرية، فحين تضرب إبهامك بمطرقة على سبيل المثال، تحصل مجموعة من ردود الفعل كتضرر نسيج الجلد، وصول إشارة عصبية إلى الدماغ، وتقلص عضلات اليد لإبعاد الإبهام كوسيلة دفاعية، وخلال بضعة نانو ثواني فقط، ستدرك أنك قد تعرضت لحادث مؤلم، عندها ستُثار بعض الأحاسيس عندك مثل الغضب والألم… ردود أخرى لا واعية ستتبع ذلك مُباشرة كالصراخ أو القفز للتأقلم مع أو تحسين الحدث الخارجي الذي أثار تلك المشاعر.
النمط نفسه يحصل مع ردود الأفعال العاطفية، وتجدر الإشارة هنا إلى حدث مهم ضمن سلسلة التفاعلات وهو ما يُعرف بفترة المقاومة؛ أي المدة الزمنية بين رد الفعل الشديد الأولي والرجوع إلى حالة التوازن الشعوري، وتبعاً لمستوى الذكاء والقوة العاطفية، هذه الفترة قد تستمر لثواني، دقائق أو سنوات، وهناك من لا يخرج منها أبداً!!