كان يقول لكل من يقابله انا موسيقار...اناعبقري...ولكني لا استطيع ان اكتب لحنا واحدا وزوجتي على ظهر الحياة...انها تفسد نبوغي .وتقتل احلامي كفنان
وعندما يذهب الى البيت الحزين الكئيب...ينظر الى زوجته في نفور...ثم يضربها...وهي صامتة لا تتحرك...لا تعترض...لا تقول اه
وفي صمت تجري من عيونها دموع...ثم تقدم له ما يحتاج اليه...في طاعة الخادم الذليل
.وظل على هذا الحال سنوات طويلة
وفي يوم عاد الى البيت...فوجد زوجته مكومة في ركن مظلم...وصرخ في وجهها فلم ترد عليه...ثم ركلها بقدمه...ولكنها لم تتحرك
..وبدا يتردد...وعرفت يداه الحنية لاول مرة بعد عشرين سنة من الزواج...وهو يهزها وينادي عليها
ولكنها لم ترد...لقد ماتت
وفزع العبقري...وخرج من بيته...وظل يجري في الظلام حتى وقع على وجهه في الطريق ومات
هذه هي خلاصة القصة التي كتبها الاديب العالمي الكبير دستويفسكي
والقصة تقدم لنا نوعا من الشخصيات يقابلنا كثيرا في الحياة
فالموسيقار يعاني ما يمكن ان نسميه عقدة الاضطهاد وهو يقنع نفسه بان زوجته تضطهده وتعطله عن الفن انه يلقي عبء فشله على زوجته ويبدو في نفسه بريئا خاليا من المسؤولية ويتوقف عن كل شيء
عن تدريب نفسه عن سماع الموسيقى عن محاولة الانتاج فاللحن الوحيد الذي يعزفه باستمرار هو الشكوى والسخط على زوجته
وتمر الايام وهو واقف يتقدم من هم اقل منه في الموهبة والكفاءة بينما هو يخفي عن نفسه حقيقة فشله وعندما تموت زوجته
تفاجئه الحقيقة الرهيبة فالمشكلة داخله هو وسبب فشله هو انه رجل بلا ارادة رجل لا يواجه المشكلة في عينيها
بينما ينظر اليها من بعيد وبطريقة ملتوية وهو يخاف من الاسئلة الجريئة يخاف ان يعرضها على نفسه ويبحث لها عن اجوبة
ومن هذه الاسئلة الجريئة لماذا لا ادرس الموسيقى بعمق ؟
لماذا لا احاول ان اقضي وقتا طويلا مع فني واحاول ان اؤلف ؟
لماذا لا اعرف ما يفعله الاخرون في العالم الموسيقي لاستفيد منه واضيف اليه ؟
ولم يسال نفسه ابدا ما هو ذنب زوجتي ؟
انها تتحملني وانا قاس عنيف وهي لا ترد ابدا ولا تشكو .
لم يفعل شيئا من هذا وظل يخدع نفسه حتى انتهى السبب الوهمي الزائف فعجز عن احتمال الحقيقة ومات
كان طيلة حياته يشعر بعذوبة الشكوى ويعيش في لذة عجيبة تصدر عن احساسه بانه مضطهد وشهيد وكان بحاجة عميقة الى زوجته
ليظل مستمتعا بشعوره الزائف المريح
وكثيرا ما يتعرض الانسان للفشل وليس هذا هو الخطر الاساسي على حياة الانسان ولكن الخطر يرتكز في طريقة مواجهة الفشل واخطر مراحل الفشل ان يتحول الى عادة ثم اقتناع وفي اخر الامر يصبح لذة يمارسها الانسان باستمتاع وسعادة ولذة الفشل
تبدا عندما يلقي الانسان سبب فشله على الاخرين فيشعر انه بريء او شهيد ويبعد عن نفسه تماما مسؤولية الوضع الذي وصل اليه
فلا يحس بالقلق الذي يشعر به انسان ينتقد نفسه ويراقب تصرفاته ويضع امامه هدفا يريد ان يحققه
ثم يتعب ويعرق في سبيل الحصول عليه
ان الذي يضع مسؤوليه فشله على الغير هو انسان يشعر انه خال من العيوب وان العيب يكمن في الاخرين
ويشعر هذا الانسان ايضا انه على جانب من الاهمية ولو لم يكن مهما لم يفكر احد بايذاءه والوقوف في وجهه
وكل هذه المشاعر لها سحر غريب على النفس يسيطر عليها وهو سحر يضيع الانسان في عالم مليء بالاحلام والاساطير عالم تتردد فيه
كلمة انا بما فيها من جاذبية وعذوبة تستريح اليها الشخصيات الضعيفة والتي تعيش حياتها بدون اتجاه او هدف .
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الماجدي احمد علي
