صورة من داخل المسجد الجامع في لشبونة
البرتغال قبل الفتح الإسلامي:
كانت البرتغال قبل الفتح الإسلامي تعرف ببلاد (لوزيتانيا)، وقد خضعت للحكم الروماني منذ سنة (137 ق.م)، وطبعت بطابعهم الحضاري والديني واللغوي والمعماري، ووفرت القلاع الرومانية الأمن والنظام لجميع أنحاء البلاد، وأجبروا سكان المرتفعات على أن يستقروا في المناطق المنخفضة، وتجمع السكان خلال تلك الفترة في الولايات البرتغالية اليوم:
EMERITENSIS-BARACARENSIS- LUCENSIS.
وفي بداية القرن الخامس الميلادي، وقعت في قبضة إحدى القبائل الجرمانية (السويف)، الذين صادروا بيوتات وثروات اللوزيتانيين -الرومان (LUSIO-ROMAN)، وسيطروا على الكثير من الحقول الغنية والمزارع في المنطقة (ويخبرنا المؤرخ "OROSIUS" أن السويف قد حولوا سيوفهم إلى محاريث، فزرعوا الأرض حسب شروط واتفاقات جيدة مع الفلاحين اللوزيتانيين - الرومان) [1].
لقد أنشأ السويف دولة قائمة على أسس قومية مستقلة ذات نظام ملكي وراثي، وأثروا تأثيرا حضاريا كبيرا في الشعب اللوزيتاني القديم. وهكذا تأثرت كل من الزراعة والصيد والبحرية والبناء والأسلحة والحرب والسياسة والموسيقى والفولكلور والعادات، وبقية مظاهر الحياة الأخرى بالسويف الذين امتزجوا كليا بسكان البلاد الأصليين. وفي سنة (576م) احتل البيزنطيون جنوبي البرتغال الحالية، وبعض المناطق الأخرى مثل: (ALENTEJO) ومدينة (MYRTILIS) التي كانت أحد المواقع العسكرية المهمة للسويف، وفي سنة (585م) توحدت مملكة السويف مع مملكة القوط الغربيين بعد إجراء عسكري من قبل الملك القوطي (LEOVIGILD) الذي استدعي من طرف إحدى جماعات السويف لغرض تثبيت سيطرتها على بقية الفئات. ومع هذا فقد احتفظت مملكة السويف بسلطاتها ومنظماتها القومية والدينية على الرغم من القوة المركزية لمجالس طليطلة عاصمة القوط الغربيين. وفي سنة (621م) سيطر القوط الغربيون على جنوبي البرتغال الذي كان تحت النفوذ البيزنطي [2].
تاريخ الفتح الإسلامي للبرتغال:
شكلت البرتغال جزءا من تاريخ إسبانيا الإسلامية أو الأندلس الكبرى، فقد كانت ضمن المناطق التي شملها الفتح العربي لشبه الجزيرة الإيبيرية، وذلك بعد حرب عنيفة وجهد متصل (دام أربع سنوات إلا أشهرا (بدأ الفتح في رجب 92هـ وانتهى في أوائل 96هـ). وقد فتح المسلمون خلال تلك السنوات القلائل هذه الجزيرة الضخمة من أقصى الجنوب إلى جبال البرت وشاطئ البحر في الشمال ومن مالقة وطركونة في الشرق إلى قلمرية وأشبونة في الغرب، واستولوا فيها على سهول الجنوب وعلى مرتفعات قشتالة ونواحي الجوف (اكستريمادورا) القاحلة، ولم يغادروا بلدا عظيما أو حصنا مهما إلا رفعوا عليه راية الإسلام، وأدخلوه في حوزة الدولة الإسلامية الكبرى) [3].
وكان المسلمون حينما فتحوا نواحي الغرب سنة (97هـ / 716م) قد قبلوا من أهل قلمرية (صلحهم وأقروا البلد على حاله، وأقام عبد العزيز بن موسى بن نصير عليه حاكما عربيا تسميه وثيقة لاتينية:
ALBOACEM IBN MAHAMAT ALHAMAR IBN TARIF""
وربما كانت صحة الاسم العربي أبا عاصم بن محمد الأحمر بن طريف في سنة (97هـ / 716م). وكانت المدينة إذ ذاك عامرة وبها كنيسة كبيرة فأقام خلفه ابنه (أتانا جيلدو) (ATANAGILDO) وأعقبه ابنه (قيودوس) (THEODUS)، وأقام على الأسقفية قسّاً يسمى (لوربان) (LORBAN). واستمر أمر البلد على هذا الحال من الاستقلال تحت السيادة الإسلامية العليا حتى سقطت في يد النصارى سنة (450هـ / 1058م)، وحول هذا البلد تكونت فيما بعد إمارة البرتغال وحلت محل ولاية لشدانية (لوزيتانيا) الرومانية، وإنما أشرنا إلى ذلك لنضع أيدينا على أوائل فتح المسلمين للبرتغال وحكمهم إياها) [4].
البرتغال في العهد الإسلامي:
وقد عرفت البرتغال في العهد الإسلامي باسم الغرب أو باسم (كور) أو مدن واقعة فيه كأشبونة (لشبونة اليوم) التي كانت جزءا من كورة (باجة) ثم أصبحت كورة مستقلة تتبعها: شنترين، وشنترة، والمعدن [5] وبلمانة، وقصر أبي دانس، وإلى الشمال منها كانت كورة قلمرية (COIMBRA اليوم) حتى نهر دوير، أي أن كل أراضي البرتغال الحالية.
(وكان العرب هم الذين أطلقوا اسم (برتغال) على شمال هذه المنطقة، سموها باسم المدينة الواقعة على مصب نهر دويرو في المحيط الأطلسي، وهو تعريب لاسمها اللاتيني القديم (PORTOCALE)، وقد اختصر الاسم فأصبح (PORTO) (الميناء)، بينما اصطنع البرتغاليون الاسم الذي أطلقه العرب على المنطقة الشمالية فوسعوا دلالته إلى بلادهم كلها بدلا من الاسم القديم (لوزيتانيا)) [6].
ولأبي عبيد البكري نص تفصيلي ومهم للتقسيم الإداري لإسبانيا, وجعلها ستة أجزاء وخص أراضي البرتغال (اليوم) القسم الخامس (قاعدة مدينة ماردة), وأضاف إليها اثنتي عشرة مدينة ذكر منها عشرًا وهي: باجة - أكشونية – يابرة – شنترة – شنترين – الأشبونة – قلمرية - قورية – شلمنتقة = سلامنكا – صمورة [7].
ويذكر محمود علي مكي أن معظم العرب الذين نزلوا بتلك الكور الغربية ينتمون إلى قبائل زهرة وثقيف من العرب العدنانية، وإلى أوس والقبائل الحضرمية من عرب اليمن. كما ساكن هؤلاء عدد من القبائل البربرية من صنهاجة وكتامة ونفزة ومصمودة وهوارة، وقد بقي الكثير من أسماء هؤلاء ماثلا حتى اليوم في أسماء مدن البرتغال وقراها [8].
وقد ذهب (سيزار دوبلر) في بحث قيم عن (منازل البربر في الأندلس) يبحث عن أسماء المواضع الإسبانية التي يمكن ردها إلى أصل بربري، واستنتج من هذه الأسماء أن البربر لا بد أن يكونوا قد سكنوها وأعطوها أسماءهم. واستطاع بذلك اكتشاف الكثير من منازل البربر مما لم يسجله المؤرخون، ونذكر منها ما يتعلق بالبرتغال الحالية وهي [9]:
- نسبة إلى بربر وهران - VILLA NOVA DEOUREM
- نسبة إلى بربر تونس - TUNIS
- نسبة إلى بربر القيروان ALQUERUBIN-
- نسبة إلى بربر أرزيلا وهي أصيلا (المغرب) ARZILA -
- قرب جواردا/ نسبة إلى بني برزال (زناتة) -BARASAL
- نسبة إلى صنهاجة AZINHAGA -
- نسبة إلى كتامة COTIMOS و AL COUTIM-
إضافة إلى قصر أبي دانس الذي ينسب لبني دانس بن عوسجة (وهم بطن من قبيلة مصمودة)، وقد سميت المدينة بعد ذلك (قصر الملح)، واسمها البرتغالي الحالي هو (ALCACERDOSAL) على مقربة من قلمرية [10].
وقد أشار ليفي بروفنسال إلى أنه ربما كان الطابع البربري أظهر وأوضح اليوم في إسبانيا وجنوبي البرتغال من الطابع العربي بالمعنى الدقيق لهذا اللفظ، وذلك في كثير من ظواهر الحياة الريفية والنشاط الزراعي [11].
وعلى العموم فقد انتشر العرب والبربر في نواحي قلمرية وشنترين وإشبونة وباجة ويابرة وشلب ومرتلة وقصر ابن دانس وشنترة التي شكلت البرتغال الحالية، وانصهروا مع أهلها الذين تبنوا عادات وتقاليد الفاتحين إلى حد كبير، وتكاثر عددهم، وشكلوا قوة فاعلة في المجالين السياسي والاقتصادي.
حرب الاسترداد البرتغالية:
على أن امتزاج هذه العناصر لم يتم دائما في سهولة ويسر، ولهذا لم تخل حياة البرتغال الإسلامية خلال القرنين الأولين من ثورات عنيفة مما أتاح الفرصة لبدء ما يسميه النصارى بحرب الاسترداد (RECONQUISTA)، فقام صاحب أشطوريش الفونسو الأول بالسيطرة على شمالي البرتغال الحالية، كما انتهز الفونسو الثاني فرصة انشغال الأمير الحكم بن هشام الربضي بقمع الثورات الداخلية، فاستولى على الأشبونة عام (182هـ / 798م)، وأرسل كتابا بذلك إلى شارلمان في عاصمته (إكس لاشابل).
إلا أن هذا الاستيلاء كان مؤقتا، إذ لم يلبث المسلمون أن استردوها عام (193هـ / 808 - 908م) وانتزى في الأشبونة في العام نفسه مغامر اسمه طومولوس (TUMULUS)، ولكنه هزم في العام نفسه على يد هشام أحد أبناء الأمير الحكم وأعدم في قرطبة، وتمت تهدئة المنطقة كلها ما بين الأشبونة وقلمرية، على أن نهر دويرو لم يصبح حدا فعليا للنصارى قبل عهد الفونسو الثالث الذي استولى على مدينة برتقال (بورتو) عند مصب النهر عام (254هـ / 868م) [12].
[1] انظر دراسة فيلوزو VELOZO عن أثر الحضارة العربية الإسلامية في البرتغال، نشرت بالإنجليزية في مجلة الجمعية التاريخية الباكستانية، عدد 1966,14م، ص53-52، ترجمه إلى العربية عبد الواحد ذنون، نشره في مجلة آفاق عربية، عدد 1, 1980م, ص39.
[2] المرجع نفسه, ص39.
[3] انظر فجر الأندلس، حسين مؤنس, ص 118, الطبعة الأولى, القاهرة 1959م.
[4] المرجع نفسه، ص509-508.
[5] (المعدن) بالاصطلاح الأندلسي والمغربي بمعنى (المنجم) (الدكتور أمين توفيق الطيبي) مجلة الفصول الأربعة الليبية, عدد 19، 1979م، ص130.
[6] انظر مجلة العربي الكويتية, عدد 219, 1977م, ص23 (البرتغال الإسلامية) محمود علي مكي.
[7] نقلا عن فجر الأندلس, حسين مؤنس, مرجع سابق, ص543.
قورية- شلمنتقة- صمورة : CORIA- SALAMANCA- ZAMORA
[8] انظر مجلة العربي, مرجع سابق, ص23.
[9] نقلا عن فجر الأندلس, حسين مؤنس, مرجع سابق, ص382-381.
[10] انظر ما كتبه حسين مؤنس عن قصر أبي دانس في تحقيقه لكتاب الحلة السيراء لابن الأبار, الجزء الثاني, ص272, هامش 1.
[11] انظر تاريخ إسبانيا الإسلامية (بالفرنسية) الجزء الأول, الطبعة الثانية, 1950م, ص88.
[12] انظر عن هذه الأحداث:
- كتاب (دولة الإسلام في الأندلس ... من الفتح إلى بداية عهد الناصر) محمد عبد الله عنان, ص305/304, الطبعة الرابعة, مكتبة الخانجي, القاهرة.
- مجلة الفصول الأربعة, مرجع سابق ص111.
أما عن مدينة برتقال فقد خصص صاحب كتاب (ذكر بلاد الأندلس وفضلها وذكر أصقاعها) مادة لها فقال: "إنها مدينة أزلية من قواعد الأندلس، وكان بها جامع عظيم غَيَّره الروم حين ملكوها، وهي الآن قاعدة الملك الرومي، ولها أسوار عظيمة وأبواب ضيقة وعليها محرث عظيم وأعمال واسعة تحتوي على أكثر من ألفين (كذا) قرية وبها سبعون حصنا وبها الجوز والعنب والتين الكبير. واسم برتقال هو تعريب لفظ PORTUCALE القديم، ولفظ: PORTU/PORTO معناه الميناء. وهذه المدينة الواقعة الآن في شمال البرتغال هي التي تدعى اليوم بالبرتغالية (PORTO) ثاني مدينة في البرتغال بعد لشبونة، وتبعد عنها بنحو 340 كيلومترا. انظر هامش 584 في المقتبس لابن حيان, تحقيق محمود علي مكي, ص635/634 بيروت 1973م".
محمد القاضي